أكتب من بلدي طولكرم بعد أن تغربت مدة ثلاثون عاماً ما بين دراسة جامعية و إنجاب ثلاثة ذكور وعمل بالإعلام وبمؤسسة بترول بالخليج، وهاأنا اليوم أشعر بلمسة أمي وحنان أختي وتقدير أخي أحن إلى بلدي، إلى زيتها، إلى زعترها، رصاصاتها، ألمها، أنينها، كرمها، نسائها، أطفالها.....، زرت زهرة المدائن في هذه الجمعة الفظيعة،صليت في الأقصى من خلال جنود الإحتلال الوحوش.................، كانت البنادق مصوبة والخطيب يخطب يحث مصلينا على الإستمرار في الصلاة لنحتسبهم لله، الكلمات ستعجز، ورجعت لأنشر كلمات من القلب في ذكرى رحيل والدي في جريدة القدس، وهاأنا أرسلها من خلال واحتنا الثقافية
في الذكرى العشرين لرحيل الأستاذ المربي الفاضل
شريف القبج (أبو مازن)
إلى من أحببت وسأبقى أبداً............
إلى والدي.....ومعلمي....وقدوتي....أ اطبك اليوم...والذكرى تطل عزيزة غالية كما أطلت علينا طيلة عشرين عاما مضت...أياماً عزيزة غالية...عشناها... لم نفارقك ولم تفارقنا لحظة واحدة....لقد كنت معنا وكنا معك....كيف لا وأفكارك...وتعاليمك....وأدبيا ك..نظراتك..بسماتك...سعادتك.... غضبك....فرحك لم يفارقنا لحظة....طبعك الغالي....روحك الطاهرة....كانت وما زالت تعايشنا....واليوم تطل الذكرى العشرين لفراقك....بجسدك....جئت أخاطبك....أخاطب فيك ومن خلالك كل ما هو جميل....كل ما هو عظيم....لكني أجد نفسي عاجزة....بل أكثر من عاجزة....ماذا أخاطب فيك...هل أخاطب الوالد...وأنت والد الكثيرين غيري ممن عرفوك....وعايشوك....واعتبروك أباً روحياً لهم....وما أكثرهم....هل أخاطب المعلم...والأستاذ والمبادئ التي علمتني إياها....ويشاركني فيها الكثير الكثير ممن تلقوا العلم والمبادئ على يديك.
لقد علمتنا أن الستائر تستطيع أن تحجب الشمس ولكنها أبداً لن تحجب الأفكار....فكانت أفكارك وتعليماتك هدياً للكثيرين ممن عرفوك...وعايشوك...وتتلمذوا على يديك...
لقد علمتنا أن الإنسان لا يكون بمقدار السنين التي يعيش بل بمقدار العطاء الذي يعطيه لأهله ووطنه....لعشيرته...لبلده...
وقد كنت عنواناً للعطاء...للوفاء....للتضحية...ح تى أصبحنا نحن بنيك....نفاخر دوماً بما قدمته...بما زرعته...بما غرسته في أجيال عديدة تتلمذت على يديك، حتى أصبح اسمك رمزاً عند الكثيرين ممن عرفوك وعايشوك. ويوماً التقيت أحد معارفك إذ قال لي: لم يكن أبا مازن فلسطينياً بل كان فلسطينياً وأردنيا وسورياً وعربياً مسلماً ففي كل مكان حل به ترك بصمة لا تنسى...وقال لي: يا بنيتي...إن المدن تعرف برجالاتها..ولا يعرف الرجال بمدنهم...فكفى أبا مازن فخراً أنه حين يذكر تذكر معه عنبتا و طولكرم، لما قدم من عطاء من أفكار من سلوكيات حتى أصبحت عنواناً لوفائه... لإبداعاته التي لا تنسى... وستبقى...لقد كان رجل سياسة ورجل علم...ورجل أدب...ورجل مبادئ...
وها أنا اليوم أجدني عاجزة واعترف أنني لا أدري بأي صفة أخاطبك وأنت الذي كنت للجميع الأب والأخ والصديق والمرشد والمعلم....كنت مجموعة من الرجال في رجل واحد حتى أصبحت لي كل العناوين...كل الدلالات الجميلة.
وأخيراً لا أملك إلا نعمة الدعاء وما أجملها وما أروعها...لحظات أقف فيها بين يدي الله تعالى مبتهلة داعية الله عز وجل أن يجمعنا بك في جنات الخلد مع النبيين والصديقين والشهداء....سلام عليك يا والدي اليوم في ذكراك وفي كل يوم مذ تركتنا وحتى نلقاك....
زوجتك وبناتك
في الذكرى العشرين
لوفاة المربي المرحوم
شريف القبج ( أبو مازن)
نذكرك وأنت تتعلم في مدارس عنبتا وطولكرم والقدس حتى حصلت على الدبلوم العالي عام 1923
ونذكرك وأنت تعلم الأجيال في مدارس طولكرم والرملة وقلقيلية واللاذقية والطفيلة ثم طولكرم مرة
أخرى حتى التقاعد عام 1965
ونذكرك وأنت تحاضر للمعلمين والمعلمات عن طرق تدريس مادة الرياضيات
ونذكرك وأنت تحاضر في علم النفس وتقول أن الرجال يعرفون في ساعة الغضب وليس في أيام الفرح
ونذكرك وأنت تحاضر في التربية الإسلامية وتتوقف غير مرة عند قوله تعالى في سورة يوسف: "فكشفنا
عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد" صدق الله العظيم
ونذكرك وأنت تحاضر في التاريخ وتشير إلى الخلفاء الذي يشغل أحدهم صفحات عدة من الكتاب
بينما لا يشغل معظمهم سطرا واحدا لقلة إنجازاته
ونذكرك وأنت تنوه بأن كثيرا من الناس لا يعرفون فلمنج مخترع البنسلين في حين أن معظمهم يعرفون
نوبل مخترع القنابل
ونذكرك وأنت تشجع العطاء وتقول إن اليد العليا خير من اليد السفلى
وأنت تدفع للمحتاجين ثمن الهدايا التي كانوا يحضرونها تقربا إليك
وأنت تكتب لهم الرسائل ليحملوها لمراكز القرار لعلهم يجدون هناك آذانا صاغية بفعل رسائلك البليغة
ونذكرك وأنت تدفع لهم أجرة طباعة تلك الرسائل حين تقدم بك العمر وأصبحت لا تقوى على كتابة
الخط الجميل
نذكرك وأنت تجلس على كل كرسي قش عند كل دكان صغيرة من بيتنا الى السوق
نذكرك وأنت تخطب في البرلمان تعلم النواب كيف يصمدون في الأوطان
ونذكر طابور المودعين وأنت على فراش المرض والجنازة الكبرى وأنت على أكتاف الرجال
ونزور قبر والدك الذي كتبت عليه أبيات الرثاء
سلم على الشيخ الجليل أبو شريف يوسف
في يوم جمعة قد قضى هو بالمكارم يعرف
ونقرأ أبيات الرثاء على قبرك:
الهي وقد أمسيت في قبضة البلى عن الدار والأهلين جد غريب
أناديك من قلب الضراعة راحماً أيا خير من يدعى وخير مجيب
الهي وأنت العفو فاقبل متابتي وفرج إذا قام الحساب كروبي
ومغفرة يا رب أنت وسعتها ومثلك غفار لكل ذنوبي
أبناؤك وأحفادك