الفعل هو ما تضمن حدثا مقترنا بزمن معين . فالأفعال تنقسم بانقسام الزمن، و لكل فعل حدٌّ زمني ثابت بحيث لا يتحدد الفعل إلا بتعيين زمن وقوعه.
ويعتبر الفعل الماضي لبنة أساسية من لبنات اللغة العربية عامة والقرآن خاصة ، وهو كذلك الزمن الأصلي للفعل في اللغة العربية بينما الأزمنة الأخرى ، كالمضارع والمستقبل والأمر، متفرعةٌ عنه.
و يعتبر الفعل الماضي فعلاً معجزاً من حيث تركيبه في الصيغة القرآنية ، فله استعمالٌ خاصٌّ ، حيث قد يلغَى منه زمنه المتعارف عليه ليدل على أحداث مستقبلية منتظَرَة. و من ثمَّ فقد تفَرَّد كتاب الله تعالى باستعمال أفعالٍ ماضية من حيث التركيب و لكنها لها دلالة المستقبل .
إن هذه الأفعال ـ وإن جاءت بصيغة الماضي ـ فإنها لم تحدُث بعدُ . ومن هنا فتعبير القرآن الكريم بالماضي عن المستقبل نفهم منه القطع بتحقُّق وقوعه ، فهو أمرٌ لا جدال و لا شكَّ فيه ، وهذا من باب مطابقة الكلام لمقتضى الحال .
ويمكن أن ندرج ضمن دلالة الماضي على المستقبل ثلاثة أصناف من الآيات الكريمة :
1 - الآيات التي تتحدث عن مشاهد يوم القيامة : و المقصدُ من هذه الآيات استثارةُ العقول للتفكر في هذا الأمر العظيم، و اتخاذ العُدة لمواجهة أهواله، وذلك بالتزود بالعمل الصالح. فهدفها إذن تربوي يهيئ الإنسان للقيام بأعباء الاستخلاف عن الله تعالى بالسعي في الأرض تعميرا لا تدميرا، وإصلاحا لا إفسادا :
- كقـوله سبحانه و تعالى : ( إذا زلزلت الأرض زلزالها ) الزلزلة / 1 .حيث تزلزل الأرض وتلفظ أمواتها أحياء ، وهذا طبعا لا يكون إلا يوم القيامة وهو غيب مستقبل.
- وقوله عز و جل : ( كلا إذا دكت الأرض دكا دكا و جاء ربك و الملك صفا صفا ) .الفجر: 21/22 .فالزمن لا يتعلق بالله تعالى مثل تعلقه بسائر المخلوقات ، ذلك أنه سبحانه مطلق متعالٍ عن الزمان والمكان: ( هو الأول و الآخر و الظاهر و الباطن و هو بكل شيء عليم ) الحديد / 3 .
ومن ثم فإن المستقبل في حقه تعالى ماضٍ، لأنه المطلقُ - سبحانه و تعالى - المستوعبُ لكل الأزمنة، ومن ثم فإن مجيء الفعل الماضي الدال على الاستقبال ناسب المقام الرباني ، إذ دلَّ على عظمته - تعالى - وعلى أنه مطلق غير محدود بالزمان ولا المكان ، كما أنه ناسب حال المخاطبين بتقريره لحقيقة عقدية وهي البعث والنشور ومشاهد يوم القيامة، التي هي بمثابة غيب مطلق لا يمكن للإنسان أن يقف على ما هي عليه حقيقةً لأنه أسيرُ نِسبـيتِه . و النسبيُّ لا يمكن أن يُحيط بالمطلق .ومنهج السلف الصالح في تفسير مثل هذه الآيات المندرجة ضمن آيات الصفات إجراؤها كما وردتْ من غير تكييف ولا تشبيه، ولا تأويـل ولا تحريف ولا تعطيل .
- وقولــه سبحانه : ( إذا السماء انفطرت و إذا الكواكب انتثرت ) الانفطار : 1 / 2 .
- وقوله : ( حتى إذا رأوا ما يوعدون ) مريم / 76 .
- وقوله : ( فإذا برق البصر و خسف القمر و جمع الشمس و القمر) القيامة : 7 / 8 / 9 .
- وقولـه : ( إذا الشمس كورت و إذا النجوم انكدرت ) التكوير : 1 / 2 .
- وقوله : ( فإذا جاءت الصاخة ) عبس / 33 .
وغيرها من الآيات التي جاء فعلُها ماضياً دالاًّ على المستقبل لتحدثنا عن يوم القيامة ، فاحتوت كل واحدة منها على مشهد من مشاهد هذا اليوم العظيم تصف لنا أهواله ، وما سيكون عليه ذلك اليوم العصيب .
وقانا الله و إياكم أهواله . آمين