الاعتراف
فجأة، شعر بالذنب، لذلك استغلّ تواجدَ أمّه وحيدة، بعد أن خرج الجميع، وانحنى عند رجليْها باكيا، كما لم يبكِ من قبل..
بكى، لأنه لم يكن بالبيت حين سقطت من عتبته القصيرة، وهي تحاول الخروج لشراء الخميرة..
بكى ذلك اليوم الذي كانت تتوّسل إليه فيه أن يرافقها إلى المشفى، فرفض لأنّ أصدقاءه ينتظرونه في سيارة بالخارج، حيث كان عليهم الوصول في وقت محدد إلى الشاطىء، لأنّ آخرون ينتظرونهم هناك.
بكى كلّ لحظة تجاهل فيها صوتها الخافت، وهي تنادي عليه، لأن فريقه المفضل يخوض مباراة على التلفاز..
بكى يوم أتى برفاقه إلى المنزل، وهو الذي يعرف أنها ما نامت تلك الليلة حتى انبلج الصبح، بسبب ضجيجهم الذي لم يرحم ضعفها..
بكى كلمات التذمّر من كلّ شيء تفعله بجهد جهيد.. ميوعة العدس، طعم الأرز، قلة الملح في البيض، ماء الصنبور.. وهو الذي لم يساعدها يوما في أمور البيت، حتى ولو بإزاحة قشة عن الطريق.. حتى أدثرته تظل مُكوّمة بفوضوية طول اليوم، بعد أن خذلها الجهد في طيّها كل صباح..
بكى لأنّه لم يمسك بيدها النحيلة، ولم يسند جسدها الذي أعاده الزمن إلى حجم طفلة، ولم يرشد بصرها الضعيف..
بكى كلَّ شيء.. كلَّ شيء....
وقبل أن يغادر، انحنى بلطف، وقبّل حجرا على قبرها الصغير.. ورحل.