التسامح ......
تَظُنُّ الشَّيبَ ميزانُ الهِيَابِ؟
يُكرِّمُ في الخلائِقِ مِن جَنَابِي ؟
ويُدنِي خَالِصَ الأَحبَابِ مِنِّي ؟
ويُسكِتُ مَن يسيءُ لدى غِيَابِي ؟
ويَدفَعُ جَهْلَة السُّفهاءِ عَنِّي؟
وُيسمِعُ مَن يُصَمُّ ندى خِطَابِي
وتَحسَبُ جَامِع الأموالِ يَعلو
إذا مَلَكَ المزيدَ مِنَ النِّصَابِ ؟
فهذا الشَّيبُ في كِبَرٍ أتاني
وماَلي طامِسُ الأَنوارِ خَابِ
فكيف تَهَيَّبَ الأصحابُ مِنّي
وكيف علوتُ في زمنِ الشَّبابِ ؟
علوت بشِيمة الأخلاقِ عِندي
فلم أفتح لِسوءِ الطّبعِ بابي
ولا دارت على صحني كُؤوسٌ
ولا لَمَستْ مُحرَّمَةٌ ثيابي
وما سهمٌ رأيتُ يفوقُ سهماً
كعفو المرءِ عن خطأ الصِّحابِ
مَلَكتُ رِقَابَهُم بالعفوِ عنهم
كذاك العفو يملك للرقابِ
وأوجَبُ مَن يَنَالُ العفوَ لمَّا
أُخاصِمُ مَن يُسِيءُ ولا أُحَابِي
وأُعطيهِ المَوَدَّةَ لَا أُعَادِي
وَيَسكُنُ في مُوَسَّعَةِ الرِّحَابِ
أبِي أُمِّي وَزَوجِيَ والرَّعَايَا
إِذَا أُمِّرتُ في بَعضِ الشِّعَابِ
فراياتُ السَّماحةِ في ظهورٍ
وراياتُ التَّكَبِّرِ للغِيَابِ
فَسَامِحْ مَنْ يَزلُّ تَكُنْ عَزِيزاً
وفي الأُخْرى تَحُوزُ على الثَّوابِ
سَتَدنُو في المَجَالسِ مِنْ كَرِيمٍ
رسولِ اللهِ من دون الحِجَابِ
فَمنْ يَعفُ الإساءةَ من ضعيفٍ
يفُقْ في النّاس من دون الحرابِ
ومن ما زال للإخوان سمحاً
يسامِحُهُ الكريمُ لدى الحِسَابِ
ومن يرجُ الأفاضل عنه عفواً
ولا يرضى المَشَحَّة في العِتَابِ
تَجَاوَزَ عنهم ُ وأناخ طوعاً
وماء الخير يكمن في السّحاب
وغصن القمح يحني الرأس مَلءً
ويرفعُ رأسَهُ عُودُ اليَبَابِ
وَمَنْ طبعُ الجهالةِ منه يُدمِي
سليطُ القولِ في حَنَقِ السُّبَابِ
فلن يَلقى مِنَ الأَصحابِ خِلاً
فحقَّاً باذلُ الأعمالِ جابِ
فكُنْ سَمحاً يراكَ النَّاسُ عَدْلاً
وإنْ شَاحَحْتَ تُخطئ في الصّوابِ
ولا تسمع لمن يدعوك يوماً
لنفثِ الغَيظِ في طبعِ الذِّئابِ
ومن قالوا بأنَّ العفوَ ذُلٌ
يُجَرِّأُ مَن يَلوغُ إلى الشَّرابِ
ومن قالوا عرفنا النّاس تخشى
من التعنيف في سُبِل العِقاب
فكَم أَذنَبْتَ فِي الأَيامِ طَوعَاً
وخالفتَ المُنَزَّلَ فِي الكِتابِ
أترجو عن ذنوبِ السُّوءِ عَفواً
فسامح مَنْ أتاكَ بلا عِتِابِ
كنوزُ العفوِ في الأَيامِ تَبقى
وَيفنى المالُ من كيس الجِرابِ
وتُمطِركَ السَّماحةُ كلَّ خيرٍ
وينفعك التَّسامحُ في المَآبِ
وإنْ كان الكريم يُريدُ فضلا
فليس مِنَ المُوسَّدِ للتُّرابِ
فعند اللهِ فعلُ الخيرِ يبقى
وعند النّاسِ في سُبُلِ الذّهَابِ
فايُّ الكنَزِ في الدَّارينِ أَوفى
وأَيُّ الفَضْلِ يَسبِقُ للشِّهابِ