كتبت بالغربة عام 2000م
من مجموعة تقرير عن ربع قرن من العمل في دولة عربية
رسالة عـبر الحدود
هـل مثل عزِّك قدحازته أقطـار
أو مثـل أرضــــــك إذ يأتيك زوَّارُ
جـاؤا إليك من الأعماق يدفعهم
حب وشوق وإجْــــــلال وإكبـــــارُ
شدوا الرحال وبيت الله مقصدهم
والله يكلــــؤهــــم والله غفَّــــــــارُ
ياخـير أرض إذ الرحمن فضَّلهـا
ما شـــــاء يخــلق إنًّ الله يختــــارُ
من أجل مكة يحلو البذل قد رخصت
في حب مكــــــــة أرواح وأعمــــــارُ
فليكثرنَّ من الأعمـــــال مجتهـد
وليَجْهــــــدنَّ لفعـلِ الخير مكثــــــارُ
إنَّ المحب يُرى في بذلــــه فرحـا
عمَّـــا ينــــال ويعطي وهْـو مختـارُ
ألا ترون ولاة الأمر كم بذلـوا
أدوا الأمانة ما ملّوا وما خـَــاروا
*****
صارت لمكة من بطحائهـا حـلل
فيهـا الجمـال له وشْيٌ وإبـهـــارُ
فـالظل منبسط والمـاء منسكب
والأفــــــق يملــــــؤه دوح وأزهــــارُ
واخضوضرت جنبات القاع يانعـة
كأنمــــــــا انبجســــت منهــــنَّ أنهـارُ
واستحدثت طرق ونفذت خطط
ســـارت بروعتها في الكون أخبارُ
واصبح البيت في أبهى تألقـه
تـحـــجـُّـــه أمـــم كـــثْـر وزوار
*****
هنا الرسولُ أضاء الأفق وانبثقت
من نوره لســـــمـاء المجـــد أقمار
قد سطروا صحفا للناس مشرقة
لهـــا على الدهر أبعـــاد وآثـــــارُ
الباذلون على الأيام برهـمو
كأنـــه في مجـال الخــــير أمطـارُ
فلاتزال لهـم أيـدٍ مكارمهـــــــــا
ضاءت بها مدن كثْرٌ وأمصــــــارُ
كانت جهودهمو للحب ترجمـة
إنَّ المحبــــة أفعـــال وإيثــــــارُ
وخطوة في شعاب الصعب ثابتة
وموقف لبنــــــــاء الصرح مغْوارُ
دستورهم من كتـاب الله مقتبس
ليست به من هوى الآراء أفكارُ
فمايلين لهم عزم وقـد جَهـدوا
ولا يغيض لهــــم رأيٌ وإصــرارُ
ولا يُطــــوّر شيء ٌفي بدايتــــــه
إلاَّ وكان له من بعــــد أطــــــوارُ
صلد الصعاب لدى إصرارهم وهيت
كما تُلَيِّن صَلْبَ المعـــدن النــــارُ
ضخم الأمور لدى أحلامهم صَغُرت
كأن شاهقهــا في الطول أشــــبارُ
لهم مواقف خير نــــــــــام غيرهمو
عنها وقد عُرفوا بالخير واختـــاروا
وموقف كشعاع الشمس ذو شرف
من كل جائحـــة يدمى بها الجـــــار
هم الرجال على أعتاقهم نهضت
دعائم المجـــد لم تهـــززه أخطـــار
قد أسسوا أمة ضمت بها أمم
ورايـــة الله تحــدوهم إذا ســاروا
******
وقد تبدلت الأيــــــام وارتفعت
بين البــــلاد من الأحقــــاد أسوارُ
لكن لمصر صبابات يؤججهــــا
مر السنين وبي من شوقهـــا نــار
في غربة فرضتهـــــــا كل طارئة
أعطيت فيها ربيع العمر من جاروا
أنَّى نأيت فقــــــلبي ملــــؤه ولـَـــهٌ
يهفـــــــو إليك ودمع العين مـدرارُ
لي في هواك معـانٍ ليس يبلغهـا
وصف وتثـر وتمثيل وأشعــــــارُ
يا موطنـا بصميم الروح موقعـه
وحبــــــــه بدمـاء القــــلب دوَّارُ
خاب البغاة وعن أعتابك انتثـروا
كما يشتت رمل البيــــــد إعصـارُ
مامثل قدرك في الوجـــــدان منزلة
أومثل أهلك أُنســــًــا حين نختـارُ
وأخوة قد صفت في الله صحبتهـم
عون على البرِّ بالخــــــــيرات سـمَّارُ
رافقتهم زمنـــــــا عذبـــــــا مـوارده
حـلــــــوا يظــــــلله ورد ونــــــــوّارُ
الباسطون وجوها من بشاشتهـا
كأنمــــا انبثقت منهــــن َّ أنـــــوارُ
النـاصحون بقول في حـلاوته
كأنـــــه خـبر باليمـن ســـــيـــَّارُ
قول المحب ولو يقسو له طـرب
كأنمـا عزفت بالحــــرف أوتــــارُ
هذي رسالة ود قمت أكتبهـا
بعض الكلام به نفع وإشعــــارُ
إن الأوائل قد صاغوا لنـا مثلا
فيه لنــــا أبـدا هــــــدي وتذكارُ
إنا غدونـــــــــا دويلات مفرقـة
باتت تُشَــتتُها في البغض أوطـارُ
مالي أرى الحب قد جفت موارده
وعمَّت النبع أوشـــاب وأكــدارُ
*****
يامن تركت فـؤادي في تحـــــيره
كأنمـا اضطرمت من وجــــده نــارُ
إني على العهـد دوما لا أضيعـه
وأحفظ الود مهــــمـا شطت الدارُ
ما كان صدق هوانا حادثا عرضا
لكنـَّـــه أبدا حتم و أوصـــــــــــارُ
لا تهـدمنَّ وداداً بتُّ أحرســـــــه
هــــدم المودة بالأحزان إنـــــــذارُ
يجني الأحبة شهدا من وصالهمو
ما بــــال حصتنا شـوك وصبـــــارُ
كنَّا على البعد حبل الله يجمعنـا
كيف افترقنا وقدر البعد أمتــــارُ
إذا أردت محيط الأرض تقطعـه
في بعض يوم وما تضنيك أسفـارُ
قد تربط الناس رغم البعد أوشجة
وتفصل الناس رغم القرب أوغـارُ
إن ساءكم سمة فينـا تريبكمـو
فليس يلزمهـا هجــر وإنكـــــــارُ
تفور أنفك لايدعوك تقطعــه
ولا ذراعــــك تعطى فيـه قنطـارُ
لاتـجزني بوفـائي منك نائلـة
كما مضى بجــــــزاء الجهد سنمارُ
لأحبسن دموعي عنـد فرقتكـم
إن الدموع بضعف الصبِّ إقــــرارُ
* * *
جحافل الشرتبغي قنص وحدتنـا
ولايلـــين لهــــا ناب وأظفـــــــارُ
مراجل الغلِّ تغلي في جوانحهـا
ومسعرالغــــــدر كالبركان هـدارْ
وحِّـد صفوفك ماللجن نأفـذة
على حمــاك وما للغـــدر أوكـارُ
قـد زيِّنت طرق للناس مهلكـة
فـالزم طريقك ليست فيه أضرارُ
نهج هـداك له الرحمن معتــدل
في الميـل عنــه تبــاريح وأوزارُ
* * *
شواهق المجـد إرث قم لتطلبـه
ودونهـــــا تعب مضن ومشــوارُ
وفيك عزم أوار النـار يرهبـه
ولا تردك أهــــوال وأخطـــــارُ
كم اقتحمت عباب البأس في أنف
ليست تخالطـــــــه للخـوف آثــارُ
وإن نفرت إلى باغ ظفـرت بـه
ماللصواعق إذ تجتـــــاح إدبــارُ
لا تركننَّ لأيــــــام مرفَّهــــــــــة
سهل مسالكهـا فالدهــــــر غرَّارُ
أو تعجبنَّ بعـلم صرت تعرفـه
فالعلم ذو سعة والكون أسـرارُ
لاتغبطنَّ ذوي يسـرعلى ترف
فربمـــا كَمُنت بالنبـع أكـــــدارُ
ما غير حظك في الدنيـا ستدركه
فإنمــــــا رسـمت للنـاس أقـــــدارُ
والرأي للرأي دعـم حين نخلصه
والكف بالكف عزم ليس ينهـارُ
ورائد القوم مرهـون بحنكتــه
فالأمـــر ملتبس والنـاس أغيـــارُ
* * *
ما أضيع النـاس في لهو وفي ترف
والوقت أثمن شيء فيــــــه إهـــدارُ
لاخير في رجل إنتـاجه صـدف
وعيشـــــه ترف والجُهـــــد أصفـارُ
ما العمر غير نتاج الجهـد في زمن
منه وإن بسطت للنـاس أعمـارُ
وإن قـدرك فيما أنت تتقنـه
بذلك اختلفت للنــــــاس أقـــــدارُ
تدافع الناس عبر الدرب وازدحمت
عنـد المنــــافذ أقـــوام وأقطــــــارُ
فاسلك طريقك في جـد وفي جلد
ولتسرع السعي إن الناس قد طاروا
متى أرى الركب قد همت مواكبه
وليس ينقصــــه إذ هـــــــمَّ إصـرار
مكانكم في ذرى العلياء ناظركم
وسيفكم فوق هـــــــام الصعب بتـارُ