حدّثنا هاني بن حسان : أنه كان يمشي صوبَ قريةٍ فيها من الأشجارِ أحسنُها ، ومن المياهِ أعذبُها ، ومن الفاكهةِ أطيبُها ، ومن النساءِ أجملها ، فدق القلبُ ألحانَه ، وغنّى و شذى كلماته ، فأسرع بالخطى نحوَها ، آملاً أن يجني من الخيراتِ خيرَها ، فرأى صبياً آتياً نحوه ، فتيقن أن له من أهلِ القريةِ نصيبْ ، و أنّ للحيلةِ طريقْ ، فسألَ الصبي عن القريةِ و جلَس يناظرها نظرةَ المتخيّر ، فقال الصبيُّ أنّ القريةَ تشتكي مرضاً عُضال ، فحاول العلماءُ والكهّان، وحتى الإنسُ والجان، ورغم السنين الطوالْ ، بقي المرض العضالْ ، فخطر لهاني خاطرْ ، أن يكون الحكيمَ الشاطرْ ، فقال للصبيّ اذهب لكبار القرية ، وقل لهم أنّي رأيتُ شيخاً كبيراً على سَفْحِ ذلك الجبلْ ، فسألني هل بهذه القرية عِلة ؟ فأجبته بذاتِ العِلة ، فما رأيكم أن أناديه لعل الله يسوق على يده الحل ، فقال لهم ما قيلَ له ، فعاد لهاني مسروراً ، أهل القرية يطلبوك ، وما تريد منهم سيلبّوك ، لكن اكشف ما بهم من ضر ، فمشى ابن حسان نحو القرية والعيون تلفّه و ترمِقُه من كل صوبْ ، والجنانُ والحواري حولَه من كل جنبْ ، حتى وصل للمختار، فوجَدَه محتار ، هل صديقنا حكيمٌ أم أمير ! فسلم على أهلها سلاماً لا يضاهيه سلام ، وكلمهم بكلماتٍ لم يسمعوا بها من قبل ، فقال له المختار : إن بنا مرضٌ لم نجد له دواء ، حتى عجز من شفاءِه الحكماءِ و العلماء ، فهل تقوى على شفاءِنا منه؟!
فرد عليه رد الواثقَ القانع ، ما كان لمرضٍ أن يأتي إلا بإرادة الله ، و إن كان له زوال فبإرادته سبحانه ، وما أنا إلّا سبب لزوالِه ، ولكن كي أتأكدَ من صدقِ نواياكم وقبولِ دعواكم ، أسألكم من الإبلِ والخيل اثنين ، محملةٍ بالخيرات ، وعلى ظهرِ كلِ دابةٍ حوريةٌ من حورياتِ الأرض ، فإن فرّج الله عنكم فلكم مسألتُكم ، و إلّا بالرماح والسيوف اجعلوا جسدي مرماً ، وللكلابِ قلبي طعاماً ، جهِّزوا الجهاز ، وحسِّنوا النساء ، و ضعوها على بابِ القرية ، فإن فعلتم فلكم من الله الشفاء ، فبدت الابتسامةُ على محيّاهم ، فقلت لهم توضأوا و أحسنوا الوضوء ، ولا تجعلوا للنومِ من ليلتِكُم نصيب، و أكثروا البكاءَ والنحيب ، فلا تتركوا طفلاً أو صبياً رضيع ، فالكل بالصلاة سَواء ، وأبقوا في بيوتِكم نساءِكم وشيوخكم و صلوا و تضرّعوا حتى يبزغ الفجر ، وبعد صلاة الفجرِ ألقاكم ، ولا بد للمرضِ أن يفارقَكم ، فانحلّوا إلى بيوتهم مسرعين ، وجهزوا له كل ما قيل ، وكسروا ضوءَ الليلِ بظلمةِ القناديل ، وكأنها سماء لا يشوب جمالها شائب ، وبينما الكل مبتهلين ضارعين ، انسَلَلتُ من بين الجميع ، و أخذت الرحلَ والراحلة ، وذهبتُ بالقافلة ، وما أدري كيف كان نهارهم ، أو ماذا أحل بدارِهم ، و مضيتُ أبحث عن قريةٍ جديدة ، أحيك بها حيلة ...
محمود صالح - اللهيب الأخضر