السلام عليكم
أشكر لكم بداية هذا التفاعل الكريم مع الموضوع وأنتم أهل لكل مكرمة ، وما أزال أطمع بالمزيد من الحوار والتفاعل الكبير من الجميع.
ثم إني بعد الاطلاع على ما دار هنا ولأنني لا أملك الوقت ولا الصحة حاليا للرد المفصل على الكثير مما ورد هنا أستأذنكم في أن أرد على ما أجده يحتاج توضيحا أو تفسيرا غير آجل لضرورة استقامة الحوار في سياقه الذي يوصل للنتيجة المثمرة.
1- الحوار المطلوب هنا لا يتعلق مطلقا بطبيعة القصة والرأي حولها إلا بما يخدم الفكرة المطروحة ، أما البحث حول مفهوم أوضح للقصة القصيرة ومعوقات هذا وأسباب ومسببات المعوقات التي شابت فن القصة فهذا محور حوار آخر قد نطلقه مستقبلا. وعليه فمن أجل أن لا يتعشب الحوار وأن لا نفقد الاتجاه والهدف أرجو من الجميع التزام المحور الأساسي للحوار بما هو موضح في أساس الطرح.
2- نحن هنا لا نرفض فن الومضة الأدبية فهو جميل ومقبول جدا متى أتقنه كاتبه ، وإنما ندعو للترحيب به كفن أدبي مستقل بمصطلح دال دقيق وغير مربك أو مختلف عليه ، وكل المداخلات التي تحدثت عن هذا الشكل الأدبي الجديد تحدثت للأسف بلسان المدافع عن كيانها وهو ما لم نمسه لا من قريب ولا من بعيد ، وعليه فأرجو أن يعود المحاورون إلى أصل الطرح بدقة ليكون رأيهم أكثر تحديدا.
3- أنا حين تحدثت عن الصفحة والصفحتين لم أكن أكثر من محاول التبسيط لكل الأفهام من جهة ومحاولا سد الباب على من يتعمد الدخول من الثقوب والفرج. وأحمد العزيز جاء بسيف القصة يدافع عنها بما كنا نتوقع وبما كنا نبتسم له حين كتبنا الأمر ، ولا أحسب أن أحمد أو أحدا من الأحبة يظن بأن معيار القصة عندي يكون بعدد الصفحات أو بدون اكتمال الفكرة والحالة السردية.
4- نحن هنا أصحاب رأي ومبادرة ولسنا فقط أصحاب تبعية وتلقين نكرر ما يلقي في أفواهنا، فثقافة المصطلح وتزيينه بكلمات كبيرة جوفاء قد أفسد الكثير من مشاهدنا الثقافية والفكرية والأدبية والإعلامية وعلينا أن نتعلم كيفية المبادرة ورفض التلقين وكذا تصحيح المفاهيم وتحديد المصطلحات. هذا ما أرجو على الأقل!
5- فن القصة والأقصوصة والمسرحية فن مستقل وثابت وله مقوماته ، ولعل أهم ما يميز فن القصة عن الفنون الأدبية الأخرى هو الحكي والحالة السردية وبدونها تتلاشى معالم القص الأساسية فالحديث عن الحدث وحده أو عن العبرة أو عن أي شيء سواه هو حديث غير دقيق ذلك أن الشعر والنثر بكل أنواعه لا ينقصه الحدث ولا الحالة ولا الزمكانية ولا الحكمة والعبرة في أغلب الأحوال على أقل تقدير. والحالة السردية هذه لا تكون حالة سردية إلا بالحوار وبالأخذ والرد بتكثيف طبعا في وسياق ما يخدم الفكرة ، وليس المقصود من السردية الثرثرة ولا نقيضها من الإشارة بغمزة عين. يجب تسمية الأشياء بمسمياتها وعدم الاستهانة بتأثير التداخل في تأثير المصطلح ولو على المدى المتوسط والطويل.
6- ليس بالضرورة أن يجيد من يكتب الومضة القصة الأقصوصة كما لا يشترط أن يجيد رسام الكريكاتير الرسم ، بل إن الواقع يؤكد أن أكثر من يجيدون فن الكريكاتير لا يجيدون الرسم ومن يكتبون الومضة لا يجيدون فن القص ، وإنني لا أجد الومضة أكثر من جملة مهمة في نص أدبي سواء أكان قصة أو نثر أو حتى شعر ، وليس لها ثمة علاقة بالقص إلا بقدر علاقتها بالفنون الأدبية الأخرى تزيد أو تقل وفق مضمونها. ورغم هذا فلها أثرها الجميل أيضا مستقلة وفي سياق جميل وأسلوب راق.
7- عنصر الإمتاع والتسلية والعظة لا يتحقق بشكل تام إلا عبر فن القص القائم على السردية المباشرة أو غير المباشرة. والحقيقة أنني مصر على أن جل ما نكتب هنا هو من فن الأقصوصة مما ينطبق عليه وصف القصة القصيرة جدا فأغلب ما نكتب من نصوص لا يكاد يكمل نصف صفحة في كتاب ، ولذا فإني أرى أن هذا الوصف هو من نصيب النصوص الأخرى وليس من نصيب الومضة التي تتكون من سطر أو سطرين.
8- لست ممن يحب أو يحبذ الانحناء لموجة العصف الواقعي المفروض من خلال إعلام غير صحي وغير صحيح ومضلل في أغلب أوقاته. والحقيقة أن الواقع يقول بأن أكثر الإصدارات الأدبية المطبوعة نجاحا هي الرواية ، وهذا أيضا موجود في الغرب ، وقراء الرواية التي هي قصة طويلة كثر جدا ، ولكن هذا طبعا لا ينفي أهمية الأقصوصة في مجالها وتأثيرها ، ولذا أرجو أن لا يتم الحكم على الأمور من منطلقات غير واصفة أو تقرير الرأي من فهم خاص لجزء ما من الصورة.
9- أخالف تلخيص أحمد في أمر واحد ولكنه مهم وأساسي وهو أن الأمر يتعلق بالمصطلح الذي نطرحه هنا لتحديد المسميات ووصف دقيق شارح للفن المقصود ، والومضة الأدبية التي أقترحها هي بتقديري مصطلح شارح وواصف لهذا الفن الجديد وشخصيا اصر على أنها لا تتعلق بفن القصة إلا بقدر تعلقها بالفنون الأدبية الأخرى من شعر ونثر رغم جمالها مستقلة أيضا ، ولذا كان الحوار كي لا يختلط الحابل بالنابل في ثقافة المصطلح.
10- أعود على بدء للقول بأن الحوار هنا لا يسعى لرفض أو وأد هذا الفن الأدبي الجديد بل تسميته بما نراه أنسب وأدق وأقوم، وكذا لفكرة فصله عن قسم القصة باعتباره فنا مستقلا لا علاقة له بالقص ، وفي هذا إكرام لهذا الفن وإكرام لفن القص في آن معا.
تحياتي