أفاق علي قبلة طبعتها علي جبينه ,,,, تبسم وهو يحاول أن يفتح عينيه ,,, حملق في وجهها ,,, لمح بين ثنايا ابتسامتها فتاته التي عشقها يوما ,,, عاجلته بقبله أخري ,,, همست أحبك ,, أحاطته بذراعيها وهي تهمس ,,, كل عام وأنت بألف خير ,,, اليوم ذكري زواجنا العاشرة ,,, قام متثاقلا ,, أتجه إلي دولاب ملابسه ,, أخرج هديته إليها ,,, تبسمت فرحه وهي تهم بفتحها ,,,
كعادته جلس يحتسي قهوته في الشرفة ,, بعد أن أخذ حمامه اليومي ,, رمقها بنظرة مترددة ,,, دق قلبها ونظراتها تستحثه علي الكلام ,,,,,, تعرف تلك النظرة ,, وتعرف أن ورائها الكثير,,, تراجع في اللحظة الأخيرة ,,, لم تلح ,, ابتسمت في رضا المغلوب علي أمره ,,, تعودت ألا تلح ,,, قامت إلي المطبخ ,, تبعها بابتسامه باهته ,,, أطلق بصره عبر الشرفة ,,, السحاب وخيالات البنايات التي تظهر متضاءله علي البعد ,, تنهد ,,, كيف سيفصح لها ,,, يعلم مدي حبها له ,,, هو أيضا ,, كان يعشقها ,,, أو ربما لا يزال بداخله بعضا من حبه لها ,,, لكنه سئم ,, يريد أن ينعتق ,, أن يغير ,, أن يكسر روتين حياته الذي كبله طوال هذه السنيين ,,, لكن كيف ,, لقد جعلت منه محورا لحياتها ,, تستمد بقائها من وجوده بجوارها ,,, ربما قتلها إذا أخبرها ,,, لقد حدثته نفسه بأن يختفي ,,, يهاجر بعيدا ,,, يسافر إلي غير رجعه ,,, لكنه أشفق عليها من البحث و,, الحزن ,,, وهاهو يشفق عليها الآن ,,, إذا واجهها ,, كيف سيفهمها؟ ,,, كيف سيدافع عن نفسه ؟ وكيف ستقتنع أنها ليست السبب ,,, إنما هي نفسه التواقة للحرية ,,,
خطرت له فكره ,, لما لا يخبرها بعزمه علي السفر لبعض الوقت ,,, لكن ما حجته وإلي أين ,,, حك رأسه وابتسامة رضا تعلوا وجهه باحثا في ثنايا فكره عن كذبة منمقه تقنعها ,,, نعم سأذهب لمسقط رأسي لتفقد أحوال الأرض الزراعية التي ورثتها ,, ولا أعلم عنها غير ما يأتيني من ريعها كل عام ,,, حين أخبرها علت الدهشة وجهها وهي تسأله وما الذي ذكرك بها الآن ,,, كان قد بدأ في أعداد حقيبة سفره ,, ساعدته وهي تسأله في هدوء عن المدة التي سيمضيها ,,, تلعثم وهو يحاول أن يجد أجابه ,,, تشعر به وقلبها يحدثها بأن هناك ثمة أمر ما ,,, ودعته بقبله.
حين صافح وجهه هواء الطريق ,,, شعر بسعادة غامرة ,, أتجه إلي أحد الفنادق ,,, حين أستقر في غرفته تنهد في ارتياح ,,, همس في فرح أخيرا ,,, تمدد فوق سريره ,,, بقي علي حالته المسترخية حتى غلبه النعاس,,,
أفاق صباحا علي طرقات أيقظته ,, فتح عينيه محاولا استيعاب المحيط حوله ,,, تذكر ليلة الأمس ,, قام متثاقلا,, همس للواقف بالباب أريد فطوري هنا ,,, بعد أن فرغ من حمامه ,, وجد الفطور قرب الشرفة ,,, أخذ نفسا عميقا وهو ينظر إلي الأفق ,, تنهد في ارتياح ثم جلس ,,, كل شيء يبدوا جديدا هذا اليوم ,,, حين مد يده لإبريق الشاي تخيلها أمامه ,, تعرف كم قطعه من السكر يحب ,, ومقدار الحليب ,,, تدرك من خلال نظراته إن كان يريد المزيد ,,, طرد الخاطر وهو يهم بارتشاف أول رشفه ,,, عادت صورتها تطارده ,,,, وضع فنجانه ,, هب واقفا ,, هرول للباب ,, أطلق لقدميه العنان لا يعرف إلي أين تسوقه ,,, شعر بالوحدة ,,, لكنه حاول أن يستمتع بوحدته التي ينشدها من زمن ,,, طالعته المحال بعروضها ,, أغلبها ملابس نسائيه ,,, يتذكر كيف كانت تنتقي ملابسها بعناية ,,, وكيف كانت تحرص علي استشارته في كل كبيرة وصغيره ,,, ها هي تعود إلي واجهة تفكيره من جديد ,,,, حاول التشاغل ,, صدمته رائحة عطر كالذي تستخدمه زوجته ,, قرر الفرار إلي مكان هادئ ,, قادته قدماه إلي نفس المكان الذي التقاها فيه أول مره ,,, مكانهما المفضل علي مدار سنوات ,,, حاول تغير وجهته ,,, كان النادل قد لمحه من بعيد وأقبل مهرولا ومرحبا ,,, قاده إلي طاولتهم المعهودة ,, وعينيه كلها تساؤل عن رفيقته الدائمة ,,, لم يطق البقاء ,, هب واقفا,,
سار بهدوء متشاغلا بالحركة في الطريق ,, شعر بالجوع ,,, مر بجوار المطعم الذي يرتادانه دوما أسرع الخطي وهو يحاول طرد طيفها الذي يكاد لا يفارقه ,,, هي من اختارت هذا المطعم يوما ,,, وقف أمام أحد مطاعم الوجبات السريعة ,,, كانت دوما ترفض هذا النوع من الأطعمة ,, وتذكره بأنه غير صحي ,,, ألتهم طعامه في غير تلذذ ,,, ضاق من نفسه كيف تسيطر على تفكيره إلي هذا الحد ,,, يكاد يعايشها في كل لحظه ,,, لمح من بعيد قهوة شعبيه ,, لطالما حدثته نفسه بتدخين الشيشة ,,, جلس بفرح طفولي إلي إحدى الطاولات ,, صاح طالبا شيشة وفنجان من القهوة ,,,, بعد ساعة كان يهم بالمغادرة وأثار السعال لا زالت تخالط صوته ,,,,
حين بدأت الشمس رحلة الغروب ,,, شعر بإرهاق لكنه لمح بعض الشباب يلعبون الكره في إحدى الزوايا ,,, ألقي بالسلام وأندمج معهم في اللعب والركض ,,, لم تسعفه لياقته ,, لهث بعد بضع دقائق ,, تنحي جانبا ,,, نظر إلي ملابسه وأطرق خجلا ,,, تذكر كيف كانت تحرص علي أناقته دوما ,,, أسرع إلي الفندق بدل ملابسه ,, فكر قليلا قبل أن تلمع عينيه ,, نعم أنها فرصتي لأذهب إلي الملهي الذي رغبت في دخوله دوم ,,, حين دلف لفه الدخان والضحكات الماجنة الأتيه من كل صوب ,,, حاول أن يبدوا طبيعيا ,,, أن يتكيف وهذا الطقس الاحتفالي الصاخب ,,, خانته طبيعته الهادئة وميله إلي التأمل ,,, فر خارجا بعد بضع دقائق ,,, لكزته غانية في كتفه وهو يهم خارجا ,, نظر إليها في تقزز ووجهها الشيطاني الماجن يطالعه في برود ,,, خطر له طيف زوجته وهدوءها ووقارها ,,, بجمالها الهادئ المشع طيبة ,, أزدرد ريقه وحث خطاه ,,, تنفس الصعداء حين لفح وجهه هواء الشارع المنعش ,,, حملته قدماه المتعبة عبر الطريق ,,, سار علي غير هدى ,,, أرهقه التفكير,, وجد نفسه من جديد أمام الفندق ,,, صعد إلي غرفته ,, جلس علي الأريكة واضعا رأسه بين كفيه ,,, دمعت عيناه ,,, أنخرط في بكاءه كالطفل ,,, جمع حقيبته ,, غادر الفندق,
حين فتحت له الباب أحتضنها بعينيه ,, ارتسمت علامات الدهشة والرضا علي وجهها ,,, حين دلفا إلي الداخل سألته كيف وجدتها ,, أجاب هامسا ,, لم أجدها ,,, تعجبت وهي تردد لم تجد الأرض ,,, أبتسم وهو يقبل وجنتيها هامسا أظنني وجدتها هنا.
تمـت