........فرحتي
أسكنتك آلامي
ألبستك جروحي
ملأتك دموعي
قصارى ما أجد في راهني
لتصنع سعادة.... لتبني مجدا
فأنت........ بذرة أملي
صغيري الحبيب
رفعت سماعة الهاتف للمرة الخامسة... كونت رقما...أجاب والدها
- نعم أبي..كيف حال امي الآن...الحمد لله..نعم هذه أرقام طبيعية للضغط...أهي نائمة...لا... لا توقظها ...كنت أريد.....فقط......كنت أريد... أن أطمئن عليها...نعم الصغير معي الآن... تركته مع أبيه ليلا.....كل شيء بخير أبي، نعم أبي...تعبة بعض الشيء فالحركة في المستعجلات تزداد ليلا....نعم سأحاول أن أرتاح... الله يخليك أبي...ابلغ سلامي لوالدتي ... سبحانه الشافي العافي...السلام عليكم"
نظراته ما زالت تتبعها، منذ بدأت رحلتها الهاتفية وهو يراقبها بعينيه الدائريتين ...ابتسمت له .....اقتربت منه ورنت بوجهها ....سبحت في لون قزحيته العسلي المشوب بصفرة هفهافة...."يبدو أنك سترافقني يا بطل"...رفع يده الصغيرة وتردد الفطرة يلبسها فيسفر عن حركة غالبا ما تخطئ هدفها....لامست الأنامل الصغيرة المكتنزة...وجهها...وجنتها ..شفتيها...فطبعت عليهم قبلة...ورفعت فلذتها الغالية بين يديها وهي تعانقها بشدة.
أوقفت السيارة أمام الباب الواسع، أخذته من كرسيه في المقعد الخلفي و وضعته في العربة الصغيرة، تقدمت والملف المليء بالأوراق يتأبط ذراعها....اختارت مكانا في البهو الواسع للمتجر.....أخذت بضع من الأوراق و وضعت الملف في سلة العربة الصغيرة....عينيه لا تفارقانها...وابتسامتها تترقرق في شفتيها كلما نظرت إليه...
" المقاطعة"..." إبدأوا بالمقاطعة"...." انتبهوا ...بضاعتهم تقتلنا"...." كل فلس تشتري به بضاعة أمريكية وإسرائيلية...سيتحول إلى رصاصة تستقر في قلب مسلم"
كانت تحاول أن تصل إلى الكل...وردات الفعل المعتادة تتوالى...ابتسامة فاترة، لامبالاة، استنكار، ابتسامة متضامنة، تساؤل ...وهو يقلب وجهه فيهم وتستقر منه العينان على وجهها ...ترمقه في حنان وتضيء وجهها ابتسامة...
إلى برهة ...اختفت الابتسامة وهي ترى إلى جانبه أحد حراس المحل بقامته الطويلة و جسمه الضخم..فسارعت تلتهم برجلها الخطوة التي تبعدها عنه..." سيدتي ..اذهبي من هنا...لا نريد مشاكل"...كادت تفتح فاها احتجاجا لكن شيء ما في عينيه جعلها تعدل عن ذلك وتجر العربة خارج المحل.
جلست معه في المقعد الخلفي لترضعه...ثم رفعته في رفق وهي تمرر أنفها على أنفه الصغير.." أمستعد يا بطل لمحطة أخرى"...و تراءى لها شعاع في العينين هو ربما دليل الشبع لكنها أبت إلا ان تجعله في قرارة نفسها استجابة روحية لسؤالها.
فتحت الباب في عناء..وجسم صغيرها النائم يكاد يفقد ذراعيها آخر رمق من القوة...وضعته في سريره برفق شديد رغم ارتعاش التعب الذي بدأ يتخلل حركات يديها...اتجهت نحو المطبخ ...فتحت الثلاجة...أخذت قطع الثلج ولفتها في قماش ...وضعتها على وجنتها وهي تتجه نحو الحمام....هالتها نظراتها...جعلتها تغوص في عينيها لتستقر في قلبها المجروح....وكادت تطلق لدموعها العنان حتى تستنفذها كلها...لكن صوت المفتاح في الباب سرقها من لحظة تسترجع بها قواها في كل مرة....." من فعل بك هذا"..قالها في هلع...نظرت إلى زوجها وهي تخبئ بالقماش البارد وجنتها المتورمة ...." الباب...ارتطمت بباب السيارة.." ..."أمتأكدة؟"...."نعم"..." وزعت اليوم شيئا من أوراقك؟"..."نعم".
أبدلت ثيابه..وأعادته إلى سريره و هو ما يزال نائما.... همست في حنان " أتعبتك معي صغيري الحبيب"...فتحركت شفتاه الصغيرتان لترسم شبه... ابتسامة...
***************
" آلو...سيدتي يرجى حضورك الآن حالا....نعم بخصوص طفلك...نحن الآن في موقف السيارات...بالمحل التجاري الكبير...نعم ..هو ذاك..."
رغم خفقان قلبها وما يجعله يتلوى في صدرها .....لن تجزع أكثر حتى تصل لتعرف ما لم يستطيعوا إخبارها إياه في الهاتف.......نزلت من السيارة وملامحها صامدة إلا من اصفرار يغمرها و ليس لها يد في إخفائه، ظهرت لها سيارة المدرسة، اقتربت بخطوات مسرعة تراها هي بطيئة، رأتها إحدى المدرسات فأسرعت إليها...أنصتت إليها باهتمام وهي تخفض رأسها..و رفعته حين أشارت المدرسة بيدها إلى السيارة و إلى بعض الأطفال في ساحة الموقف....اتجهت إلى سيارة المدرسة بخطى ثابتة...كان يضع جبهته وأنفه الصغير على زجاج نافذة السيارة...طرقت طرقا خفيفا الزجاج حيث أنفه وابتسمت" أيها الأفطس الصغير" ...لم يرد ابتسامتها...وابتعد من النافذة...دخلت إلى السيارة...جلست قربه ...لم تنبس بكلمة...اختلس نظرة إلى وجهها..كانت فرحة عارمة تغمر الوجه الذي استحال اصفراره إلى لون الزهور اليانعة ولو لم يكن لرمز الفرح في محياها أثر...نظر إليها ثانية بشدة و بتردد الكلمات التي لا تعرف كيف تعبر عن أحاسيس تجول في خاطر عمره ثلاث سنوات..قال" لن أدخل... هذا المطعم ولن آكل ...شيئا...ولن أخرج.... من السيارة...وأريد... أن أعود للبيت"...نظرت إلى المطعم المزين بالأحمر والأصفر والاسم المكتوب بحروف لاتنية كبيرة "ماكدونالدز"...وابتسمت ابتسامة الظفر...و كأنه انتظر هذه الإشارة...قفز إليها و لف ذراعيه الصغيرتين حول عنقها وهو يناديها ويضحك في فرح طفولي... رائع هو .... صغيرها الحبيب.