من البطل إلى اللاّبطل
الأديب ثامر معيوف
فكرة البطولة فكرة موغلة في القدم.. رافقت الانسان منذ بواكير وعيه.. وربما كان سبب ظهورها ادراك الانسان لنسبيته وفنائه.. والبطوله هي محاولة الفرد او المجموعات قهر العوائق وتطويع الظروف.. وربما ظهرت لكون الانسان كائناً واعياُ اراد ان يصبح الافضل على الارض.. مع ادراكه لكونه مخلوقا متواتراُ غير خالد .
يقودنا الطريق نحو البدايات الى الملاحم والاساطير حيث نعثر على شواهد ادبية اولى عن الحلم البشري متمثلة ب (اخيل) في الالياذة و(اوديسيوس ) في الاوديسة وكلاهما لهوميروس..وهناك ايضاُ جلجامش في الملحمة العراقية القديمة.. شواهد تبعتها شواهد أخرى على امتداد طريق طويل سلكته البشرية في مشوار تحضرها.. وفيه ظلت فكرة البطل ثابتة لا تتزعزع.. بل حتى ان المجتمعات في تصوير حروبها كانت تخصص الارض الحرام بين كل جيشين يتواجهان لبطلين يتصارعان ..وقد عرفنا من نماذج البطولة اللاحقة عنترة والزير سالم والسندباد البحري.. ومع القرن التاسع عشر دخلت الفلسفة هذا الميدان من خلال بحثها عن حلول بشرية قادمة فاقترح نيتشة الانسان الخارق (السوبرمان)..وهو انموذج سرعان ما تلقفته السينما والادب فظهرت شخصيات سوبرمان والرجل الوطواط والرجل المطاط وراعي البقر (الكاوبوي) وابطال افلام العنف ( التي عرفت بأسم افلام الأكشن) ورامبو وروكي وروبن هود وعشرات غيرها.. الّا ان الادب كان يتغير باتجاه آخر ..اتجاه توقد في الذهن المبدع وترافق مع واقع فناء الالاف والملايين.. فبدأت فكرة البطل تترنح وتجد الصورة الجديدة شواهدها في (دون كيخوته) او (دون كيشوت) لسرفانتس (ثربانتس ) وهو اول عمل ادبي ملحمي يفكك فكرة البطل ويظهر الخواء الجاثم وراءها من خلال بطل لابطل يسعى لأعادة زمن الفروسية ويحارب طواحين الهواء ظناً منه انها اعداؤه.. ثم كتب جيمس جويس (عوليس ) او(اوليس) وفيها سخرية مريرة من البطولة باستخدام اسم البطل القديم ذاته.. رافق هذا العمل عمل كبير آخر هو (الكوميديا الانسانية ) لوليم سارويان وهو محاولة ادبية فاصلة لنفض فكرة البطولة وتعزيز الرضا بكون الانسان كائنا نسبيا فانيا.. ولعل العنوان آت من رغبة سارويان بالرد غلى (الكوميديا الالهية) لدانتي (ويقول نقاد كثيرون انه كتبها متأثراُ برسالة الغفران لأبي العلاء المعري .التي يصف فيها الجنة والنار)..فالكوميديا الالهية هي تخويف من جحيم ينزلق اليه الانسان بعد موته والكوميديا الانسانية هي عرض لجحيم ينزلق اليه الانسان حياً.. ومثلما كان الانسان القديم كائنا عرضيا هشاُ امام الكائنات العملاقة (الديناصورات في الواقع والكائنات الخرافية في الادب مثل الالهة والميتادورات والسيرينات والميدوزا وسواها) فقد عاد الانسان الحديث وصار كائناُ عرضياُ هشاٌ امام ديناصور التقنيات.. ولم يعد بطلاُ ...لقد تحوّل الى ضحية وابتلع فكرة البطولة في اعماقه.. لذلك يقول الناقد العالمي الكبير أيان كوت في مستهل كتابه (الرواية الحديثة ) : (إنّ البطل الحديث هو البطل اللابطل لأنه عبارة عن وعي خالص)..