جلست مسعودة في ركن تلعب بدميتها الخشبية تزينها ببقايا الأثواب الجميلة، فإذا بيد تأخذها من ساعدها الأيسر، لتجد نفسها وسط زغاريد النساء. حيث بدأت بعضهن بطلاء شعرها و جسمها بالحناء. ثم أخذنها إلى الحمام في جو احتفالي مميز.........لم تدرك بعد المسكينة أنها أصبحت عروسا مثل لعبتها في أجمل حلة. لم تستوعب ما حصل لها و لماذا أخذوها لتعيش في منزل آخر، مع عائلة غير عائلتها، و مع رجل أكبر منها بكثير، كانت تناديه بالأمس عمي. رجل لا تراه إلا في الأعياد، لا يلبث إلا بضعة أيام ثم يسافر........
مضت سنوات قليلة، فأنجبت و هي لا تعرف من الأمومة سوى إرضاع طفلها، ثم تتركه لحماتها التي تتولى رعايته، فتخرج لتلعب مع أترابها...أنجبت ابنها الثاني.فبدأت تدرك أنّ عليها مسؤوليات تجاه أولادها و زوجها و باقي أفراد الأسرة. فتقضي يومها منذ الساعات الأولى إلى وقت متأخر من الليل في الأشغال التي لا تنتهي.
استمرت حياتها عادية رتيبةً دون الاعتراف بمجهودها...و إن اشتكت يوما من تعب أو مرض .فلا تسمع إلا اللوم و اتهامها بالتقصير و بالدلال .
تحت أشعة الشمس الملتهبة، و حرارة الطقس غير المحتملة، تسلقت مسعودة نخلة باسقة الطول، لتنزع منها بعض الجريدات الذابلة، كانت في حاجة إليها. نزلت من النخلة فأسرعت و هي تحمل على ظهرها حزمةً من الحطب، تهرول في سيرها، حتى تُعِدّ وجبة الغداء في موعدها. وفي طريقها التقت جارتها، التي نظرت إليها بوجه باسم لتخبرها بقدوم زوجها. أسرت الفرحة في نفسها، و لم تبدها حياء.......تثاقلت في مشيتها، حتى لا تثير فضول المرأة...ما إن دخلت الدار حتى رأت حماتها تخرج من الغرفة متجهمة الوجه، ما أن رأتها حتى صرخت في وجهها ثم مضت. تبعها حماها ساكتا متجاهلا وجودها......وقفت مسعودة واجمة في مكانها، مندهشة مما يحصل. وضعت الثقل عنها. تنفست الصعداء، ثم دخلت عند زوجها فوجدته مطأطئا رأسه. استفسرته عن الأمر. فاخبرها أنه حضر ليصطحبها للعيش معه في غربته. لهذا فان الخبر نزل كالصاعقة على والديه. فرفضوا تلبية طلبه. لأنها و الأولاد هم الحبل الذي يربطه بهم ماديا و معنويا. و استقلاله بأسرته يعني بالنسبة لهم فقدانه......
تسللت المسكينة إلى غرفتها .جلست على طرف سريرها. فأخرجت من تحته صندوقـا خشبيا، تخبئ فيه حوائجها الشخصية. أخذت المرآة. أمعنت فيها النظر، ثم بدأت تخاطب نفسها بهمس :كل شيء يحدث لي لم يكن بإرادتي أو رغبتي......زواجي، إنجابي لأولادي وتربيتهم....فلماذا أحمل وزر قرار ابنهم. فأنا كمتاع هذا البيت........) انحرفت بوجهها قليلا نحو دميتها التي ما زالت محتفظة بها و تمتمت ( ...أو كدميتي تلك... )
و هكذا استمرت الأيام عند مسعودة بمزيد من الأبناء، مزيد من الأتعاب.........طول غياب الزوج.......و جسم يهرم و روح تشيخ........