أثناء تفقدى صفحات الواحة ومنتدياتها ..
لاحظت وجود مثل هذا المنتدى الذى يقيل عثرة الحوار الهادف ويعمل على تنميتها ..
ومنذ حللت ضيفا على الواحة .. وأهلها .. بدعوة كريمة من الأخت الفاضلة زاهية بنت البحر ..
وقد اقتصرت مشاركاتى على منتدى الشعر الفصيح ..
غير أن وجود هذا المنتدى أثار فى أعماقي رغبة الطرح والمناقشة ,..
والموضوع الذى أطرحه اليوم ..
هو محاولة لقراءة الفكر الغربي من خلال كتابات مفكريه وقواده ..
تماما كما فعل الغرب معنا عبر مستشرقيه ممن درسوا الشرق العربي والاسلامى بمخالطة أهله وقراءة دراسات مفكريه .. وليس يخفي على أحد دوافعهم فى هذا البحث
واللقاء الأول هنا مع أحد أشهر رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية السابقين .. وهو " ريتشارد نيكسون " هذا الرئيس الذى عاصر فى ولايته قيام حرب العرب الكبري فى أكتوبر عام 1973م ..
تلك الحرب التى تلقت الولايات المتحدة عدة صفعات لا تقل قوة وتأثيرا عن التى تلقتها اسرائيل عبر اتحاد غير مسبوق بين الدول العربية .. اتحاد فى المصالح والرؤي والأهداف ..
وكان اكتواء الولايات المحدة بنار هذه الحرب من القوة بحيث أطارت صواب قادتها فى ذلك الوقت ..
فمع بدايتها ..
اتضح للعالم أجمع .. كيف تمكنت مخابرات دول المواجهة " مصر وسوريا " من خداع المخابرات الأمريكية بكل سمعتها الأسطورية وامكانياتها العملاقة وتم اخفاء استعدادات الحرب حتى اللحظة الأخيرة ..
ثم كانت الصفعة الثانية بانحدار وانهيار العدو على الجبهتين بشكل غير مسبوق .. وظهرت فى أيدى الجنود أسلحة كأنها ظهرت من العدم .. نظرا لحداثة هذه الأسلحة فى ذلك الوقت وعلى رأسها صواريخ سام 6 .. وغفلت مخابرات أقوى دولة فى العالم فى تتبع وصول هذه الأسلحة لمصر وسوريا قبيل الحرب ..
ولم تكد الولايات المتحدة تلتقط الأنفاس قليلا الا وجاءتها الصفعة الكبري ..
وتأثير هذه الصفعة فى ضربها لمصلحة أساسية فى قلب الولايات امتحدة .. عندما أصدر الملك فيصل ملك المملكة العربية السعودية فى ذلك الوقت وبناء على اتفاق مسبق مع رؤساء دول المواجهة أوامره بايقاف ضخ البترول السعودى الى الولايات المتحدة الى أجل غير مسمى ..
ولم تستوعب الولايات المتحة المفاجأة الصاعقة .. الا بعد تمامها بالفعل .. وأرسل الرئيس السادات الى الملك فيصل برقية مختصرة مجملة تقديره لصنيعه الذى لا ينسي قال فيها " أنجز حر ما وعد "
وكانت أياما لم ولن تغيب مشاهدها عن ذاكرة الأمريكيين بعد أن تعطلت الحياة تماما مع توقف ضخ البترول .. وتتابعت التحقيقات المصورة للكارثة من الصحف العالمية وظهرت قوافل السيارات أمام مضخات التموين البترولى العاجزة عن العمل فى مشهد خلد هذه الأيام المجيدة ..
وفشلت جهود " نيكسون " فى اقناع الملك فيصل بالتراجع مع ضمان انهاء الحرب لصالح دول المواجهة .. وصمم الملك فيصل على أن يأتيه طلب اعادة الضخ من رؤساء دول المواجهة ويقرون فيه أن هذا الطلب للمصلحة العربية المشتركة ..
كانت والله أياما ... وأحداثا .. لو تم استغلالها حق الاستغلال لأصبح للعروبة شأن آخر ..
وبعد أعوام من خروج نيكسون من البيت الأبيض .. عقب تفجر فضيحة " ووتر جيت " الشهيرة .. عام 1977 م ..
قام نيكسون بكتابة كتابه المشار اليه بعنوان " الفرصة السانحة " وهو عبارة عن مزيج بين الكتاب الفكرى والمذكرت الشخصية .. وضع فيه تصوراته المستقبلية عقب ادلائه بشهادته التاريخية عن الفترة التى قضاها رئيسا للولايات المتحدة ..
والذى يعنينا من ها الكتاب هى الفصول التى أدلى فيها نيكسون ـ بناء على خبرته ـ بخصوص الشأن العربي ونصائحه للقادة القادمين من بعده فى شأن هذا المف .. عقب تجربة أكتوبر .. ضمانا لعدم تكرارها ..
فماذا قال نيكسون ؟!!
لن أفرد الفصول التى أعنيها .. فقط سأنتقي عبارة واحدة فقط .. عبارة واحدة فيها الكفاية وزيادة تلخص لنا أى نظرة رعب ينظر بها الغرب الينا .. ونحن فى غيبوبة عن الادراك ..
عبارة واحدة ..
ذكرت علانية وفى كتاب منشور منذ سنوات طويلة وخضع للعديد من الدراسات ..
كتاب واضح شديد الوضوح فى دعوته .. وليس غامضا طى الملفات السرية ..
ومع ذلك .. فيبدو أن القراءة هى آخر ما يفكر فيه ولاة الأمر عندنا ..
وحتى اذا قرأوا
فمن ردود أفعالهم التى لم يأتوا فيها بجديد .. تنبأ بأنهم لم يعبأوا بما قرأوا ..
هذه العبارة هى " حاذروا من اتحاد مصالح العرب "
فما بالنا اذا اذا كان اتحاد المصالح دائما .. ونتعالوا نتدبر سويا فى العبارة الشائكة ونحاول ادراك ما خفى منها وما ظهر ..
بادئ الأمر لم يقل نيكسون حاذروا من اتحاد العرب .. لا بل قصر تخوفه من اتحاد المصالح ..
وهى كارثة لو تدركون عظيمة ..
فالرجل لا يتصور أبدا حدوث اتحاد كامل بين العرب باعتباره أشد استحالة من المستحيلات الثلاثة " العنقاء والغول والخل الوفى " ..
ويتخوف فقط من اتحاد المصالح .. وهو الذى شهد له مثلا حيا فى حرب أكتوبر ..
اتحاد المصالح هذه الذى لم يدم شهورا هز الولايات امتحدة هزة لم تنسها الى يومنا هذا .. على نحو ركعت فيه لأول مرة أمام الارادة العربية ..
بل ما بالنا اذا كان الاتحاد .. اتحادا كاملا .. !!
والفارق بين التعبيرين بالغ الاتساع ..
فالاتحاد الكامل .. هو اتحاد فيدرالى كما يعرفه القانون الدولى .. على النحو الذى تطبقه الولايات المتحده فى ولاياتها .. وكذلك الامارات العربية المتحدة فى امارتها ..
أما اتحاد المصالح ..
فهو اتحاد السياسة الخارجية بما يصبح معه المصلحة العامة للدول المتحدة فوق المصالح الشخصية للدول الأعضاء ..
ولكى يبدو المثال أكثر فهما ..
فأكبر تمثيل لاتحاد المصالح .. هو الاتحاد الأوربي .. والذى خرجت منه السوق الأوربية المشتركة وأصبحت أوربا مفتوحة الحدود أمام الأوربيين جميعا مع اتحاد المصالح الاقتصادية والسياسية ..
ونتج عنه أيضا العملة الأوربية الموحدة " اليورو " والذى هز عرش الدولار .. ثم استولى عليه ..
فأين العرب من كل هذا ..
نيكسون تخوف من انهيار المصالح الأمريكية وهيبتها الى الأبد اذا اتحدت المصالح العربية لا سيما فى السوق العربية المشتركة ..
وما زالت السوق العربية المشتركة وهم على الأوراق من سنوات بلا حصر .. وانعقدت عشرا المؤتمرات وعشرات القمم .. واتخذت توصيات ومبادئ .. ولا حياة لمن تنادى ..
هذه السوق التى لا تمثل بحرا من النار حتى نعجز عن عبوره .. بل هى مطلب شعبي عربي فى منتهى البساطة .. نفس هذا الشعب الذى يتمنى الاتحاد الكامل . ثم رضي بأقل القليل .. بالسوق العربية ومع ذلك ضن بها من أوصلونا الى الدرك الأسفل من شعوب العالم ..
ان أوربا ..
بلاد تختلف فى اللغة والحضارة والتاريخ والديانة .. ومع ذلك تجاوزا عن كل هذه الخلافات الجوهرية واتحدوا فى سبيل المصلحة العليا لقارتهم الشاسعة
ونحن ..
نتفق فى الدين واللغة والموروث التاريخى الغنى ..
ونعجز عن تجاوز خلافات .. أقل ما يقال عنها أنها شديدة التفاهة مبعثها المظهرية أو الحسد أو المطامع فى توثيق العلاقات مع الغرب مع ضرب عرض الحائط باسم العروبة ومن ينادى بها
أوربا ..
جمعتها حروب طاحنة بين كبار دولها وأكبر أمثلتها الحرب العالمية الأولى والثانية .. وحرب المائة عام بين انجلترا وفرنسا .. وهى حروب لا يمكن تصور امكانية زوال آثارها النفسية على الاطلاق ..
ومع ذلك ..
تناست الشعوب مثل هذه المعارك والحروب الطاحنة .. ورفعت شعار المصلحة فاتحدت ..
ونحن ..
جمعتنا حروب تاريخية كنا فيها على قلب رجل واحد .. وكنا فيها جبهة واحدة رفاق فى السلاح وفى الجهد ..
ومع ذلك .. انقلب الاتحاد عداء لا يوجد له أدنى مبرر منطقي .. الا انعدام الرؤية وغياب العقول
ولو اتيح لأحد منا رؤية أحدى الجلسات السرية التى تنعقد غالبا فى القمم العربية بعيدا عن أعين الاعلام .. وتقتصر على رؤساء الوفود ستجدون عجبا والله ..
تراشق بالألفاظ النابية والسباب .. وفى احدى القمم العربية منذ ثلاث سنوات كان التراشق بأكواب المياه من على المناضد .. والتى تسرب خبرها الى الاعلام الغربي وكانت فضيحة ..
فعندنا .. يكفى للخلاف بين دولتين عربيتين .. عدم استلطاف أحد رؤساء الدول العربية لشقيقه أحد الرؤساء الآخرين .. يكفي هذا الى حد تجميد العلاقات الدبلوماسية فى بعض الأحيان ..
ولا عزاء للشعوب ..
لقد رأينا الفكر الأمريكى ممثلا فى نيكسون .. وكيف أنه لا يتصور الاتحاد الكامل بين العرب بل يحذر من اتحاد المصالح .. وهو ما نجحوا فيه بالطبع .. والشواهد واضحة
رأينا نيكسون يحذر علانية من اتحاد المصالح مما يمثل اعلانا صريحا بالعداء أو منشور للحرب طويلة المدى ..
فماذا كان رد الفعل ؟!!
الصمت المبين والمطبق .. والعمل الجاد لتنفيذ الفكر الأمريكى ..
فكيف ؟!!
كيف نري اعلان العداء علانية ولا نتخذ ازاءه أدنى ردة فعل ..
اذا نحن نستحق النظرة الأمريكية الينا بكل تأكيد .. وهى على أحدى صورتين لا غير ..
اما أن نيكسون عندما نشر كتابه كان واثقا أن العرب لا يعرفون القراءة ولا يطيقونها ..
وهذه مصيبة ..
واما أنه كان غير آبه بالنشر على اعتبار أن قلة محدودية تفكير ولاة الأمر لن تسمح لهم بالخروج عن الخط الأمريكى المرسوم للعرب لأنهم قيد التحكم فى يد العم سام الذى يمسك بخيوط العرائس .. وبالتالى فتك العرائس لا حيلة لها فى أمر نفسها
وتلك مصيبة أكبر ..
لكن العيب ليس فى الحكام ,, ان أردتم الصدق مع النفس فالعيب الحقيقي فى عدم وجود المواطنين التى تحرك الحكام كما يحدث فى الدول ذات الحد الأدنى من الحضارة ..
فالغرب به مواطنون ..
أما العرب .. فعندهم رعايا ..
المواطنون يملكون حق الاختيار لأنفسهم ..
أما الرعايا فهم بقية ارث .. لا حق لهم الا فى اختيار سبل التجميل لتبدو فى أحسن صورة فى سوق النخاسة الحديث والكبير المعروف سهوا باسم الدول العربية المتحدة
فما رأيكم أنتم ....
__________________