لله أيام قضيناها كان السرور فيها ضاربا خيامه ،والأنس ناشرا أعلامه ،طوي بساطها كأن الأمر ما كان ،غير أنها نثرت بقلبي شجرة الأشجان ،فعاودني الحنين إلى هناك ،فرحت أسوق الخطى نحو مدينتي أغترف من نبعها وأنا أحمل فوق كتفي جثماني ،وفي جبهتي نيران علت ناصيتي سرادقها .
ترجلت شوارع مدينتي أبحث عن طيف أحبتي ،تتراءى لي بين أزقتها ضحكات وضحكات ولكنها سرعان ما تولي القهقرى ،وكأن السماء التي اكفهرت حينها أذنت بالمغادرة فزمجرت رعودها ،وعلا سنا برقها يخطف الأبصار أو يكاد يذهب بها ،وأرسلت بردا من فوهات بنادقها،جعلتني أردد عل مسمع نجلي :آه لو أن لي قوة أو آوي إلى ركن شديد ؟ فقال بصوت الواثق العارف بالله :"لا تحزن إن الله معنا ". ركنت إلى شيخ - ساعاتي -أخبئ عنده نجلي -واسطة العقد-..
ما غابت شمس ذلك النهار حتى أمست المدينة كلها بحيرة صغيرة لا تسمع فيها الا اصوات ربات الحجال ،وخرير شلالات أسطح المنازل القديمة التي تعبق بروائح افتقدتها مذ كنت صغيرا بريفنا الجميل ،وقفت عشيا بمحطة نقل المسافرين ألوك حصاد يومي بين مد وجزر المسافرين الذين ضاقت بهم الارض بما رحبت وكأنهم سيقوا إلى المحشر ،وازداد قلقي لما علمت أن الطريق المؤدي إلى بلدتي أتى عليه "تسونامي".وتعطلت لغة الكلام .....
وأنزل الله سكينته علينا بعد أن طهرتنا السماء بمائها تطهيرا ،ولاحت لنا في الأفق تباشير ،فطلعت علينا حافلة من ثنية الشرق عبر الطريق السريع –السيار-أوصلتنا إلى المبتغى .