أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 12

الموضوع: ملحمة الأطفال .....ورجولة الكبار

  1. #1
    الصورة الرمزية فارس عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    المشاركات : 56
    المواضيع : 9
    الردود : 56
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي ملحمة الأطفال .....ورجولة الكبار

    ملحمة الأطفال .......... ورجولة الكبار


    خلق الله سبحانه وتعالي الخلق وزرع فيهم الفطرة التي ارتضاها لهم ... ( كل مولود يولد على الفطرة ) ، يخرج من رحم أمه متمسكاً بصدرها لأنه غذاؤه واستمراره في الحياة ، ويتشبث بها أكثر كلما كبر ... ويتمسك ببيته وبيئته أكثر وأكثر .. يغدو طفلاً يسرح ويمرح ويترعرع على مدارج الفطرة ، ويصبح جزءا
    منها لا ينسلخ عنها ولا يُفرط بها أبداً .
    هذا مدخلٌ لقصة طفولة عشتُها وعاشها أطفال معنا، وذكرى أيام مجيدة نفتخر بها على رغم بساطة عملنا وصغر سننا ، لكنها كانت ملحمة في نظرنا لا تُمحى من الذاكرة ... ونقول في أنفسنا نحن الأطفال هزمنا الأعداء .
    في عام 1973 جرت معركة تشرين ( أكتوبر ) بين العرب وإسرائيل وكنت أيامها قد بلغت العاشرة من عمري ... طفلاً يسرح ويمرح في بيته ومدرسته لا يعي ما يدور حوله بمفهوم الوعي السياسي ، ولا شأن لنا بمن يحكم من ولا من يقود من ولا هذه حكومة ديمقراطية منتخبة ولا تلك حكومة متسلطة ، ولكننا نعي أن لنا عدوا متغطرسا، احتل أرضنا وشرَّد شعبنا وانتهك حُرمُاتنا ، ويجب محاربته وطرده من أرضنا ....... هذا هو مفهومنا السياسي الطفولي إن صح التعبير ، هذه فطرتنا التي فطرنا الله عليها ، ولن ننسى طغيان هذا العدو الغاشم مهما طال الزمن وتعاظمت قوة أولئك الغزاة الغرباء المحتلين ، ومن يمت فهو شهيد ، مسكنه جنات النعيم ، ونفرح لمن يستشهد ونقول بلسان الطفولة مأواه الجنة ، حيث تجري من تحتها الأنهار ، وليت أولئك الغزاة يدركون هذا .
    وقعت الحرب ... هدير الطائرات .... أصوات المدافع .... الانفجارات هنا وهناك ليلا ونهارا .. أهل القرية يتسارعون صعودا على أسطح المباني ليروا الطائرات ..... هذه سقطت أصابها صاروخ ... وتلك احترقت واشتعلت فيها النيران ..... فرحين لنصر وعد الله به عباده المؤمنين .... وتكبيرات الله أكبر تنطلق من مآذن المساجد ، وفصائل الجيش الشعبي تنتشر على الطرقات العامة والجسور يحمونها من أي إنزالات جوية ، هكذا كنا نسمع ولا نعي معنى ما يقولون .... ولكن نعي أنهم يشاركون في المعركة .
    وبعد مرور أيام لا أذكر عددها ، سمعنا أن العدو استهدف المخابز العامة التي تقوم بتموين الناس بالخبز وأحدث بها أضرارا أوقفتها عن العمل مؤقتاً ... تناقلت الناس هذا الخبر بشيء من الحزن ولظنهم أنها سوف تحدث أزمة في تزويد الجيش بالخبز .. فهب أهل القرية لإيجاد وسيلة يساعدون فيها الجيش في تعويض هذا النقص .. ويتدارسون البدائل الممكن تقديمها حتى لو وصلت إلى بتر قطع من أجسادهم طعاما للجيش في سبيل المعركة .. نعم تلك كانت ملاحم الرجولة .... أولئك هم الجنود وراء الكواليس ... الكل يشارك بالمعركة حتى الحجر والدواب وحتى الأنعام ترعى رياض الفرح بالنصر .... تشارك في المعركة وسيأتي ذكرها .
    هبت النسوة تعجن العجين ... وتصحو مع بزوغ الفجر توقد المواقد ... وتهيئ التنور للخبز .. ويتصاعد الدخان من المواقد ...... يشكل مزيجا مع الدخان المنبعث من الطائرات والمدافع ........ وجاء دور الأطفال الأبطال ودور الحمير ..... التي كان لها الدور الكبير في معركتنا نحن الأطفال .
    في كل بيت يوجد حمار يستعينون به على قضاء حوائجهم ، وحمل أسفارهم ولكنه كان جزءا .. لا يمكن الاستغناء عنه .
    نضع ما يشبه السرج على الحمار " الخرج " الذي يُوضع فيه الأحمال ونتوزع بين البيوت نجمع الخبز ... تستقبلنا النسوة وتجود بلا حدود ...... وترتفع الزغاريد باستقبالنا .... وكنا نفرح بها أكثر لأنها تمجدنا وتشعرنا بأننا رجال ...
    نحمل الخبز إلى الطريق العام .. حيث سيارات الإمداد تمر من هناك تحمل المؤن إلى خطوط الجبهة الأمامية حيث تسطر ملاحم الرجال ..... ونصطف بانتظارها ومعنا الخبز محملا على الدواب ... وتأتي سيارة الإمداد ويترجل منها الجنود يرفعون الخبز إليها ... ونعاود الكرة صباح مساء .... وفي إحدى المرات كان هناك ضابط يرافق السيارة فترجل منها وقال لنا مخاطباً : ـ بُوركتم ... لا نُهزم اليوم من قلة ..... ولا من ضعف .... ولا من جبن .. ولا تنكسر ولا تُهزم أمة تنجب أمثالكم ....... أنتم جنود المستقبل .... وأنتم الأمل ....


    أخرج من بيتي مع حماري صباحاً لأبدأ عمل يوم جديد ..... آه ... مسكينة أمي رحمها الله ... كانت ترفقني إلى أول الطريق وهي تقول : ـ يا بني إن بدأ القصف ورأيت الطائرات في السماء فانبطح أرضا ولا تأو ِ إلى بيت .... ولا تحتمي بجدار ... وكنت أرد عليها ببراءة الطفولة .... يا أماه .... وأين أترك حماري وكيف ينبطح معي وماذا أفعل به ... لأنه كان عنصراً هاما في دعم المعركة ولن أفرط به .... هذا مفهوم الطفولة عندي فبدونه كيف أوُصل الخبز إلى الطريق العام .
    وضعت الحرب أوزارها .... وانجلت المعركة ... وأيدنا الله بنصر من عنده ورفع معنويات شعبنا لتطال عنان السماء .... هكذا نشأنا وهكذا فُطرنا .. وليت الجاثمين على صدور أهلنا في فلسطين يدركون هذا ... ويدركون أننا أمة جُبلت على الحرية وعلى الجهاد ، وأن ما يربطنا بأرضنا أقوى من أي رابط أخر ... فهم حين يقتل لهم جندي تقوم الدنيا ولا تقعد ، لأنهم خليط من الأجناس جاؤوا من كل حدب وصوب ، لا تربطهم إلا مصالحهم ... وعسكرهم مرتزقة فلا يستطيعون التفريط بهم .. لأنهم لو فرطوا بهم سيرحلون .. أما نحن فباقون بقاء الجبال بأرضنا .. وصامدون صمود الأشجار في غاباتنا ... جذورنا في أعماق الأرض وأغصاننا تعانق السماء بعالي السنا .....
    في فلسطين تزف النسوة الشهداء ، وتنشد نشيد فلسطين ، والرجال يتلون عليه آيات من الذكر الحكيم ... ويتسابقون في تقديم قوافل الشهداء .. بل مفخرة من قدم أكثر من الشهداء ...... حجارتهم قنابل ... وأهازيجهم سنابل ..... تنبت كل يوم فجرا جديدا .....
    ليت الصهاينة يدركون أنهم ولادة حمل غير شرعي ... وسوف يُلفظُون ولو جاؤوا بألف شرق أوسط جديد .. وليتهم يعلمون أن أي عربي أو مسلم في أقصى بقاع الأرض يلفظُهم ... وأن قُلوبنا مع إخواننا ... قُلوبنا تخشع وعيوننا تدمع ... ولكنا صامدون .......


    في لبنان اليوم يسطر الأطفال أروع ملاحم البطولة والإباء .. ويتجلى الصمود في أروع صُوره .. ناهيك عن أولئك الرجال الذين باعوا أرواحهم لربهم ونذروا أنفسهم للجهاد في سبيله ... جبينهم يطاول قمم الجبال وسنا الخيال .. وأيديهم قابضة على زناد بنادقهم .. وأرجلهم راسخة ثابتة في الأرض رسوخ آرز لبنان ...
    دمروا ... أحرقوا ... اقتلوا الأطفال والنساء ... كسروا كل شيء ... ولكن لن تكسروا عنفوان لبنان .... ولن تكسروا إرادة المجاهدين الصامدين .... فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله .. والله ناصر دينه ومعلي كلمته ..... ولو كره الكافرون .
    أين الشعراء ... فهذا إلهامكم ... هنا تفيض قريحتكم ... هنا أطلقوا العنان لألسنتكم .... وأين الكتاب والمؤرخون فهذه مادتكم ... وهنا يخط قلمكم ليسطر أروع القصص قصص الأطفال ... قصص الرجال .... وأين التاريخ ليكتب بحروف من الدم ...... ملحمة الأطفال .. لكنهم أبطال .


    بقلم / فارس الحريري

  2. #2
    عضو مخالف
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    العمر : 42
    المشاركات : 1,799
    المواضيع : 128
    الردود : 1799
    المعدل اليومي : 0.27

    افتراضي

    سلام القلب يبعثه الوريدُ
    وإجلالي لكم شيء يزيدُ
    ملكت الفكر حين كتبت حرفاً
    له في الحكيِ شيء أستفيدُ

  3. #3
    الصورة الرمزية سحر الليالي أديبة
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    الدولة : الحبيبة كــويت
    العمر : 38
    المشاركات : 10,147
    المواضيع : 309
    الردود : 10147
    المعدل اليومي : 1.49

    افتراضي

    لله ما أروع ما قرأت !!!!

    والله إنها تستحق التثبيت

    سلم قلمك أخي الفاضل فارس

    حروف تنطق صدقا وروعة

    بحق لا أجد ما أعقب به

    تقبل خالص إعجابي وتقديري وباقة وردنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  4. #4
    الصورة الرمزية فارس عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    المشاركات : 56
    المواضيع : 9
    الردود : 56
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سحر الليالي
    لله ما أروع ما قرأت !!!!

    والله إنها تستحق التثبيت

    سلم قلمك أخي الفاضل فارس

    حروف تنطق صدقا وروعة

    بحق لا أجد ما أعقب به

    تقبل خالص إعجابي وتقديري وباقة وردنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    أشكر لك مرورك ... ومرورك يكفي ....
    ولكن هذا ما يجمعنا ... ولو لم نشاهد بعض .. يجمعنا الإحساس بالوطنية ... ورابطة العقيدة ... وهذا ما يعجز عدونا على النيل منه ...
    شكرا لك

  5. #5
    في ذمة الله
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    المشاركات : 3,415
    المواضيع : 107
    الردود : 3415
    المعدل اليومي : 0.50

    افتراضي

    إحساس راقي ، وحرف سطر ملحمة ما زالت الأمة تشهد حروفها بدم شهدائها وبطولة رجالها الشرفاء .

    دم بكل الخير ، وجزاك الله كل الخير أخي في الله / فارس
    والشكر موصول للحبيبة زهرة الرابطة / سحر الليالي
    لتثبيتها .

  6. #6
    الصورة الرمزية فارس عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    المشاركات : 56
    المواضيع : 9
    الردود : 56
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبلة محمد زقزوق
    إحساس راقي ، وحرف سطر ملحمة ما زالت الأمة تشهد حروفها بدم شهدائها وبطولة رجالها الشرفاء .

    دم بكل الخير ، وجزاك الله كل الخير أخي في الله / فارس
    والشكر موصول للحبيبة زهرة الرابطة / سحر الليالي
    لتثبيتها .
    أشكرك لك إحساسك الراقي ... وروحك العربية التي يفتقدها الكثير ...
    واشكر لك مرورك .. والشكر طبعاً لسحر الليالي ..
    فارس الحريري

  7. #7
    الصورة الرمزية محمد إبراهيم الحريري شاعر
    تاريخ التسجيل : Feb 2006
    المشاركات : 6,296
    المواضيع : 181
    الردود : 6296
    المعدل اليومي : 0.95

    افتراضي

    الأخ ابو محمد الأستاذ فارس
    تحية
    قصة عشناها مرتين واقعا وخيالا
    صدقت بكل حرف ، وبكل معنى لامست كبد الحقيقة بمجس طبيب عرى الخيال ليصبح واقعا نحياه بألق العزة .
    معركة الحياة تحتاج لتضحية فطرية ، لا تقاس بشبر الزيف أو باع التباهي
    قد فعلت ما يجب بفطرة بريئة غير منتبذة من أهل بل هي ديدنهم وحياتهم
    رحم الله والدتك فقد كانت بحق أم رجال وأخت رجال
    دمت أخي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  8. #8
    الصورة الرمزية فارس عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    المشاركات : 56
    المواضيع : 9
    الردود : 56
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد إبراهيم الحريري
    الأخ ابو محمد الأستاذ فارس
    تحية
    قصة عشناها مرتين واقعا وخيالا
    صدقت بكل حرف ، وبكل معنى لامست كبد الحقيقة بمجس طبيب عرى الخيال ليصبح واقعا نحياه بألق العزة .
    معركة الحياة تحتاج لتضحية فطرية ، لا تقاس بشبر الزيف أو باع التباهي
    قد فعلت ما يجب بفطرة بريئة غير منتبذة من أهل بل هي ديدنهم وحياتهم
    رحم الله والدتك فقد كانت بحق أم رجال وأخت رجال
    دمت أخي
    يالك من رجل ...
    لا تستحق الشكر فقط فالشكر لا يكفي .. ولا يفي .. ولا يشفي الغليل.. أنت تستحق فوق هذا وتعجز الكلمات عن التعبير ..
    ولكن لك مني أعظم كلمات الشكر
    فارس الحريري

  9. #9
    الصورة الرمزية ميساء عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Aug 2006
    الدولة : بـَـيْـــن الـسُــحــبْ ـ ـ ـ
    المشاركات : 86
    المواضيع : 4
    الردود : 86
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    الفاضل فارس:

    لكلِ امرئٍ منْ اسمه نَصيبٌ وأنتَ هُنا كنتَ فارس الكلِمة...
    سلمَ الفِكر والبنان

    لكَ الودّ بحجمِ السماء

  10. #10
    أديبة
    تاريخ التسجيل : Jul 2003
    المشاركات : 5,436
    المواضيع : 115
    الردود : 5436
    المعدل اليومي : 0.72

    افتراضي

    هي ملاحم البطولة لا ريب ، و هي روح الشجاعة و الأقدام و الرجولة في عالم منغمس في الملذات و راكض خلف متاع زائل ؛ هناك أطفال و هنا أطفال و لكن شتان بين هنا و هناك !
    و لكن الأمل في نفوسنا باقٍ أن العزة و الكرامة لا تموت مهما أحرقتها شمس المغريات .

    بحق تملك قلماً مجيداً و أدوات متمكنة ، و الأهم فكراً خلاقا و غيرة كبيرة و حمية عظيمة .

    بارك بك ربي .

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 27-02-2009, 06:46 AM
  2. عندما يعلِّم الصغار الكبار (2) منقول
    بواسطة عطية العمري في المنتدى الإِعْلامُ والتَّعلِيمُ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 21-11-2005, 09:24 AM
  3. عندما يعلِّم الصغار الكبار (1) منقول
    بواسطة عطية العمري في المنتدى الإِعْلامُ والتَّعلِيمُ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 21-11-2005, 09:21 AM
  4. في دوحة الكبار نبارك للكبار .. باركوا لأختكم ربيحة علان.
    بواسطة د. سمير العمري في المنتدى الروَاقُ
    مشاركات: 15
    آخر مشاركة: 29-01-2005, 06:41 PM
  5. عدي وقصي .. والموت على طريقة الكبار
    بواسطة معاذ الديري في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 21-08-2003, 03:13 AM