خاطرتي هذه من وحى ما نلاقيه من كبثا للعواطف وللمشاعر,
وحبسا لللأنين الصامت في أنفس العقلاء.
قد يعزف القلم عن البوح بأسرار النفوس , فيمتنع عن أن
يخط على الأوراق حروفا تتحول إلى جملا" , ثم إلى كلاما .
ولكنه يكتفي عن كل ذالك بكلمة واحدة تعبر عن رفضه
لكل أنواع القيود, فيصرخ بكل مافيه من بقاى الحبر الذي
يسكنه , ويخطها على الورق بخط كبير , يقرئه من أصابت
عيناه ضعفا , وكذالك البصير .
فتتجلى الكلمات على الأوراق , وكأنها تأكد حقيقة نفس صاحبها , فيهتف بها لسانه قبل أن يخطها قلمه فيقولها,
ولا يخشى في الله لومة لائم.
أتعرفون ماهى هذه الكلمة هي: ( لا ) .....
تنتابني أحيانا " أحلاما" غريبة , أهرب منها إلى الواقع
فأجده اشد غرابة , ويتكرر الحلم على صورة واحدة في
كل مرة , وأنا فيه وكأنني طائرا" أرفرف في سماء مظلمة
لاشمس فيها ولا قمر ينيرها , وكل ماحولى ظلاما" في ظلام.
وسوادا يعم المكان فلا بصيص لنور .
وكلما أرتفع الطائر وحلق , أحس عندها بالاختناق
وأنفاسي من شدة روائح الغش والنفاق , تكاد تختفي وتنتهي.
وفجأة عم الصمت من حولي , من بعد أن كنت اسمع
أصواتا" وهمسا" , ولكنني لا أرى أحدا".
هي لحظات من عمر السكون الذي يحيط بنا.
هي لحظات من عمر السكوت الذي يلجمنا .
هي لحظات من عمر الموت الذي يظل بسواده علينا .
هي لحظات من بوح لنفس يقيدها الصمت .
مابين الحلم واليقظة, يكمن الفزع ويسكن الخوف في براثن
الأمل, فقد تأسرنا أحلامنا ,فننصاع إليها ,وننسى أننا نحى في
عالم اليقظة ,نعيش أمجاد الماضي ,وننظر إلى المستقبل بخيبة أمل,
ونقف عاجزين أمام طعنات خنجر الفشل.
أعددت حقيبتي وفى نيتي السفر, يسبقني إلى بلوغ غايتي شوقي للوصول , وحملت ما تبقى من أشلاء نفسي ,التي مزقتها الأحزان والالالم,وودعت أمسى بدمعة انحدرت سريعا ,وكأنها ملت الانتظار
وكرهة أن تعيش حبيسة الأحداق.
وكم تخوفت من مشقة السفر,ومافيه من تعب , وكم تمنيت أن أحظى
في سفري هذا بالراحة, ولكن هيهات هيهات أن أحظى بها,
فالسفر طويل, والأسر يقيد معصمي,ويكبل حركتي ,وأنا مع هذا
كالطائر أسيرا" في عالمه, وشوقه إلى الحرية يسبقه إليها.
ولزال ذاك الحلم يراودني, ولزلت كذاك الطائر يئن من ضلم سجانه
ويلعن قضبان سجنه.
يتبع