أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 19

الموضوع: في صباح العيد

  1. #1
    الصورة الرمزية عبد الله راتب نفاخ أديب
    تاريخ التسجيل : Jun 2010
    الدولة : دمشق - سورية
    العمر : 38
    المشاركات : 1,624
    المواضيع : 234
    الردود : 1624
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي في صباح العيد

    في صباح العيد

    ( أعرف أنهم ماتوا ، لكنني
    لم أشعر إلا أنهم غابوا، و
    الحبيب الغائب لا يتغير في
    القلب مهما تراخت الأيام )
    مصطفى صادق الرافعي
    و جاء عيد جديد
    و لا عيد يكون كأخيه الذي سبقه ، بل يأتينا و قد تبدلت في قلوبنا و حيواتنا أشياء كثيرة ، ذهبت أشياء و ولدت أشياء ، لكن مهما تغير فينا أو تغيرنا ، فإننا نبقى نمخر عباب هذا البحر الزاخر الذي كتب علينا أن نعبر لججه على غير هدى ......... هذا البحر الذي نسميه العمر .
    يبدأ صباح العيد باكراً ، بتكبيرات معطرة بالحماسة تصدح بها المآذن ، و أنا مذ كنت صغيراً لم يجذبني في الدنيا شيء مثل صوتين ، صوت الأذكار التي ترفع من المآذن قبيل أذان الفجر ، فتغرقني في جو من الجلالة و تجليات الروح ، و أسبح بها في عوالم ملائكية راكباً زورق لحظات الليل الأخيرة ، و ما زلت إلى اليوم أسأل : أكنت بها أرتد إلى العالم الذي أتيت منه ،و كانت ما تزال بي بقية من ذكراه لأني حديث العهد به يومها .
    و صوت تكبيرات العيد من مآذن حينا ، التي كانت ترافق أشعة شمس الصباح المخترقة نوافذ منزلنا القديم ، المذكرة بأن هذا اليوم ليس كأي يوم ، فهو يوم عيد .
    أما اليوم ، فأجدني لا أرى لصلاة العيد معنى إلا إن أديتها في مسجد الحنابلة ذي الألف سنة ، أقدم بناء عرفته الصالحية ، و أجمل مساجدها على الإطلاق .
    و بعد الفراغ من الصلاة أصعد مع الصاعدين في الطريق الجبلي الموصل إلى مقابر الصالحية القديمة ، التي لم يشتهر شيء في الصالحية شهرتها ، و لست أدري إلى اليوم لمَ كان أبناء هذه المنطقة يكثرون من بنائها ، أترى لصلة بينهم و بين الموت ؟؟ ... أم لهاجس به كان يحلق في رؤوسهم دوماً فيجذبهم إليه ؟؟
    و مقبرة عائلتي أقربمن غيرها من المقابر و أقل ارتفاعاً ، و لذلك هي الأكثر ازدحاماً بمن سلكوا جسر العبور بين الدنيا و الآخرة ، فلا شك أن حاملي الميت مهما كانوا يحبونه فهم يستحبون التخلص من عبء حمله و الصعود به في طرقات قاسيون الشاقة بدفنه في أقرب المقابر إليهم .
    و هناك في المقبرة أخلو إلى نفسي ، و إلى ذكرياتي مع سكانها ، أولئك الذين كنا نزورهم في بيوتهم ، فبتنا نزورهم هنا ، لكن ...... دون أن نراهم .
    المقبرة هذه التي أطل منها على دمشق كلها ، فيمتزج الماضي بالحاضر في صورة واحدة أمام عينيَّ ، و رائحة الموت بمنظر الحياة ، و ذكرى الأحباب الراحلين بأزمات الواقع الخانق ، و الأحياء الذين بتنا نفقد بينهم الحب .
    هناك ... في قبر واحد ... أبي و عميو جدي ، عالم لغوي و قاض كبير و مالك أراض ... !! ثلاثة لم يجمع بينهم إلا أنهم أقرباء ، و في قبر بجانبه جدتي و جدة والدي و عم آخر لي
    رحمك الله يا أبا العلاء ، يا من تجاوزت بإنسانيتك حدودزمنك إلى كل زمان و كل أرض :
    رب لحد قد صار لحداً مراراً
    ضاحك من تزاحم الأضداد
    رحمهم الله .... عاشوا حياتهم في ظروف غير ظروفنا ، و أوساط غير أوساطنا ، ثم رحلوا عنا إلى المجهول الكبير ، فما عدنا نعرف من أمرهم شيئاً ، سوى أنهم كانوا في هذه الدنيا ، عاشوا بها أياماً ، ثم غابوا تحت هذا التراب .
    و هناك ..... أحس بصلة تربطني بعالم من في تلك القبور ، و أرى أرواح أحبابي الذين غابوا تتجلى لي قي فضاء واسع و هم يلوحون لي في سلام ، بل كثيراً ما شعرت بقشعريرة غريبة تسري فيَّ ، كأن روحاً من أرواحهم ردت عليَّ سلامي ، أو لمستني .
    آه منك أيها الموت ..... ألا تستطيع أن تخلي سنة من حصيلة جديدة ، من رفاق جدد تقتادهم إلى ما وراء الشفق الأزرق ، إلى العالم الذي لا نعرف عنه أكثر مما نقرأ في الكتب المقدسة ، تحرمنا منهم ، و تجعلنا نضيف إلى قائمة القبور التي نزورها قبوراً جديدة .
    أفلا يحق لقلوبنا أن تعيش الفرح ، أن تتلمسه ، و هل كتب علينا أن نظل نتجرع كأس المرارة تجرعاً ، و أن نبقى ندور في دوامة آلامنا و أحزاننا إلى ما لا نهاية .
    غادرنا بين العيدين أحباب جدد ، هوت أعمارهم كأوراق الخريف ، و تبددت أيامهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف .
    فلئن كان عمرنا نهباً بين وداع و فراق ، و تذكر و تحسر ، و ذكرى و دمعة ، فمتى تسكن أرواحنا ؟؟ و متى نحس بطمأنينة السلام ؟؟ و متى نغمض أعيننا دون خوف من الآتي ، و متى يجيء عيد نثق أنه سيعود على كل من نحب و هم بيننا ؟؟
    ألم بالقبر أغليه و ألثمه
    و حولي الساخران الغيب و الأبد
    أحبتي كلما غامت طيوفهم
    هتفت لا تبعدوا عني و قد بعدوا

    بدوي الجبل
    الأدب شريعة ربانية لا يصلح لها إلا المصطفون من أرباب القلوب

  2. #2
    الصورة الرمزية آمال المصري عضو الإدارة العليا
    أمينة سر الإدارة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : Egypt
    المشاركات : 23,787
    المواضيع : 392
    الردود : 23787
    المعدل اليومي : 4.13

    افتراضي

    وستظل الأعياد تطل علينا كل عام تصدح بتكبيراتها المآذن
    ورغم رحيل الأحباب ومن غابوا عنا
    إلا أنهم تركوا لنا مايجعل عيدنا بذكراهم

    أستاذي الفاضل ... كل عيد والخير لكم أكيد
    جعل الله أيامكم كما الأعياد بهجة وسرور
    ودمتم للإبداع عنواناً

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    الصورة الرمزية محمود فرحان حمادي شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2009
    الدولة : العراق
    العمر : 62
    المشاركات : 7,102
    المواضيع : 105
    الردود : 7102
    المعدل اليومي : 1.29

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الله راتب نفاخ مشاهدة المشاركة
    اقتباس كامل النص
    جولة مع خواطر النفس المتعبة الولهى
    تحمل الكثير من العبر من خلال ذكريات ظلت في ذاكرة الحرف
    معبر هذا النص بمشاهده الماتعة وشجنه االمتد إلى مسافات كبيرة من ذاكرة الأيام
    مبارك عيدك وكل عام وأنت بخير
    تحياتي

  4. #4
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.70

    افتراضي

    أية لغة سامية هذه التي حملت خلجات الروح بانفعالات تواصلها مع الواقع بحركته وضجيجه وانشغالها بالخيال المحلق بين متاهات الفقد بحسرته والحلم بتماوجة بين الأمل والتوق وهواجس الحياة والموت

    لك لغة أطيل الوقوف عندها بين تأمل واعجاب

    دمت مبدعا


  5. #5
    الصورة الرمزية عبدالصمد حسن زيبار مستشار المدير العام
    مفكر وأديب

    تاريخ التسجيل : Aug 2006
    المشاركات : 1,887
    المواضيع : 99
    الردود : 1887
    المعدل اليومي : 0.29

    افتراضي

    مشهد يقرن بين العيد و الموت في طريق العودة إلى ما بعد العيد ...
    إنه المسلك نحو المجهول ما بين فرح و ترح ..... و تستمر الأيام تترى.
    و نحن السالكون دروبا مفضية إلى الردى ,و هي ذاتها حالمة بنشوة العيد و واجمة من القادم على ممرات الغياب.
    تظل جماعات من الأفئدة ترقب صباح الانعتاق,لترسم بسمة الحياة على وجوه استهلكها لون الشحوب و شكلها رسم القطوب ,يعانقها الشوق و يواسيها الأمل.

  6. #6
    الصورة الرمزية عبد الله راتب نفاخ أديب
    تاريخ التسجيل : Jun 2010
    الدولة : دمشق - سورية
    العمر : 38
    المشاركات : 1,624
    المواضيع : 234
    الردود : 1624
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رنيم مصطفى مشاهدة المشاركة
    وستظل الأعياد تطل علينا كل عام تصدح بتكبيراتها المآذن
    ورغم رحيل الأحباب ومن غابوا عنا
    إلا أنهم تركوا لنا مايجعل عيدنا بذكراهم

    أستاذي الفاضل ... كل عيد والخير لكم أكيد
    جعل الله أيامكم كما الأعياد بهجة وسرور
    ودمتم للإبداع عنواناً

    الآنسة الرائعة رنيم
    يشرفني دوماً مرورك و قراءتك الرقيقة
    بارك الله بعمرك و أعيادك
    كل التحيات لك

  7. #7
    الصورة الرمزية محمد ذيب سليمان مشرف عام
    شاعر

    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    المشاركات : 19,255
    المواضيع : 522
    الردود : 19255
    المعدل اليومي : 3.70

    افتراضي

    ودائما تنقلنا الى ما لم نفكر ..
    وما زالت وسوف تبقى ما بقيت حياة على هذه الأرض
    مآذن تصدح بالتكبير والتهليل وبإقية هذه القبور شاغرة أفواهها
    تلتقم أحبتنا ومن بعدهم نحن وسوف يأتي الأبناء كما أتينا لتذكروا ويقولون ما نقول الآن
    أما الثابت البقي هو التكبير الى يوم الدين
    الله أكبر .. أكبر لا إله إلا الله
    شكرا لك

  8. #8
    الصورة الرمزية عبد الله راتب نفاخ أديب
    تاريخ التسجيل : Jun 2010
    الدولة : دمشق - سورية
    العمر : 38
    المشاركات : 1,624
    المواضيع : 234
    الردود : 1624
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمود فرحان حمادي مشاهدة المشاركة
    جولة مع خواطر النفس المتعبة الولهى
    تحمل الكثير من العبر من خلال ذكريات ظلت في ذاكرة الحرف
    معبر هذا النص بمشاهده الماتعة وشجنه االمتد إلى مسافات كبيرة من ذاكرة الأيام
    مبارك عيدك وكل عام وأنت بخير
    تحياتي
    ما أجمل مروركم أستاذي الكريم ....
    و ما أسعدني بتعليقكم
    حياكم الله و بارك بكم

  9. #9
    أديبة
    تاريخ التسجيل : Jan 2006
    المشاركات : 6,061
    المواضيع : 182
    الردود : 6061
    المعدل اليومي : 0.91

    افتراضي

    السلام عليكم
    ليت الإنسان يعيش بالعقل فقط
    لكان يفرح من كل قلبه وقت الفرح
    ويحزن وقت الحزن فقط,, ولا يخلط الإثنين معا,, فلا يعود هناك أي ملامح لأي منهما
    ولكن ,,,
    الحمد لله على كل الأحوال
    هذا شرع الله بالبشر
    ولا اعتراض
    كانت مقطوعة صباح العيد جميلة ومؤثرة
    شكرا لك أخي عبد الله
    ماسة

  10. #10
    الصورة الرمزية عبد الله راتب نفاخ أديب
    تاريخ التسجيل : Jun 2010
    الدولة : دمشق - سورية
    العمر : 38
    المشاركات : 1,624
    المواضيع : 234
    الردود : 1624
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ربيحة الرفاعي مشاهدة المشاركة
    أية لغة سامية هذه التي حملت خلجات الروح بانفعالات تواصلها مع الواقع بحركته وضجيجه وانشغالها بالخيال المحلق بين متاهات الفقد بحسرته والحلم بتماوجة بين الأمل والتوق وهواجس الحياة والموت

    لك لغة أطيل الوقوف عندها بين تأمل واعجاب

    دمت مبدعا

    بارك الله بك أستاذتي ...
    لم تصرين دوماً على إخجالي على هذا النحو ؟!!!!! نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    أنتم الكبار دوماً نستقي من خلقكم و فضلكم و صدقكم ..
    لكم التحايا و السلام
    دمتم بألف خير


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. - ترنيمة في صباح العيد -
    بواسطة عبدالله بيلا في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 21
    آخر مشاركة: 21-11-2009, 07:32 AM
  2. صباح العيد .. يا وطني : د / لطفي زغلول
    بواسطة لطفي زغلول في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 02-10-2008, 10:49 PM
  3. اضحك و فرفش في العيد .. و بعد العيد كمان
    بواسطة د.جمال مرسي في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 27-01-2005, 02:28 AM
  4. استشهد صباح العيد
    بواسطة محمود مرعي في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 17-12-2003, 07:46 PM
  5. العيد غدا-مهداة لكل المحرومين من فرحة العيد
    بواسطة فارس عودة في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 16-12-2003, 03:49 PM