المركز الإعلامي لشباب الثورة - قصص قصيرة / خاص
الكاتب/ اسماعيل القبلاني
قصة أهديها " وفاءً إلى الأرواح التي صعدت دون أن تدري " !!..
وإلى الجرحى اللذين أصبحوا في ذمة الوطن.
وإليه.. العاشق الذي لن يعود ليقرأ القصة
في زحمة الصوت هلع الناس يسرق أنفاسه من رئتي الضجيج, الفوضى تجمد الصراخ والعشوائية تلتهم البنادق, والرصاص الصاعد إلى أعلى يهيئ أماكن للأرواح.
المجال المحيط بك لا يسمح لك بالانتباه, البعض يحاول أن يفكر والبعض الآخر يهرب والأزقة لا تسمح لأحدٍ بالاختباء فأصبح الناس في فخ أمام أنفسهم وأمام العسكر.
لكن عندما يختفي الظل من جسد الثائر يدرك المسعف بأن البنادق أصبحت حداثية جداً لدرجة أنها تصيب العقل مباشرة. فتجد الجميع حينها بحالة عظمى من الجنون والمخلصون لقناعتهم وإرادة الثورة أصبحوا يحملون هالة غير عادية من النشوة ومن الثورة فجسدوا لنا أجمل لحظات النضال المملوءة بالمغامرة والرجولة.
القنابل الغازية تجعلنا نتنفس النصر لدرجة أن أجسادنا تحتفل وتهتز بأكسجين النصر. أصحاب المنازل المجاورة يخشون أن يأتيهم زائر من النافذة, ولكنهم لا يستطيعون مقاومة المشهد بلحظاته التاريخية فتجدهم يتأملون بصمت من بين النوافذ, حتى أن أحدهم لم يمنعه صمته والشباك من الموت فقد كان الزائر عائداً من مسافةٍ ما شقت طريقها نحو السماء لتهيئ لروح المتأمل من النافذة مكاناً لن نعرف نكهته أبداً إلا حينما نغادر في حضرة " كن ".
يا للمتأمل وصرخة الزجاج وحدها كفيلة بالأسف عليه.. وقد أخبرتنا بأنها بوابته إلى الموت !!
وفي برهة ما لا أحد يدرك كم الوقت إلا أولئك اللذين باغتتهم الساعة, فلا عجب أن الدقائق تجعدت في عقاربها وأصبحت تسير عكس قلوبنا, وما هي إلا لحظات من حماسة شيخ جعلتني أشعر بالكهولة تسري في جسدي الشاب.
وبينما العسكر مستمرون بـ"الهولكة" امرأةٌ ما ترتل الأسى خلف نافذة لم يتحطم زجاجها كقلبها.
فجأة تتجمد الأشياء على مسافة مني, والأرقام فعلى حساب من أزهقت روح ذاك الشيخ المتحمس, ومنذ آلاف الأعيرة النارية لم تزهق روح كهذه. كان صاحبها يتمنى الشهادة فعاد لها ببساطة من مكان آمن لا تصله أنفاسنا المتصاعدة بحثاً عن هواء نقي ووطن نظيف.
........................................ تتساقط دموعنا معلنة شيخ الشهداء في ذمة الله.
وبأعلى ما تيسر لي صرخت :
- اللهم اجعلني سفير البائسين إليك, اللهم وانزع روحي فقد اكتهلت سعياً إلى رحمتك بالعباد. اللهم خلص الشرطة من التسبيح بحمد الرئيس واجعلهم يسبحون بحمدك.
آمين اللهم آمين .
وعلى غفلة من المكان الذي تطهر بالشهداء مدرعة ما تختفي لأن السائق لم تكن إطارات المدرعة ألين من قلبه كغيره من عسكر "عولاكو".
فجأة ..
من حيث لا أدري, أصبحت تتهالك بي المقولة الشهيرة " الرصاصة التي ستقتلك لن تسمع صوتها أبداً ". ولم يعد هناك ضوء السواد يحتضن جميع تساؤلاتي ويا له من أسلوب تعبر به الأعيرة النارية عن كرم الضيافة.
والدماء ما تزال على الأرصفة.. ما زالت خطوات الحرية تتقاسم الهمس القادم إلى أذني, فأستقي منها محاولات هزيلة لرؤية الأفق.
حتى تنسلخ الأسئلة من جسد الحمى ومن بين كل الرصاص:
أين هو طيفك يا ترى؟؟ لِمَ لمْ تطلين عليَّ فجأةً ؟!. الآن فقط ابتسامة واحدة منكِ تستطيع أن تخرجني من بين هذه الأرواح التي عزفت بأجسادها رصاص العسكر ألحان الإخلاص لهذا الوطن.
يا أنتِ ..!
أين أنا الآن ؟!.. في أي متاهة أمزق ذاكرتي بحضورك ؟!
يا للألم.. لأول مرة أدركت بأن العيار الناري يغربل يباب الذاكرة.. ويمزق أنفاسنا تاركاً لنا نصف آه نسد بها رمق الحياة.
ونحن نقمع باسم قانون بلا جاذبية بلا إنسانية.. كل الكيانات تصنع أوطانها من هنا وأي أمة تخلق مجدها من بين الرصاص هي بسلطتها قد خلعت أجسادها للكرامة.
..
ما بين السماء والأرض الأفق الثائر وأنا وسؤال يعبر بي نحو التمسك بالصعود :
فهل يا ترى سأكون سفير البائسين إلى الله بكينونة أقداري أم لا ؟؟
ومن خلف السؤال.. صوت شاحب متقرح المعاني أحس به يزحف في صحراء المسافة ما بيني وبين الواقع يهتف لي ولا صدى له في جوف المسافة.
وقد عجزت أصوات المتواجدين حول جسدي الصامت, بمحاولات طردي من الضيافة.
أنتِ الوحيدة التي أراها الآن !!..
لا تعجبي لأني صرت معك في عالم الموتى, فمخيلتي مقبرة لا يعرفها الماضي ولا تعرفها صناديق الاقتراع, مقبرة لا تسكنها الأشباح مقبرة خلقت للأفكار العابرة على هشيم الوقت في ذاكرتي.
أقترب منكِ وعلى هامش المسافة أبتعد بأصوات ممزقة من كل الجهات :
سعـ... أصـ... تنفـ... دكتـ
... ـيد ... ـمد ...ـس ...ـور
بدأت المفاهيم والأصوات تجن في ضيافة عيار ناري لا يكره الوطن كسيده فاتخذ لنفسه من جسدي وطن.
عاصمته التجويف المحاصر لطيفك داخلي ولهذا انتفض غبار الذاكرة بكِ يخبر العيار بأنه في وطن بلا شعب .. في جسد بلا قلب .
فمن أين لي كل هذا الوجع ؟!
أبعدوه مني.. ولم أفق .. ما زلتُ في غيبوبتي !!..
وما زلتِ تبسمين لي وأسأل طيفكِ:
- ما هذه النرجسية؟. أتريدين الاحتفاظ بجسدي لنفسكِ ؟.!
خذي كل الرغبات واتركي جسدي أشعل به ما تبقى من الوعي على جسد هذا الوطن.
وتبتسمين .. تتمزق ابتسامتكِ .. تتلاشئين .!!.
ثمة من يدق مجدداً .؟
آه يا نبض قلبي !
أما آن لي أن أحسم هذه الغيبوبة ؟
.. و انطردت علامات الحيرة من الوجوه التي لا تحتار في معاركها.. ربما مع عزرائيل.
وبعيداً عن الأزمة القلبية أفقت في أزمة قبلية وفي ضيافتي من كنت في ضيافته وبجواره مشرط وعلامات استفهام لا يكفيها جسدي النحيل كإجابة .!!
ولعل الحب أصبح من الطلقة الأولى .. فمن تلك التي راودت غيبوبتي وكم سرقت من أحلامي ؟.
إنها غيركِ يا سنواتي العظمى من اليأس.
سواء كانت قريبة أو بعيدة.. لم يعد هناك فرق للموت ؟
إلا أن يكون لذيذاً لأجل الوطن !!..
يا لحظاتي العظمى من البأس.. من تلك التي خاتلت أنفاسها وغرتني بأحب منفى لروحي ؟.
أولا تعرف بأن الحب خروج عن المألوف وليس هناك أي شك بتحول العشاق إلى ثوار
ومنذ متى أصبح الحكام مألوفين ؟. حتى راودتني ولا ملامح لها أجدها في عصر الخلافة.
فهلا أرجعت أحلامي لأنَّا في زمن الخروج عن المألوف.
سلطتنا الوعي, وكياننا الفكر, وحياتنا قانون. لم يعد للخليفة كيانٌ فيه وبيننا.
والأنثى نصف حورية في مخيلة الواقع, بعد أن خُلِعَتْ كل المفاهيم التي لا واقع لها.
سنستمر بآهة .. ويحتضن الوطن آفاقنا مجدداً.
[