هذا ملخص رسالة الماجستير الموسومة
بـ ( حكم موت الدماغ في الشريعة الإسلامية " دراسة مقارنة " )
للوالد العزيز الأستاذ عبدالغني عبدالله بكر
وهي رسالة ماجستير مقدمة إلى مجلس كلية الشريعة في الجامعة الحرة للتعليم المفتوح في الموصل
( 1413 هـ ـ 2010 م )
حازت هذه الرسالة على تقدير ( إمتياز )
المقدمة
الحمد لله ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) [ الملك ـ 2] ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، وعلى آله الطاهرين وأصحابه الغرّ الميامين ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين ..
وبعد ..
ففي ظل التطورات العلمية والتكنولوجية الهائلة التي يشهدها العالم ، برزت قضايا ومفاهيم جديدة على الساحة ، وبما أن دين الله تعالى .. الإسلام .. دين شامل ومنهج حياة متكامل ، يحيط بجميع تفاصيل الحياة البشرية ، وكونه لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا جعل فيها السبيل واضحاً بيناً قال تعالى ( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ) [ الأنعام ـ 38 ] . وبما أن من أبرز مزايا الشريعة الإسلامية السمحة ، مسايرتها للمستجدات ومرونتها ، وصلاحيتها للتطبيق في كل زمان ومكان وفي مختلف البيئات والظروف ، وفتحها لباب الاجتهاد على مصراعيه لتحقيق ذلك .
كان لا بد للشريعة الغرّاء من مواكبة هذا التطور ، وبيان الحكم الشرعي في تلكم القضايا والمفاهيم ، حتى يكون المسلمون على بصيرة من دينهم ، وذلك بتحرّيهم ما يوافق حكم الله تعالى وشرعه ، واجتنابهم ما يخالفه ، وحتى يسعوا في شقّ طريقهم العلمي بحثاً وتطبيقاً وإبداعاً ، فيما يعود عليهم وعلى الإنسانية بالخير النافع ، ويجنبوها الشرّ والضرر ، وكل ما يفضي إلى المفاسد .
وكان من أبرز العلوم التي سايرت التقدم العلمي علم الطب ، وكان هذا التقدم سبباً لظهور مسائل فقهية جديدة تحتاج إلى دراسة متأنية ، بعد تصور المسألة وتشخيصها ، ثم بيان حكمها ، وذلك لأن المحافظة على حياة الناس وسلامة أبدانهم ، من المقاصد الكلية الضرورية في الشريعة الإسلامية ، ويقتضي ذلك ، اتخاذ كافة الوسائل والتدابير الممكنة للعلاج والتداوي وحفظ حياة الإنسان ، إذ إن الوسائل وأصناف العلاج والتداوي، كل ذلك مشروع في سبيل الوصول إلى المقاصد الضرورية الكلية ، فللوسائل حكم المقاصد الشرعية ، ثم إن أحكام الإسلام مبنية على قواعد تُيسِّر وتُسِّهل، وتدعو إلى كل ما من شأنه أن يدفع المشقة ويزيل الحرج لقوله تعالى ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ ) البقرة ـ 185 ] ، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( يسّروا ولا تعسّروا وبشّروا ولا تنفّروا ) .
ومن الأبحاث المهمة التي لها أثرها البالغ في عدة مسائل فقهية تتعلق بالطب مسألة ( موت الدماغ ) وزراعة الأعضاء . وذلك لاستحداث أجهزة وتقنيات متطورة بإمكانها تعويض وظائف الجهاز التنفسي والجهاز الدوراني والتغذية .
فهذه المسألة من النوازل المشكلة في هذا العصر ، وتحتاج إلى فهمٍ ودقة نظر وتصور صحيح للمسألة ، لأن الحكم على الشيء فرع من تصوره ، وتحتاج كذلك إلى تحرير المصطلحات وتوضيح المفاهيم الطبية لما لها من تماسٍ مباشر بالتصور الفقهي لهذه المسألة .
أما عن الصعوبات التي واجهت الدراسة في هذه الرحلة الشّاقة الممتعة ، فكانت ، أولاً الشعور بثقل المسؤولية الملقاة على كاهل الباحث ، والذي يتحملها أمام رب العالمين ، لما لهذا الموضوع من خطورة والذي يتعلق به حياة الإنسان الذي كرمه الله تعالى وسخرّ له ما في السماوات والأرض . وثانياً قلة المصادر في بلدنا العزيز مما اضطر الباحث إلى الاستعانة بالخارج ، والاستفادة من شبكة المعلومات العالمية ( الانترنت ) ، ومن الكتب الالكترونية . وثالثاً طبيعة هذا الموضوع الذي تراوح بين الفقه والطب ، وهذا مما لا شك فيه يحتاج إلى جهد كبير وتركيز دقيق .
وقد جاءت الدراسة في ثلاثة فصول ، مع مقدمة وتمهيد تقفوها خاتمة تضمنت عرضاً لأهم نتائج الدراسة .
وقد حمل الفصل الأول عنوان : بيان تعريف الموت وحقيقة الروح وعلامات الموت . وضمّ ما يلي :
المبحث الأول : بيان تعريف الموت والحياة
المطلب الأول : تعريف الموت لغة وفي اصطلاح الفقهاء واصطلاح الأطباء
المطلب الثاني : تعريف الحياة لغة وإصطلاحاً
المبحث الثاني : تعريف الروح والنفس لغة وإصطلاحاً
المطلب الأول : تعريف الروح لغة واصطلاحاً
المطلب الثاني : تعريف النفس لغة واصطلاحاً
المطلب الثالث : حقيقة النفس والروح
المطلب الرابع : مراحل تعلق الروح في الإنسان وخروجها منهوعلاقة الروح بالبدن
المبحث الثالث : علامات الموت
المطلب الأول : علامات الموت عند الفقهاء
المطلب الثاني : علامات الموت عند الأطباء
المطلب الثالث : مسؤولية الطبيب الأخلاقية
فيما جاء الفصل الثاني بعنوان : موت الدماغ وتاريخه وموقف الشريعة الإسلامية من موت الدماغ . وضمّ ما يلي :
المبحث الأول : موت الدماغ
المطلب الأول : تعريف الدماغ لغة واصطلاحاً
المطلب الثاني : موت الدماغ وتشريحه ووظائفه وتركيبه
المطلب الثالث : مراحل موت الدماغ
المطلب الرابع : الخطوات الأساسية لتشخيص موت الدماغ
المطلب الخامس : الغيبوبة وأنواعها
المبحث الثاني : تاريخ موت الدماغ وأسبابه والاهتمام بلحظة الوفاة الحقيقية
المطلب الأول : تاريخ موت الدماغ وأسبابه
المطلب الثاني : أسباب الاهتمام بتحديد لحظة الوفاة الحقيقية وآثارها الشرعية والطبية والقانونية
المطلب الثالث : مستويات الحياة في الشريعة الإسلامية وحكم من يتعدى على من ظهرت عليه علامات الموت
المبحث الثالث : موقف الشريعة الإسلامية من موت الدماغ وحفظ النفس
المطلب الأول : الموقف الفقهي من مسألة موت الدماغ
المطلب الثاني : موت الدماغ عند الأطفال
المطلب الثالث : حكم التداوي وحفظ النفس
المطلب الرابع : من تشريعات الإسلام التي حرمها ، حفاظاً على الحياة
أما الفصل الثالث الذي حمل عنوان : بيان تعريف الإنعاش وبيان أجهزته وبيان الحكم الشرعي لنقل الأعضاء من الميت دماغياً . وضمّ ما يلي :
الفصل الثالث : بيان تعريف الإنعاش وأجهزته ، والحكم الشرعي لرفع أجهزة الانتعاش وحكم نقل الأعضاء من الميت دماغياً
المبحث الأول : تعريف الإنعاش وبيان أجهزته
أولاً : تعريف الإنعاش
ثانياً : أجهزة الإنعاش
ثالثاً : حالات المريض تحت الإنعاش
المبحث الثاني : بيان الحكم الشرعي في رفع أجهزة الإنعاش
المبحث الثالث : تزاحم الحقوق في المال العام وتصعيد العلاج
المبحث الرابع : نقل الأعضاء
المطلب الأول : تعريف نقل الأعضاء
المطلب الثاني : تاريخ زرع الأعضاء
المطلب الثالث : أهم الشروط الفقهية والقانونية لإباحة النقل من الميت
المطلب الرابع : حكم نقل الأعضاء من الميت دماغياً
والله تعالى أسأل أن يتقبل منا هذا الجهد المتواضع في خدمة الإسلام والمسلمين ، والحمد لله في البدء والختام ، والصلاة والسلام على محمد خير الأنام ، القائل : " من يردِ الله به خيراً يفقهه في الدين " .
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً ووفقنا لإجتنابه ، إنك يا ربنا سميع مجيب الدعاء .
الخاتمة
من خلال النظر في مفهوم الموت عند الفقهاء والأطباء ، ودراسة الآراء الفقهية والطبية لمفهوم موت الدماغ والآثار الشرعية المرتبة عليه ، توصل الباحث إلى جملة من النتائج ، وهي :
1 ـ الموت في اصطلاح الفقهاء ، هو مفارقة الروح للجسد ، وانقطاع تصرفها عنه ، وخروج البدن عن أن يكون آلة له . وانتقال الإنسان من دارٍ إلى دار ، والذي لا يرجع صاحبه إلى الدنيا ، وفي اصطلاح الاطباء ، هو إما توقف وظائف الجهازين الدوراني والتنفسي دون قابلية للتغيير ، أو توقف جميع وظائف الدماغ كله ، بما في ذلك جذع الدماغ ، ودونما قابلية للتغيير .
2 ـ يتم تشخيص الوفاة عادة بالتأكد من توقف القلب والدورة الدموية وتوقف التنفس توقفاً دائماً .
3 ـ من أبرز الأسباب التي أدت إلى ظهور مفهوم موت الدماغ ، هو إنتشار عمليات نقل الأعضاء الآدمية وأهمية الحصول على الأعضاء اللازمة في الوقت المناسب وارتفاع التكاليف الباهظة للحفاظ على المريض المصاب بموت جذع المخ في وحدات الرعاية المركزة على الأجهزة الصناعية .
4 ـ إن تحديد لحظة الموت الحقيقية لها أهميتها الكبرى من الناحية الشرعية
والقانونية والطبية والأخلاقية .
5 ـ اتفق الفقهاء على أن المريض المحتضر الذي ظهرت عليه علامات الموت
وسكراته وكان في النزع الأخير لا يعد من الأموات مهما اشتدت عليه . وان قاتله يجب عليه القصاص .
6 ـ موت الدماغ : هو تلف دائم في الدماغ يؤدي إلى توقف دائم لجميع وظائفه ، بما في ذلك جذع الدماغ ، أو هو توقف الدماغ عن العمل توقفاً تاماً وعدم قابليته للحياة .
7 ـ إن اعتبار موت الدماغ موتاً في الشرع والطب لا إجماع عليه ، فهناك من الفقهاء والأطباء من يعتبره موتاً شرعياً وهناك من لا يعتبره كذلك .
8 ـ موت جذع الدماغ علامة ظنية على موت الإنسان وليست قطعية ، إضافة إلى احتمال خطاً التشخيص .
9 ـ بعد عرض آراء المؤيدين لاعتبار الموت موتاً حقيقياً والمعارضين له ، تَرجح أن موت الدماغ لا يعتبر موتاً شرعياً ، وذلك لوجود صفة وعلامات الحياة في المريض .
10 ـ عدم تطبيق مفهوم موت الدماغ عند الأطفال ، وذلك لإمكان رجوع الدماغ إلى العمل بعد التعطل ، و لقدرة أبدانهم على استعادة وظائف المخ وإن طال زمن غيبوبتهم .
11 ـ قامت أجهزة الإنعاش بدور كبير في حفظ النفس بإذن الله تعالى على مئات الألوف من البشر وحفظ الستر على مئات الألوف من الأُسر .
12 ـ الإنعاش بالنسبة لجماعة المسلمين فرض كفاية ، فالخطاب موجه إلى كل فرد من الأفراد المؤهلين للقيام بالعمل وإذا قام به البعض سقط الطلب .
13 ـ الإنعاش بالنسبة للمريض وسيلة لإنقاذ حياته ، فهو واجب يأثم المريض بتركه لتعريض حياته للخطر .
14 ـ أما مسألة رفع أجهزة الإنعاش :
أ ـ المريض الذي ركبت على جسمه أجهزة الإنعاش ، يجوز رفعها ، إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائياً ، وقررت لجنة من ثلاثة أطباء اختصاصيين خبراء ، أن التعطل لا رجعة فيه ، وإن كان القلب والتنفس لا يزالان يعملان آلياً ، بفعل الأجهزة المركبة . لكن لا يحكم بموته شرعاً ، إلا إذا توقف التنفس والقلب ، توقفاً تاماً بعد رفع هذه الأجهزة .
ب ـ أما إذا قرر الأطباء أن الشخص غير ميئوس منه أو استوى لديهم الأمران فالذي يتجه عدم رفع الآلة حتى يصل إلى حد اليأس أو يترقى إلى السلامة.
ج ـ لا يجوز رفع أجهزة الإنعاش إذا تكفل أهل المريض بتحمل تكاليف الأجهزة والعلاج .
د ـ أما إذا كان المريض في المؤسسات الصحية الحكومية واحتاج شخص آخر يرجى برؤه إلى هذه الأجهزة فهنا تتخذ هذه المؤسسة الصحية موقفاً اجتهادياً من هذه المسائل ليُعمل به في مثل هذه المواقف من جهة كونه حكم الحاكم .
15 ـ أما مسألة نقل الأعضاء ، فمن العلماء من لا يجيز ذلك مطلقاً ، سواءً أكان النقل من ميتٍ أو حي ، وهناك من يجيز ذلك للضرورة ، على أن لا يؤدي انتزاعها إلى موت المتبرع مثل القلب والكبد أو إلى اختلاط الأنساب مثل الخصيتين والمبيضين أو إلى العجز عن ممارسة شؤون الحياة وأداء الواجبات مثل اليدين والرجلين . والنقل يكون بالشروط التي ذكرت أثناء البحث .
16 ـ وأن الميت دماغياً هو بحكم الحي ، فلا يجوز نقل عضو من جسمه إلى
شخص آخر .
هذا .. والله تعالى أجلّ وأعظم وأعلم
Abstract
The topic ( Brain Death ) is one of the most important topics which intervenes on the medical and jurisprudence arena because of introduction and development of developed techniques and instruments which can replace the physiological functions of both circulatory and respiratory systems.
Accompanied by this development ، this study highlighted on this important subject regarding the medical side and the attitude of shariah towards it .
The study consists of three chapters:
The first one discusses the definition of death ، spirit definition ، signs of death in both physicians and jurists conception.
The second chapter includes brain death : its definition ، history and causes ، and the reasons of the attention for true death from the first second . It discusses the attitude of shariah from brain death.
The last chapter studies the medical resuscitation : its definition and the related instruments . it discusses the attitude of shariah from removing the resuscitation instruments from a dead brain patient ، competing rights in the public money ، escalation of treatment & the organ transplantation.
After extrapolation of the views of jurists & physicians ، the researcher found asset of results installed in the conclusion of this research.