الحداثيون وقراءة النص الشرعي
ملخص لمحاضرة الدكتور عبدالله الخطيب
من إعداد: الأديبة هيام ضمرة
الحداثيون وقراءة النص الشرعي.. عنوان المحاضرة التي تصدر بكفؤه لإلقائها أمس السبت 8/9/2012 عن منصة رابطة الأدب الاسلامي العالمية في عرجان الدكتور عبدالله الخطيب المتخصص بالنقد في الجامعة الاسلامية.
أطلق المحاضر منذ بداية المحاضرة جملة من الأسئلة لتكون مفتاحاً للعبور إلى متن الموضوع ولتمنحه تشويقاً وتسهيلاً في آن معاً لكشف الغطاء عن مضمون المحاضرة، وليفكك قدراً من تداخلات العلاقة بين النص الشرعي وآليات الحداثة ومناهجها..
ما هي الحداثة..؟
هل الحداثة تناقض الاسلام كدين وتفكك معتقداته المقدسة..؟
كيف اشتغل الحداثيون العرب وفق مناهج النقد الحديث مع النص الشرعي..؟
بدأ ظهور مناهج النقد في الغرب منذ النصف الثاني للقرن العشرين.. كالبنيوية، والتفكيكية، والأسلوبية، والسيميائية، والنقد الثقافي وغيرها من مناهج ابتكر أيقونتها مفكرون غربيون,, وتماهى مع خطابها النقد العربي، واستجابت دراسات العرب النقدية لهذه الثورة الحديثة، وكانت قصة البداية عند طه عبدالرحمن وعبدالله العروي (المغرب)، وعند أدونيس (سوريا) ومحمد أركون، ونصر حامد أبو زيد ( مصر) وعبدالله الغذامي (ليبرالياً من الجزيرة)
واصطدمت هذه الأيقونات بالثالوث المحرم (الدين- الجنس- السياسة) حيث خصوصية النص الشرعي، وسلطة النص الفقهي المستمد عمقه من سلطة سياسية، كلها وضعت محاذيراً في النقد العربي
ما هي الحداثة..؟ وما الغاية التي جاءت بها الحداثة..؟ وماذا تريد..؟
الحداثة عملية تخلص الانسان من أوهامه، وتحرره من قيوده، وتفسر الكون تفسيراً عقلانياً ذاتياً من خلال قطع الصلة بالماضي والاهتمام بالتجربة الانسانية الآنية.. كما تسعى في المقابل إلى إرساء الثوابت التي تحكم الإنسان وتجربته من ناحية وتحكم الصيرورة الثقافية في تفسير المتغيرات العابرة، وفي ذات الوقت تمنح مشروعية تبريرية عقلانية للتجربة الآنية.. من هنا جاء التقابل الضدي بين الثابت والمتحول لمنحها نظام مستقر في التفسير..
إنما تولدت عند العرب قراءات ألقت الضوء على الموروث، محاولين تقويض نظام اللا عقل ونقد مفعولات اللا معقول، وامتداداته المتجذرة في الناحية الاجتماعية والسياسية والمعرفية، من خلال انجاز قراءة جديدة للنص لهدف التجديد في الفكر الاسلامي، الذي تجمد قرون طويلة وأصبح لزاماً التجديد لمواكبة حركة العلم والعقل معاً
حيث الحداثة طالت كل مناحي الحياة ولم تقتصر على النقد الأدبي فقد شملت المناحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية وفنون العمارة وغيرها.. إنما الحداثة لغت المحمولات الفكرية والثقافية للعقل الجمعي العربي متجاهلة خصوصية النص المقدس عند المسلمين.. وهنا يكمن الانعتاق عن هذا المشروع الأيدولوجي على صورته الغربية
لماذا الحداثة..؟
وجد أن القديم لم يعد متكيفاً مع متطلبات العصر وحاجات الناس الحقيقية، وصار لزاماً تحرير القوانين المضبوطة بقوانين شرعية إلى قوانين وضعية تلائم الحاجة، والتحول من الالتفات الطبيعي بين الرجل والمرأة إلى المساواة في حقوق المواطنة وواجباتها، وتقبل الآخر، وعدم اضطهاد الأقليات، وتثبيت حقوق الانسان، وعدم كراهة ثقافة الآخر، والتسامح الديني، وتقبل الاختلاف، والتحول من ثقافة الحقيقة المطلقة إلى ثقافة الحقيقة النسبية.. وهنا فإن تعطيل الموروث على هذا النحو يلغي مصلحة الجماعة على حساب المصلحة الفردية
وهناك بالطبع أسباب جعلت الحداثيين العرب يتجهون لنهج الحداثة الغربية
1- الانبهار بالحضارة الغربية لتقدمها الحضاري وافرادها الحقوق الفردية، والحريات كحرية الاعتقاد والانتقاد وحرية التعبير والتفكير وغيرها
2- الابتعاث للدراسة والنهل العلمي في الدول الأجنبية، والغرْف من العلوم والفكر الغربي، فكان المبتعثون أدوات اختراق للفكر العربي والاسلامي، تتغلغل في الموروث الحضاري الاسلامي دون احداث مؤشرات توجه اصبع الاتهام نحو الغرب، مما يحقق أهداف المستشرقين
3- عملية التصدي للفكر اللاهوتي الغربي القامع، واخضاع التفاسير اللاهوتية جميعها للنقض والبحث والتمحيص، وجد صداه عند الحداثيين العرب فراحوا يقلدونه دون الالتزام بالاعتبارات الضرورية
من هم المتعاملين مع النص الشرعي..؟
1- دعاة التجديد المطلق.. ويدعون إلى القطيعة المعرفية مع التراث العربي والاسلامي والتعامل معه دون تحفظات، وفي هذا إبادة للموروث الحضاري الفكري لأمة الاسلام تحت شعار العصرنة
2- دعاة الانعكاف على القديم.. وهم الذين يقدسون الماضي لمجرد حمله السمات القديمة التي لازمت فترة الأمجاد وأنجبت عظماء الفكر والعلم الاسلامي ومن خلاله عرفت المذاهب الفقهية الاسلامية، وبهذا حكموا على العقل الاسلامي بالتجمد عند تلك الحدود
3- التوسط بين الأصالة والمعرفة والربط بينهما.. وهي حالة الإفادة من التراث المتسلح بالمتانة والأصالة والتفسير المنضبط للنص الشرعي ورفده بعلوم البحث العلمي والتكنولوجيا المعاصرة، من خلال توظيف آلات البحث بحيث تضفي عليه القيمة العالية.. وهو النهج السليم
انطلق الحداثيون العرب في نظرتهم للقرآن الكريم على أنه منتج ثقافي قابل لإخضاعه لمختبر سردي يعيد انتاج تفسيره، كونه نزل بواسطة الوحي على مدى عشرين عاماً.. فأعلنوا صراحة عن مشروعهم في قراءة النص القرآني، وحددوا مساقات لذلك بما يعطي مندوحة من الحرية الفكرية غير مرهونة بقداسته مسبقاً.. بحيث يتم الآتي
1- مراجعة أصول الفكر الإسلامي
2- تفكيك تلك النصوص ( القرآن والسنة وتراث الصحابة وأهل الإجماع) واخضاعه لكافة المناهج التحليلية للخطاب من النسق الذي علق بها من الضمير الاسلامي أو الاستشراقي، من خلال وصلها بالحدث التاريخي، والمحيط الجغرافي، والنظام الاجتماعي، والثقافة الذهنية السائدة في ذلك الزمن والظروف البيئية.. وبدت عندهم تلك الرغبة الجامحة لإسقاط أي نظرية علمية على النص القرآني دون مراعاة توافقها أو تعارضها.... فتناول النص القرآني بالدراسة وفق مناهج قراءة النصوص الأدبية يلغي الفوارق بين النص الديني والأدبي، وهذا خطأ فادح يبدو كمثل الخلط بالفوارق بين النص الشعري والنص الاعلامي
وعرض المحاضر لنماذج تطبيقية للحداثيين مع النص الشرعي، كمحمد أركون في كتابه( القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني) وظف فيه المنهج الألسني، وقدم فيه قراءة لسانية لسورتي الفاتحة والكهف.. ونشر عدة دراسات وفق المنهج اللساني والسيميائي والتحليلي للقرآن الكريم ونشرها فيما بعد بكتاب (قراءات في القرآن) 1982 في باريس.. وقد بين الهدف من دراساته لا لابطال التفاسير الموروثة بقدر ابراز الصفات اللسانية اللغوية، وآلات العرض والاستقلال والإقناع والتبليغ والمقاصد المعنوية الخاصة بالخطاب النبوي، لكن سرعان ما توضحت مقاصده الحقيقية في تعمده إظهار ضعف التفسيرات السابقة، كما جمع بالحكم نصوص القرآن والانجيل والتوراه رغم فارق ثبوت كل منها
ويستمر أركون في اقناع القارئ بأحقية النظر إلى دراسته بعين المحايد لتفهم نظريته في أسس المنهج اللساني والتفكيكي والسيولوجي ومعرفة قواعده.. وهنا نتلمس وجود طفرة معرفية في تحليل الخطاب الديني عامة، وهذه الطفرة لا تمس العقيدة في محتواها وممارساتها، وإنما تحيلها إلى مستوى أوسع ومنظومة أكثر تفتحاً وأشمل إحاطة بما أضافته الحداثة العلمية من نظريات وشروح وتأويلات واكتشافات ووسائل إحقاق الحق والحقيقة ( حتى لا يتعجل المؤمنون ويرفضون القراءات التي اقترحها للقرآن) كونه مبتدئاً وسقطت منه المحددات الاجتماعية والثقافية بسبب عدم اكتشافه بعد تعاليم اللسانيات والسيميائيات والانثروبولجيا والسوسيولوجيا الدينية والثقافية وعلم النفس التاريخي