وادْعُ لجَدِّكَ بالرَّحْمَة
أَسْكَنَ السكينَ في رقبتها يجزها جزا، بَدَتْ بين يديه العظيمَتَيْن ـ على حجمها الكبير ـ كحَمَلٍ ضعيف .. منذ أسبوعين أحضرها له التاجر قبيل الفجر ببضعة آلاف جنيه .. لكنه قبل ذلك ذهب للمعلف واختارها على عينه .. أعجبته بوفرة لحمها وسلامتها من العيوب ،هو نفس التاجر الذي كان يحضر الذبائح لأبيه من وقت لآخر .. لم يتغير شيء سوى أنه طلب من التاجر أن يحضرها له ليلا على غير عادة أبيه .. ومنذ أسبوعين وهي حبيسةُ ( مَنْورِ) الدار الضيق.. يُسمعُ خوارُها القوي وكأنها تطلب أن ترى البراح ولو مرة واحدة قبل ذبحها .
يقول لابنه الذي يقف بجانبه منذ ساعة يساعده في الربط والذبح والسلخ ..
: خذ عني هذا ـ أي بني ـ كما أخذتُه عن والدي، فقد رأيتني وأنا في مثل سنك تمتلكني الرغبة في معرفة كل شيء ، فلزمتُه كظله.. كم كان ماهرا طيب القلب .. عطر السمعة!!.. لا يأمرني بفعل شيء حتى يفعله أولا أمامي ، فإذا أراد أن أتأسَّى به هَمَّ بتكراره ، فأقوم أنا بالعمل في لحظة انتظار ومراقبة منه ... يقسِّم الذبيحة جزأين على كيسين ، وكان أكثرَ ما يحبُّ منها الكبدُ ... يضع معظمها في الكيس الأول على حبها ... الكيس مملوء باللحم النظيف المقطع والمُكَيَّس بعناية .. ثقيل ينوء به حمله .. يلتزم هو بتوزيعه بنفسه في ذات الليلة ، ولا يُدْخلْه الدار بحال .. يحمله على ظهره .. يتوارى في جوف الليل عن عيون الناس .. يحث الخطى .. لاهثة أنفاسه .. لا يظله نهار إلا وقد وزعت صدقَتُهُ كلُّها ، وأنا أتبعه خفية .. أراه يلف بالسعادة يوزعها على بيوت اليتامى والأرامل والمحتاجين .. أكاد أسمع طَرْقَ أبوابهم رِكْزًا، تلاحقه دعواتهم بالبركة وسعة الرزق بينما هو يعجل السير دارا فدارا .... أما الكيس الثاني فيتركه للبيت ، ثم أسمعه ـ بعد عودته طيب النفس مصحوبا بالحبور ـ يوصي أمي بالمعارف والأقارب والجيران ، وما يتبقى بعد ذلك يكفينا ويفيض..
ـ رحمه الله ـ .
هيا ـ يا بني ـ اقطعْ هذه .. واكسرْ هذا .. وعلِّقْ هذه .. أسْرِعْ ،فعمَّا قريب يبزغ ضوء الفجر .. ، كيٍّس اللحم بسرعة فأمك بالانتظار .. لتُسَتِّفَ الأكياس بـ ( الفريزر) .. أمك تحب تخزين اللحم .. أما تحب أن تسمع منها : ( الفريزر فيه عجل بحالو ) ؟ هههههههه .
: وماذا عن تلك الظلوف يا أبي ؟
: ـ يا بني ـ ذلك حق الفقراء علينا .. ارمها ليأخذها من يحتاجها ، وادع لجدك بالرحمة .
============
تحيتي
حمادة الشاعر
الاثنين ( 4/2/2014 )