كانت سيدة تمتلك مكتبة قريبة من مكان سكنها تشغل وقتها بقراءة وتصحف ما يصدر من جديد لما لها من اهتمامات أدبية منذ الطفولة ، شد انتباهها رجل كان يرتاد المكتبة بين الحين والآخر ، يتصفح بعض المطبوعات ويكتب بعض الملاحظات على أوراق يحملها بين يديه ، أثار داخلها تسائل لمعرفة تلك الشخصية .
قررت وبعد تفكير طويل عند حضوره في احد المرات القادمة ان تبادره بالسؤال ان كان بحاجة لمساعدة ما أو بالأحرى عن ماذا يبحث ، حضر كعادته إلى المكتبة وقامت هي وبادرته بالسؤال مرحبة به أولاً : تفضل هل لي أن أساعدك ؟ اراك تبحث عن شيء ما ؟ تعجب هو من مبادرتها بالسؤال . لكن اجابها : بأنه يحب أن يتتبع الاصدارات الأدبية الجديدة لما له من بعض التجارب في الكتابة النثرية والشعرية . دهشت هي من ما تسمع واشارت له الى زاوية ما في المكتبة تحتوي الاصدارات الادبية الجديدة مستأذنة بالمغادرة على ان يتاح لها لقائه بفرصة أخرى قريباً .
في يوم كانت جالسة في المكتبة كعادتها ، حضر هو ايضاً مبادرا بالقاء التحية وطلب منها لو تسعده أن تقبل دعوته لشرب فنجان قهوة في مكان ما ليتجاذبا اطراف الحديث لما وجد كل منهما عند الآخر من اهتمام بالقراءات الأدبية .
حدث اللقاء الاول وتكررت اللقاءات بينهما وفي كل لقاء كان يطلعها على تجاربه الأدبية وهي تقوم بمساعدته على ترتيب الافكار المطروحة وطريقة السرد ليصل بكتابته الى الهدف المنشود من الموضوع ومع مرور الوقت اصبح اكثر اتقانا في اختيار الفكرة وطرحها بشكل مناسب وكان من ما وجدته به انه وسيم جميل الملامح لكن ينقصه بعض الاناقة في طريقة لباسه حتى يظهر بشكل اكثر وسامة .
وفي احد اللقاءات قدمت له حافظة أوراق كانت قد ابتاعتها له لكي يحفظ فيها اوراقه بشكل اكثر ترتيباً من حملها بين يديه بشكل متناثر مما كان لها اثر رائع بالنسبة له لاهتمامها به وحصل ان استسمحت منه ان تتدخل في طريقة اختياره لملابسه بالوانها وشكلها العام حيث انها ترى ان في ملابس الرجال خيارات عديدة والوان متعددة فيها الكثير من الاناقة ، ابتسم لها خجلاً وراقت له الفكرة طالباً منها مساعدته بالاختيار المناسب لكي يكون رجلاً وسيماً كما ارادت فعلت ذلك وهي فرحة لثقته بها .
بدأ يثير الانتباه بالنسبة لمن حوله للتغير الذي حصل باسلوب لباسه الاكثر اناقة ، وما كان قد قام به من نشر كتاباته في المجلة الاسبوعية التي كانت تصدرها اللجنة الاجتماعية في دائرته مما أثار الانتباه لقراء وقارئات المجلة ، بدأت ردود الفعل تصل اليه من الجميع وفيها تشجيع له ان ينشر ذلك ايضاً خارج نطاق دائرته ، بالصحف اليومية مثلاً ، اعجبته الفكرة وبادر بالمراسلة مع اكثر من صحيفة قوبل منها بالترحاب والاستعداد لنشر كتاباته لما كان لها من صدى اوسع لدى الكثيرين من القراء .
تباعدت اللقاءات بينهما ولم تعد كالسابق وفي لقاء ما حضر ولم يكن يحمل معه حافظة اوراقه كالسابق فبادرته بالسؤال : اين حافظة اوراقك ؟ ألم تحضرها معك ؟ الم تكتب شيء جديد ، ابتسم وقال لا داعي لذلك اليوم وبدا عليه نظرة طاووسية فيها مكر ما ولاحظت هي الاختلاف الحاصل به من طريقة جلوسه وطريقة حديثه معها شاغلاً نفسه بجهازه الخلوي والنظر الى الساعة باستمرار متململاً حتى استأذن منها للمغادرة لارتباطه بموعد لديه لا يستطيع تأجيله أكثر من ذلك وغاب عنها ولم يعد يرتاد مكتبتها أو حتى الرد على هاتفها ..... اختفى .