أنقل إليكم هذا النص الذي ترجمه فؤاد زكريا عن كتاب أفلاطون "الجمهورية" ص 217-218-219
ستجدون فيه تعريفا للسفسطة في علاقتها بالفلسفة ..يقول "أفلاطون" على لسان" سقراط":
سقراط: -" إذا تلقت الطبيعة الفلسفية، كما عرفناها، التعليم الملائم، فمن الضروري، في رأيي أن تصل بالتدريج إلى الفضيلة في كل صورها. أما إذا بذرت وامتدت جذورها ونمت في تربة فاسدة، فمن الضروري أيضا أن تقترف كل الآثام، ما لم تنقذها معجزة إلهية.أم تراك تعتقد بدورك أن ثمة شبانا يفسدهم السوفسطائيون، وأن هؤلاء السوفسطائيين الأفراد يستطيعون أن يفسدوا الشباب، بمقدار ملحوظ؟ ألا تظن على عكس ذلك، أن الجمهور الذي يقول هذا هو الذي يضم أكبر السوفسطائيين، إذ يربي الصغار والكبار، الرجال والنساء على أكمل وجه ينسجم مع الطبيعة التي يود أن يراهم عليها؟"
فسأل: - " ومتى يحدث ذلك؟"
- عندما يجتمع عدد كبير من أفراد الجمهور معا في مجلس عام أو في محكمة أو مسرح أو معسكر، او في أي مجتمع عام آخر، وهناك يجلسون معربين بالصراخ عن استحسانهم أو استهجانهم لأي شيء يقال أو يفعل، وهم في كلتا الحالتين مبالغون، فيصيحون ويصفقون حتى تردد الصخور والمكان كله ضدى صيحاتهم، ويتضاعف وقع الاستحسان أو الاستهجان.
في مثل هذه الحالة، كيف تنتظر أن تكون الحالة الذهنية للشباب؟ وأي تعليم خاص يستطيع أن يضفي عليه القوة التي تمكنه من مقاومة ذلك السيل الجارف وعدم الاندفاع مع التيار؟ ألن يكون حكمه على ماهو صواب وخطأ مماثلا لحكمهم؟ ألن يفعل ما يفعلون ويغدو مماثلا لهم في كل شيء؟
- أجل يا سقراط إن مثل هذا التأثير لا يقاوم
- ولكنا لم نتحدث بعد عن أقوى أنواع القهر
- وما هو؟
- إنه القهر بالأفعال، الذي يلجأ إليه هؤلاء السادة من المربين والسوفسطائيين عندما تعوزهم القدرة على الإقناع بالأقوال، ألا تعلم أنهم يحكمون بالحرمان من الحقوق السياسية وبالغرامة وبالموت على من لا يستسلم لآرائهم؟
-أعلم ذلك حقا
-فكيف تستطيع الدروس الخاصة لأي سوفسطائي آخر أو لأي فرد بعينه أن تقاوم هذا التيار وتتغلب عليه؟
- إن كل هؤلاء الأشخاص الذين يتاجرون في العلم والذين يدعوهم الجمهور بالسفسطائيين، ويعدهم منافسين له، لا يلقنون سوى المبادئ التي يدعو إليها الجمهور ذاته في اجتماعاته. وهذا هو ما يسمونه بالحكمة. وما أشبههم في ذلك برجل يربي وحشا ضخما قويا، فيلاحظ بدقة حركاته الغريزية وشهواته، ويعلم من أين يؤتى وكيف يعامل، ومتى ولم يكون أشد شراسة أو أكثر وداعة، وما معنى صيحاته المختلفة، وما هي الأصوات التي تهدئه أو تثيره، وبعد أن يعلم كل ذلك من طول معاشرته له، يطلق على تجربته اسم الحكمة، ويجعل منها مذهبا يعلمه لغيره. ولما لم يكن يعلم أي العادات والرغبات حسن وأيها قبيح، وأيها صواب وأيها خطأ، وأيها عادل أو ظالم، فإنه يطبق كل هذه الأوصاف تبعا لرغبات الوحش الضخم، فيسمي ما يسره خيرا وما يغضبه شرا، وهو لا يعلم شيئا عن المعنى الحقيقي لهذه الألفاظ، إذ أن أي شيء يتم وفقا للضرورة يسمى في نظره عادلا وجميلا، ما دام عاجزا عن أن يتبين لنفسه، او يبين لغيره ذلك الفارق الأساسي بين ما هو ضروري وما هو خير. ألا يكون هذا الشخص مربيا غريبا بحق؟
هذا هو النص فهل في امكان القراء أن يقترحوا طريقة لفك ما هو مغلق وغامض من معانيه ..كيف يمكن أن نساهم في جعل القارئ يحلل نصا من هذا النوع ..
ما هي المفاتيح الممكنة للدخول إلى أغواره.؟
أدعوكم إلى متعة قراءة النصوص الفلسفية في مصادرها الأصلية..
بهذه الطريقة سنعتمد على امكانياتنا في فهمها واستيعابها..
لن ننجر مع قراءة لشخص آخر قبل أن نجرب قراءتنا الخاصة..
هكذا سنجعل العقل عقلنا الفردي في عصر هو عصرنا يحاول أن يتصل بالفلاسفة السابقين ويحيي ذكراهم ..سنعيش معهم في عصرهم دون أن ننسى المقارنة بين عصرهم وعصرنا.. فما هو الجديد الذي جاء به الفلاسفة في عصرنا الراهن؟ وما علاقة جديدهم بقديمهم؟