أشك في انتماء من يتعرض لتمثال بالهدم للحركة الإسلامية.. فأبناء الحركة الإسلامية في مصر نضجوا وبلغوا سن الرشد بعد خبرات ممتدة عبر عقود طويلة .
والذي يفعل ذلك إما مندس بهدف التخويف من الإسلاميين لأغراض سياسية.. أو حالات فردية لشباب لا ينتمون لتيار بعينه.. لم يدرسوا العلم حسب الأصول المتبعة.. ولا يمتلكون الرؤية المقاصدية ويتعبدون الله بأفعال تناهض الشريعة وتسئ إليها .
غطى البعض وجوه تماثيل بالإسكندرية.. وطالب البعض بتغطية تماثيل فرعونية بالشمع وهدم البعض تمثالا ً لجمال عبد الناصر بسوهاج.. وأخيرا ً حرق البعض تمثالا ً للمخرج السينمائي محمد كريم في مدينة السينما .
ديننا حرم التمثال الذي يُعبد من دون الله وقد هدم رسولنا تلك التي كانت في المسجد بغرض العبادة لخصوصية المسجد.. ولم يتعد الأمر للذهاب لبيوت المشركين لتحطيم ما بحوزتهم وإن امتلكوها بغرض العبادة فلهم دينهم ولنا دين .
أما ما سوى التعبد وتجسيد المفاتن فهو في دائرة المباح.. بل ذكرها القرآن في معرض تعداد النعم: " يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ "
والتماثيل هنا مباحة لأن مقصدها ليس العبادة فعقيدة أنبياء الله جميعاً هي التوحيد الخالص .
في ديننا تمثالان أحدهما صنم محرم لأنه يعبد من دون الله فهذا يهدمه ولى الأمر ويزيله وجوبا ً.
والآخر مباح دال على وحدانية الله قد يصنعه أحدهم ليدل به المتلقي على طريق الله .. وقد حدث القرآن عن تمثال معجزة دل القوم على وحدانية الله عز وجل: " وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ " .
التمثال في الإسلام بحسب مقصده.. فإن كان للشرك بالله فحرام يجب تحطيمه .. وإن كان غير ذلك من أغراض الفن غير المبتذل فمباح.. وقد أباح الرسول التماثيل والعرائس التي يلعب بها الأطفال .
وزيادة في الحيطة حث الإسلام على النزوع نحو التجريدية حتى لا تبقى هناك شبهة تعظيم لتمثال وحتى لا يستخدم وسيلة في إبراز مفاتن الجسد.. فقد أمر رسول الله برأس التمثال فقطع عندما امتنع جبريل عليه السلام عن الدخول .
وفى ذلك نزوع للتجريد.. فباقي جسد التمثال موجود ومنحوت ومقبول لكنه لا يماثل الأصل وليس هناك شبهة لتعظيمه بعد إنقاص جزء منه .
محطمو الأصنام موجودون في كل الديانات والعقائد والفلسفات وقد كسر النصارى تماثيل آلهة الرومان واليونان .. وحطم البروتستانت للكاثوليك صورا ً وتماثيل لا حصر لها ولا عد .
وتحطيم ولى الأمر المسلم لتمثال مظنة فتنة وشرك لا يُلام عليه.. إنما يُلام من ينادى بتحطيم تمثال فرعوني وقد اندثرت العقيدة الفرعونية قبل آلاف الأعوام وبقيت آثارهم شاهدة عليهم للعبرة والاتعاظ.. ويُلام من انشغل بتحطيم تمثال لهذا الزعيم وذاك القائد في هذه المرحلة وكأن بناء النهضة لا يقوم إلا على أنقاض تماثيل هؤلاء .
أرى أن علاقة الإسلاميين بالمبدعين والمفكرين بعد الثورات قد بدأت من النقطة الخطأ.. نقطة الحظر والمنع والهدم والعنف والملاحقة.. وكان لابد أولا ً من مد جسور الثقة وفرش أرضية للاجتماع والتعاون والشراكة وتبادل وتقريب وجهات النظر .
لو فعلوا لكان أنفع وأقوم لرسالة الفن الذي يحتاج القائمون عليه دائما ً إلى النصح الدائم والنقد البناء الهادف ليقتربوا من تحقيق غايات الدين عبر ما يقدمونه من إبداع .
وعلى الجانب الآخر فلا شك أن البعض من الإسلاميين يحتاجون إلى ترشيد خطابهم إلى الفن .. فليس كل الفن حرام .. وليس كل الإبداع محظور ومنهي عنه لنصل سوياً إلى مقولة ذلك الداعية الحكيم: "على أهل الدين أن يتفننوا وعلى أهل الفن أن يتدينوا".