(20)
فلنسمع إذا لفارس القلم الساخر مقالته
قال زياد مبتسما ًوأشار ليحيى أن يبدأ فقرأ يحيى بأسلوبه المميز في الإلقاء الآسر لكل لحظة تحاول أن تقصي اهتمام المستمعين :
وقرأ..
|
|
|
|
(( وثيقة اعتداء))
تحلق الجميع حوله كان لا بد من دراسة لوضعه الحالي كل ما يمكن أن يفعل بحقه يجب أن يستحضروه وتمنوا فعلاً في تلك الحالة أن يكونوا عشاق كلمة حتى يستطيعوا وصفه بكل الصفات الغزلية الأثيرة ولكنه كان ينظر إليهم وقد فغر فاهه لا يلقي بالاً لمصير قد يصيبه من إقبالهم عليه .
كان المسكين محط أنظار هذه المجموعة التي تظاهرت حوله ترفعه تارة وتحيط تواجده تارة باخضرار جميل ذو رائحة نفاذة وهو لا يستطيع حراكاً كل ما كان من الممكن فعله أن يقلب جنبيه فيخرج ما في جوفه نتيجة الهجوم المستمر عليه . ولكنه عزيز محبوب وكل ما يخرج منه تتلقفه الأيدي بحب وتودعها قلبها سائلة المولى أن يديم تواجده وأثره الفاعل .
وصاح أحدهم يا ألله لقد نسينا !
وتنبه الجميع ماذا يا قاصف ؟؟
نسينا أن نحفه بالإيقاع فلا يحلو تواجده إلا مع إيقاع الكؤوس الحمراء الخفيفة الحلوة نضرب باليمين فيه وبالشمال نرفع أيدينا بأكواب الشاي كم هو تناغم واقعي جميل .
وضحكوا لما سمعوه فقد ابتدأ القصف المحلي بالأرغفة الملتهبة والحشائش الخضراء من جرجير وبصل أخضر واستمر طبق الفول المحترم يختنق تارة من يد المتسابقين لغزوه فلا رقيب على جرمهم فالكل مشترك للنيل من هذا المسكين .
وهو صامت لا يتكلم وماذا سيقول ؟ ينتظر قولته في نهاية المعركة .
فالهجوم عليه بعد أن يستهلك كالهجوم على قلعة خارت قواها .
وانتهوا حيث ابتدأ هو ..
- لعنة الله عليك يا فول نأكلك وتؤلم بطوننا
- آه أصبحنا لا نفقه شيئا أوه أتمنى النوم ...!!
- إنه يطبق علينا كسمكة قرش يمتص نشاطنا . وصحن الفول الفارغ ينظر بشماتة الضعيف , مقتول وشامت .
ولن ينتقم صحن الفول لنفسه قولاً فالفعل من شيم المتفولين نوماً وعسر هضم وضيق في التنفس ورائحة تذب عن المكاتب اعتداء المراجعين فالكل من الرائحة يقول
اللهم سلم .........اللهم سلم .
وتكتب كل يوم في بطون المعتدين وثيقة اعتداء على صحن الفول يؤكل ويلعن .
يتسابقون إليه ويضربونه باليمين والشمال ولما ينتهون منه وقد أخمد أنفاسهم بثقله يذمونه .
فكم من صحن فول رمي بالبطون قسراً وضرب بلا رحمة وأقصي بلا رحمة وتدافعت الحروف حطيئياتٍ عراضاً في حقه .........
وهو المنتصر رغم الاعتداء .
انتهت |
|
|
|
|
---------
وصمت الجميع عند الانتهاء
لم يستطع احد التعليق كانت مفاجأة فرغم أن بعضاً من الحاضرين والحاضرات كانوا من كادحي الوطن المتفولين إلا أن مخملية الأجواء فرضت الصمت , إلا الأستاذة خولة التي لم تتوقف عن الضحك ورجا المبتسم وزياد المندهش والكل معجب ولكن الإفصاح كان موؤوداً ......
(21)
وابتدأ الحاضرون يتبارون بإشعال الأمسية بالشعر والنقاشات حتى حمي الوطيس ونجحت الأمسية في إذكاء الحماس عند شباب الأدباء واستعراض الكبار ولكن يحيى كان في غير هذا الوارد .
رغم حبه للمناقشات والشعر وطرح الأدب إلا أن نفسه الآن مقسمة إلى قسمين:
فهو يكره أن تنشد الأشعار والنفوس تتناوش للظهور.
يكره الاجتماعات لاستعراض العضلات اللفظية وكان يتمنى أن تكون النقاشات هادفة لا لرفع الذائقة الأدبية فحسب بل لوضع حلول لإشكاليات كثيرة يعاني منها الأديب
وتمنى أن يكون قادرا ً على رفع صوته ليخبرهم بما في نفسه .
وقسم يؤنب نفسه وما أتى به هنا .
فكيف ينادي بكل هذا وقد أتى لمصلحة ؟.. لا ينكر أنه أتى لمصلحة .
أحس يحيى بالاختناق فإن شوك الرغبة في حل مشكلاته تدمي جموحه وتحشره في خانة قصية في نفسه أن يبقى النقي الذي لا يتنازل أبداً عن كرامته وعزة نفسه .
وأخذ يدغدغ ضميره بأنه لم يطلب من زياد شيئاً هو من عرض عليه وأخفى وجهه بين كفيه وكأنه لا يريد لدواخله أن ترى ملامحه . فكلما تذكر عرض زياد أحس بالاضطراب لا يدري كيف يحل لغز هذا الكرم الحاتمي غير المتوقع وشيئ ما يقلقه فليس الأمر مفتاحاً ذهبياً لغرفة العرش الأدبي إنه أخطر من ذلك وهو يحس به
يحس بخطر مقبل فنظرات زياد لا تريحه ....أبداً .
وهل لنا بسؤال للأديب اقتربت خولة تسائله بابتسامة :
- تفضلي وشعور بالارتياح لتواجدها أضفى على روحه قليلا ً من السكينة .
- هل تكتب دوما بهذا الأسلوب أم لديك أنواع أخرى ؟
- لا أدري لم ينادوني بهذا فأنا قليل ما أكتب ساخراً ربما أكتب بمرارة عن واقعنا أما السخرية فهي ليست السمة الغالبة إنها آلية ألجأ لها لما أريد أن أشعر بالانتصار فقط .
- وليس لتوقظ غيرك بأسلوب تهكمي !
- قد يأتي ذلك نتيجة أما الهدف فكثيراً ما يكون لي شخصياً .
- هذا صدق فغيرك قد يستعرض قلمه هنا ويقول من أجل الهدف العام .
- لو كان هذا خلقي لما وجدتني بهذا الحالة
- حقاً ..
- لك زاوية في الجريدة المحلية أعتقد ؟
- نعم وهي رومانسيات
وابتسم بسخرية
- جميلة فأنا أقرؤها دوماً كيف تكون حالتك ساعة كتابتها ؟
- إني أضع فيها من روحانيات قلبي وأذكيها بتوهج من مدادي فتأتي حالمة بعيدة في شفقية الأعمار لا علاقة لها بطين البلاد.
- نحتاج أحيانا لمثل هذا تحليق .
- بل نحتاج لتحليق يعيدنا أرضاً لا يبعدنا إلى ألف سنة ضوئية .
- فلم تكتبها إذا ؟
- لأني ........أبتسم بعدها فذاك قلما يحث لي
- مع أني أراك كثير الابتسام
- أريد أن أبتسم لي وليس علي ........
(22)
واستأذن الصديقان
- ممتعة تلك الجلسة أليس كذلك يا صديقي لولا تدخل المنتصر فيها .
- بل مقلقة .
علم رجا بأنه سيواجه بشخصية يحيى المترددة المتشككة بالنوايا فانبرى يقنعه كيف أنها فرصة العمر فلا يضيعها وماذا سيخسر؟ لا شيء بل بالعكس سينتشر على يد المتنفذ صاحب العلاقات التي ستفتح له أبواب النجاح والشهرة والمال .
وصمت يحيى , كان صمته مقلقاً لرجا رغم أنه أيضاً يحس بالغرابة فقد كان مقدمهم ليشتركوا بمسابقة القصة ولم يكونوا يحلمون بهذا الفتح الكبير ودفعة واحدة .
- إيه يا صديقي لربما تكون على حق ولكنا لسنا في ترف الإشراق فلا بذخ من هذه الناحية علينا فقد عشنا طوال العمر نقبع غرباً لما تشرق الشمس , وكان تجوالنا في عمرنا محض قهر أن نسلك طرقاً محفورة محفوفة بالحرمان فكيف تريد منا أن نصدق فجأة أن المارد قد أتى يحمل بيده كنوز سليمان.
إن رائحة الصبر المزروع في ثنايا أيدينا المشققة هو رائحة الطين هيا اشتمه يا رجا
أترى لما يأتينا الصحو متلفعاً بغلالة من حلم أترانا نصحو؟ أتظن أن ما حدث صحواً ؟ أم لا زلنا نوقظ حنيناً يداعب النفس أن صدقي يا نفس ويحك ألا يحق لك حتى الحلم كذباً والصدق خديعة .
صدقي ولا تضعي فرحك في شقوق الاحتمالات فقد غزاك الخوف كجيوش لجند صغيرة من هوام لا ترينها تأكل ترقبك للفرحة تأكل حتى رفضك للتصديق .
- بل عليك أن تحلم وتصدق الحلم فما سمعته من الرجل لم يكن إلا استعداداً....
- وقاطعه يحيى
أخشى أخي أن أحلم وأصدم
- ولم ؟
- لأني ببساطة لست من صائدي الفرص , فالفرصة فريسة أخشى أن يعلق بأظفاري شيء من دمها ولا يكون نظيفاً فلا أستطيع منه خلاصاً .
- لا تستبق الحدث فتقع في فوضى القرار.
- بل قل لا تحلم فتصدم وتوقع الأسوأ فترتاح
- ماذا يخيفك ؟
- هناك أخي في زاوية بعيدة من نفسي أحس بشيء مقلق ليس أني لم أعتد الفرح لا لا يا صديقي إن الفرحة تحاول أن تسكت الخوف عندي , ولكنه لا زال يلح علي كناقوس منتظم الطرقات طق طق طق كلما حاول الفرح أن يظهر أسمع الطرق ...طق طق طق
- ببساطة هو عدم تصديق بوجود شخص مثل زياد أبو الوفا , وصدقني يا أخي إنه تاجر ويعرف كيف يتحرك.
- آه نعم صدقت تاجر وهذا ما يخيفني .
- لالا تخف فأنت صاحب القرار وإن لم يعجبك عرضه لا تقبل يا أخي ما بالك تضخم الأمور ؟.
- هي ضخمة يا عزيزي فلا تظن أنها ليست كذلك
- ولفهما ظلام الصمت في طريق العودة لمنازلهما .......... في آخر الليل .
يتبـــــع