تسرب من بين رموش عينيّ تسرب رمل ، و هرب هروب مخلوع الفؤاد ، فغدا أثراً بعد عين ألا من هدأة فرّخ فيها شجني .
و بزغ النور ، و سكبت الشمس ضياءها في كل الزوايا حتى ملأت فراغ وحشتي .
حملتني الخطا حيث التقيتك ضاحكاً ، و قادني المسير إلى مغذى الحمائم ، و الخير يملأ الأرض . وقفت أرقب رفيفها يطرز السماء بزخارف لا شكل لها ما خلا رسم لحياة طير يغدو خماصاً . و السمع مني لا يعي غير هديل أعجمي و هديل آخر لروح تنشد الحياة بي و لي .
سكنت مني النفس و الأعضاء ، فأمنتْ ، و الأرض تغري الحمائم بما يشبع الحواصل ، فبدأ بالهبوط أمامي جوعا و فرحا ، واحدة ، اثنتان ، و أختهما ثم العشيرة . سبحانه المولى الأجلّ ؛ خلق و أبدع فأتمّ ، طير يشرب سواد قوادمها بياض خوافيها فلا أسود كالح و لاأبيض يقق ، تعلو بحثاً و تهبط فوزأً ، حتى إذا لا مس الطرف منها أديم الأرض رأيت أبرع ملاح يستقر على أرض زلقة ، فتشتري الصورة مني الضحك عجباً و لين الجوارح إشفاقاً .
و تتجه العين نحو الحبة و القمحة ، فيتحرك الرأس منها و المنقار و يتبعهما جسدها الصغير ، فتبدأ بالنقر و التقاط الحب مرة بعد مرة و كأنها حائك يغرس أبرته في نسيج الأرض و يسرع في انتزاعها ليرفو رتقاً أو يوشي ثوباً غير أن الوشي يضع أحجاراً و الحمائم تنزع حبوباً .
ويدعوني السرب أن أقبلي ، فأهرول نحوه يدفعني غروري أني الأكبر ، فيطير فزعاً و أضحك فرحاً ، فما أجمل انتشار الأجنحة خافقة ترى رجفها و تشم رائحتها . تأملتها مبتعدة في كل اتجاه ، و ضجيج هديلها يلوث المكان ، و لكنها سرعان ما عادت كرة أخرى ؛ واحدة ، اثنتان ، و أختهما ثم العشيرة . و عدتُ أنظر ، فإذا بها تتجه نحوي محلقة إلى أعلى و أنا أهبط فزعا بجسدي إلى أسفل ، توجعت مني النفس ، و وجف القلب ، فقد علمتُ أي حرية تملكها تلك الطيور و لا تملكها حرة .
مازال صوتك يجلجل في أذني ضاحكاً " طفلة ، و ستبقين طفلة " .