قلمُ رصاص!
أوقفتُ السيارةَ في كراجِ الجريدةِ. قامَ الحارسُ هناكَ بفحصِ السيارةِ مستخدماً عصاً معدنيةً تنتهي بمرآةٍ دائريةٍ محدبة. كانَ وضعها أسفلَ السيارةِ ما بينَ العجلتينِ وطافَ حولَ السيارة، ليتأكدَ من خلوِ جسمِ السيارةِ منْ أيةِ مادةٍ متفجرة..
صعدتُ بالمصعدِ إلى مبنى الإدارةِ في الطابقِ الثاني، وهناكَ استوقفني رجلُ أمن...فتّشني ...فوجدَ في جيبي سكيناً صغيراً فصادره، قلتُ: ما حاجتُك إليه!
قال: بلْ أنتَ ما حاجتُك إليه؟!...
. قلتُ في نفسي...سأقولُ له :لأذبحَ به تفاحةً!!..أو برتقالةً..
لكنني اعتبرتُ ذلك جواباً عنيفاً، فعدتُ إلى حِرفيّتي قائلا: لأبريَ به قلمَ الرصاصَ...فأنتَ تعلم .. أخطاؤنا كثيرةٌ، نحتاجُ إلى مسحٍ وإضافة...أي نحتاجُ إلى تغييرٍ وتعديل!!
قال:لكنّ قانونَ الإرهابِ الدوليِّ يجرِّمُ الصحفي، أن يحمل آلة حادة!
قلتُ :أليسَ قلمُ الحبرِ آلةً حادة، فرأسه مدبب حاد؟..فحدثتني نفسيَ أن أغرسَ القلمَ في صدرهِ لأثبتَ لهُ أنَّ القلمَ آلةٌ حادةٌ!
قالَ: رُبّما سيفعلونَ ذلكَ في المستقبلِ. الكتابة باستخدام الكمبيوتر أفضلُ وأجملُ وآمن!...فهممتُ أن أضربَهُ، فخشيتُ أنّي لا أستطيعُ!
وتخيلتُني؛ أنّي غرستُ قلمَ الرصاصِ في صدرِ رجلِ الأمنِ..ثمّ وقفتُ أمامَ القاضي مُقيداً.. قالَ القاضي: أما يكفيكم أنَّكم تغرسونَ صدورَ صحافتِنا بآلافِ الأقلام؟!
دلفتُ إلى الإدارةِ، سألتُ المديرَ عن الحالةِ الأمنيةِ الطارئةِ في الجريدةِ، قالَ : سيزورُنا معاليَ السيدِ وزيرِ الإعلامِ ...علينا أن نكونَ جاهزين !
سلمتُ مقالتي الأسبوعيةِ إلى المديرِ، وعدتُ إلى مكتبي...وقبلَ مغادرتي المكتبَ بعدَ الظُّهرِ، جاءني المراسلُ، وسلَّمني رسالةً من المدير، هذا نصُّها:
لقد استعملتُ المبضعَ على حذفِ بعض فقراتٍ من مقالتِك!! ثمّ تحتَها توقيعُ المدير.
فتركتُ مكتبي إلى مكتبِ المديرِ مُغْضباً.. فتحتُ البابَ...رميتُ الورقةَ في .. وجههِ، وصرختُ:
لكنَّ قانونَ الإرهابِ الدوليِّ يجرِّمُ ذلك!...فغطسَ في كرسيِّهِ الوثيرِ.. نظرَ من فوقِ نظّارتيهِ.. فغر فاه وقال: هاهْ!... ولم ينبسْ ببنتِ شفة!