كسائح أطل بلا معنى يبحث عن معنى وفي حقيبته بعض ما يحتاجه للمكوث هناك على حسب عداد مواعيده الزمني. ومجموعة من الأسئلة تخبئها حقيبة ذاكرته ومتسع شاغر في الذاكرة لإقصوصات وأحاديث سوف يكون لها موعد مع متشوقين لحديثٍ ما, هنا فقط وأمام الحرضة التي سربت التأريخ سيجدون ما يريح أجسادهم وما يعبر عن رحلتهم أيضاً إذا ما حاولوا الخروج عن طبيعة المكان واستسلموا لها فقط. فمن يستسلم للطبيعة ويعيش معها لحظات رحلته هو من سينتصر على ذاكرته ويلقي بها مع ماضٍ لا علاقة له به من على فواهة نسيانه.
هناك فقط تتنصل من معاني الطقس التي تحفظها لأنك أمام قوة الطبيعة الحقيقية؛ فعندما تصل إلى (حرضة دمت) كما تسمى تجد بأن هناك فواهة الآلاف من الذكريات التي احترقت على شفتيها دون ما أمر يخطر على بال أحد. بأن هناك تأريخ لن يقوى أحد على طمسه لأنه أصبح في وجوه أبناء المنطقة.
وبين شقوق الفواهة التي ربما تتسرب منها الذاكرة , أحياناً تصادف بعض السحالي والنمل ومخلوقات غريبة صغيرة تعيش بلا إحساس بالحر ولكنها تقدر قيمة المكان الذي وهب لها مع تأريخ تسرب بلا جدوى من الأرض لمقاومته. فتختفي هذه المخلوقات سريعاً إذا ما وجدت زائراً يطل لتقبل لهفته الممتدة على ارتفاع الجبل فواهة اخجلت أحداث المعمورة لتصبح هذه المخلوقات أفضل من البني آدم الذي يقبع هناك أحياناً بدون آدمية. لأن ما في سطح الفواهة من مخلفات ملقاه إلا دليل على أن هناك مرضى نفسيين لم تقوى الطبيعة أن تعالجهم فهم بدون عقولهم لن يفهمون معنى هذه الفواهة أبداً.
ومع الأنفاس التي احتضنت تأريخ المكان كل الملامح في شاطئ البركان لم تعد مفهومة إلا للجندي القابع أسفل الممر إلى أعلى الحرضة. ومركز أمن يسيطر عليه مكتب المدير كالعادة في جميع مراكز الوطن المرهون في فم حوت تحول إلى ثغرة في جبين الديمقراطية. وكأنه بني هناك خوفاً من أن تسرق فواهة البركان. ولكنه بحقيقته يحمي شرف وزارة السياحة المهدور من أن يهدر.
أما الأوكسوجين هناك يفتقر إلى البرودة المعتاد عليها في رحلتي الشهيق والزفير ولكنه تأقلم أخيراً ليتآلف مع أجهزة "الدمتيون" التنفسية.
وفي أماكن فارهة مختلفة في فنادق المدينة كل المياه الكبريتية لها طريقتها الخاصة في الوصول إلى جسدك لمداواته فقط عليك أن تستقبلها بالتعرق المعتاد حدوثه بإرادة الجسد لا كأي مكان يبث في الجسد حرارة الجو.
اللون البني ليس أمامه إلا أن يصبح عمق الرحلة الحقيقية في المكان, ولا يمكنه الإختباء من الأعين القادمة من أماكن ملت كثيراً من الروتين. حيث تجده في مرمى عينيك حتى في ملامح أهل دمت أنفسهم تجده كقبلة تأريخيه طبعها فم المكان بحرارة أشواقه العالية لأنهم أصبحوا كعاشقين اتحدا في غفلة الزمن. فتشكلت لوحة القدر المؤلمة للإنسانية في لحظة فوضى عارمة ربما لن تذكر يوماً أن هناك ما يدعى الروتين اليومي.
وربما لو أطلت الرحلة اسبوعين متتاليين لاكتسبت قبلة تلك الملامح بدون مقابل.
هناك فقط تشعر بسياحة بلا دولة تقوم عليها سوى جاكيت الميري الذي يلبسه أحد العسكر هناك ليثبت للعابرين بأن الدولة في كل مكان بلا دولة من الأصل.
أتمنى أن أعود هناك وقد انتهى هذا النظام الفاشي.
إسماعيل علي القبلاني
2011م
*تنويه : الصور الموجودة في الموضوع من تصويري.