هب أن أحدهم اشترى باقات من الزهور ، ثم تركها عند الباعة ، وطلب منهم أن يهدوها نيابة عن المجتمع .. إلى أول فتاة جميلة ، أو أول طفل بريء .. يأتون بعده ..! فهل يُعتبر هذا الفعل منافياً للدين والمنطق والأخلاق ...!
بدعوى أن الطفل لا يعرف قيمة الأزهار ، وبالتالي سيعبث بها وهذه إهانة لشيء جميل بريء .!
أو لأن كلمة فتاة جميلة قد تعكس مرضاً نفسياً أو فراغاً عاطفياً .. أو أنها كلمة مشبوهة أو تحتمل التأويل ، فقد تكون إهانة لغيرها أو سوء نية تجاهها لدى القائل .!...
صح .!. خطأ .!. ربما .. ولكن تبقى النتيجة ذاتها .. ظاهر النوايا حسن ، والظنون موجودة .. وأحياناً مبررة ، والأخطاء فادحة ، والنتائج سلبية ، والجميع حُكماء ..
وما يجري ينبغي أن يستوقف الجميع ضحكاً أو بكاءً ، ولكنه يمر غالباً دون ردة فعل ..!
فالمحاذير التي يُقال للأطفال ولطلبة المراحل الأولى من الدراسة أنه لا يجوز ولا يمكن لأحد الاقتراب منها في ظلمة الليل .. يرونها تُنتهكُ في وضح النهار .
والعقلاء التزموا بالمبادئ التي انتهكها غيرهم ونجح بانتهاكها وفق المقاييس السائدة .. وانتبه المساكين بعد فوات الأوان ، وسيمضون بقية حياتهم في صراع مع أنفسهم بحثاً عن حقيقة .
الصراع والبحث في بدايتهما ، وطاقات المساكين وأيامهم توشك على الانتهاء .. ولكن هل من خيار أمام العقلاء في عالم المجانين .. سوى الجنون .!
هل يجب على الإنسان لكي يستحق درجة الإيمان أن يصل إلى مرحلة من الخضوع للقدر .. بحيث لا يرى عيوب ومزايا الآخرين ..! وإنما يرى فقط تصرفاتهم التي تمسه سلباً أو إيجاباً ، فيمتدح جميلها ويعفو عن قبيحها ..! ومن يكون هـو .! و ما هي طاقاته وقدراته حتى يُطلب منه ذلك ..! وهل الإيمان الذي يقل عن هذا المستوى - يُـعـدُّ إيماناً وينفع صاحبه ..؟
هل تم وضع الأمور على منضدة -أمام الجميع .. واختار كل فرد ما يناسبه لحمل الأمانة ..!
وإلا فلماذا يُجـرَّمُ الجبان لجبنه , والبخيل لبخله , والغبي لغبائه ..!ولماذا نلتمس العـذر للقصير ؟ ولا نلوم المريض على مرضه ؟
أم أننا نلوم فقط من لا نرى أولا نعرف سبب علته أو سر اختلافه عنا .! هل من هؤلاء من اختار دوره في الحياة ؟..
ولماذا يُكافأ الجميل لجماله .. والذكي لذكائه ؟ هل لأيٍ من هؤلاء فضل في امتلاك ما يمتلك ؟
هل تم تعويض الفقير عن فقره .. كالسماح له بالتعامل بالربا أو السرقة أو الغش ؟ ومُنِع الغني من ذلك مثلا ..! هل يجوز لمن لا يستطيع الزواج أن يزني ، ويُعاقب القادر على الزواج إذا زنى ؟
وصلاة الجماعة عامة والجمعة خاصة - هل هي فرض -على ميسوري الحال ممن يستعرضون سياراتهم وملابسهم وعطورهم ومكانتهم الاجتماعية- فقط ..! وبالتالي فهي نافلة - لمن لا يُحب (هو) أن يراه الناس .. لشدة بؤسه .. وتفادياً لما ينتابه من شعور بمرارة الحياة عندما يرى موقعه في المجتمع , وهل ..؟ وهل السماح للفقير بأخذ الزكاة يعدل فرضها على الغني - أم أن للأمـر فلسفة أخرى نعلمها جميعاً - دون اتفاق ، وينتظر كل منا الآخر ليبوح بها فيبوء بوزرها أو ينال أجرها ..!
هل يمكن أن يجد الإنسان نفسه في الزمان أو المكان الخطأ .. ودون القدرة على فعل شيء ؟ كيف يعيش .. وما ذنبه .. وما علاقة ذلك بالمسئولية والأمانة ؟
هل كل الناس لديهم إجابات ، وأنا فقط الذي يتساءل ؟ .. والأصدقاء الذين سألتهم .. هل كانوا صادقين عندما قالوا نحن مثلك تائهون .. ولكننا أعرضنا عن التساؤل خوفاً من الإجابة .. أو خشية الوصول إلى طريق مسدود , وإبقاءً على حياة الأمل , حيث أن ترك المستقبل أو جزء من الواقع .. في صورة المجهول يُعد أملاً للعاجزين .!
أم أن معظم البشر كما أتصور وكما تقول معظم الوقائع .. يمكن أن يقتلوا إنساناً ألف مرة .. لينقذوا حياة إنسان آخر مرة واحدة .! ما نوع الإنسانية بداخلهم .. والتي أجازت لهم إنقاذ هذا وقتل ذاك .. وهما كلاهما يحملان ذات الأمانة .! أي جرأة عجيبة يمتلكها هؤلاء تجعلهم يمشون مبتسمين فوق جثث المنطق والعدل والإنسانية ، وهم يحملون الأمانة ويدّعون الإنسانية وجُلهم يعلمون بحتمية البعث والحساب ..!
هل تحيط بنا مؤثرات .. لا نعلم ماهيتها وليس لنا أن نحتاط منها , وهل يمكن لتلك المؤثرات أن تؤثر على الصوت دون الصورة والعكس , بحيث يصبح الإنسان .. منطقيا عاقلا مؤمنا وصادقا وشجاعا وكريما ... في أقواله ؛ وعشوائيا سفيها كافرا كاذبا لئيماً جبانا بخيلا .. في أفعاله .!
هل يوجد شيء دون الجنون , يؤدي إلى اختلال وظائف العقل .. ولا يمكن ملاحظته أو إثباته ؟ وإن وُجد .. فهل يُحسب على المصاب أم يحسب له ؟ ومن المسئول .. وما ذنب المصاب ؟
وهل يمكن أن يُصيب مثل هذا الداء مجتمعًا كاملا ؟ وكيف تبدو صورة ذلك المجتمع ؟
وهل العقل وحده هو الذي جعل الإنسان يوصف بالظلوم الجهول .. لفشله في حمل الأمانة ؟ وهل بالضرورة أنه سيفشل في حملها ؟
هل جُبِلَ الإنسان على الظلم والجهل ؟ أم أنه اختار أن يكون كذلك .! هل يختار العاقل أن يكون .. ..؟ وما الذي أغرى الإنسان أو ألزمه بحمل ما لا يستطيع ؟ وهل عقول الناس متساوية ؟ وهل يحملون ذات الأمانة ؟
أم أن العقل هو الأمانة ذاتهـا المقصودة في الدين ..! وإذا كان الأمر كذلك ، فكيف كان الإنسان قبل تعهده بحمل هذه الأمانة ؟ هل تعهد بحملها قبل أن يكون عاقلاً ؟... وهل يعاقب غير العاقل إذا نكث بالعهد .. أم هل يؤخذ عليه عهد أصلا ؟
ما هو العقل ؟ وهل الإنسان هو المخلوق الوحيد العاقل والمُخيّر والمُحاسب ؟وهل كان الإنسان يُدرك حجم وماهية الأمانة ولذلك حملها ... أم أنه تعهد بحمل شيء يجهله .. ومع ذلك فهو عاقل ومُحاسَب ..!
هل اختار أيٌ منا دوره ومكانته في الحياة ؟ وبالتالي يُحاسب على اختياره ..! أم أنه اُختير لكل دور أناسٌ وتم تأهيلهم له ..! وكيف ومتى وأين ومن قرر الاختيار والتأهيل ؟ أهي الصُدف .. أم عوامل وراثية .. عوامل بيئية .. ظروف العائلة .. المجتمع .. الدولة .. الجغرافيا .. التاريخ .. مناهج الدراسة ..! وهل يقف خلف كل عامل من هذه العوامل إنسانٌ ما - يتحمل المسئولية عن النتائج ؟ .. أم أنهم جميعاً ضحايا لذات العوامل .. وهذا يكفي لإعفائهم جميعاً من المسئولية .!
أم هي القدرة القاهرة الخفية .. ولا يوجد مُدَانٌ بين البشر .. و كيفما كان الحال فكلها أمور تخرج عن نطاق اختيارنا ..! فهل يُحاسب الإنسان على أمور خارجة عن إرادته .. وتفوق قدراته .. وتتدخل تدخلا مباشرًا فاعلا في كل شؤونه .. فتجبره على إتيان ما لا يريد .. وتمنعه مما يريد ..!
لماذا يُجَرَّمُ من قال عن الغبي أنه غبي .. وعن القبيح أنه قبيح ؟ ألم يُصب كبد الحقيقة ..!
هل مازال يُهان الأسود لسواده ؟ أم أن العقل البشري أدرك أن اللون لا ينفي صفة الإنسانية عن صاحبه .. ولا يعفيه من حمل الأمانة .. وأنه لم يختر أن يكون أسودًا ..! وإذا كان الأمر كذلك .. فهل لنا أن نتفاءل أم علينا أن نتتشاءم لأن العقل البشري بدأ يُدرك أن ما يملكه الإنسان من خيارات وإمكانات في حياته , هي في الغالب أقل من أن تُحَمِّله مسئولية تصرفاته المُخالفة للمنطق والقانون .! .. وأنه يجب استحضار ذلك قبل تجريم ومعاقبة كل المخالفين ..!
مع التذكير بأن من ندعوه بالمخالف هنا ، كنا قد سبقناه بالمخالفة , بمصادرة حقه بالمشاركة في سن القوانين التي سنعاقبه بها – ونحن نجهل قدراته .! الأمر الذي لو فعلناه لحصلنا على وجهات نظر من زوايا مختلفة .. ستثري بلا شك تشريعاتنا ، وعندها سيعاقب المذنب وهو راضٍ .! وقد يختار بناءً على ذلك كل إنسان المكان الذي يناسبه ، وقد تُنشأ مجتمعاتٌ بتشريعات مختلفة ..!
فمثلاً تـُقام مدينة (مجتمعٌ ) .. أي مخالفة فيها توجب الإعدام . بينما توجد مدينة أخرى بجوارها - فعل الصواب فيها يوجب الإعدام . وتوجد مدنٌ أخرى تتوسط تشريعاتها هذين التشريعين ..! ويختار الإنسان في أيها يُـقيم .. ويكون قد حكم على نفسه مسبقاً ..!
ولكن القوانين سنها ويقوم عليها أناسٌ , شاءت الأقدار لهم أن يُعفوا من العيش في بيئة المُذنب .
فهل انتبه أولو الأمر إلى ذلك ؟ وهل فكر العقلاء والقادرون منهم أن يقوموا بتجربة .. لمعرفة مدى مسئولية الإنسان عما يفعل , ونسبة تأثير المحيط مقارنة مع تأثير الإرادة في تصرفات الإنسان ..!
كأن يُهيئوا مثلا .. بيئة أحد السُعداء المُبجلين .. لأحد الحقراء المنبوذين .. والعكس .. ( ولتكن كاميرا خفية مدتها تقاس بالسنوات ) .. وتـُجرى التجربة في بيئات وطبقات مختلفة من المجتمع .. وتُسنُّ وفق نتائجها تشريعات ذلك المجتمع ..!
سؤال ربما أخير .. هل يمكن إصابة الإشارات السمعية والبصرية المتبادلة بين البشر .. حتى عند قرب المسافة , إصابتها بتشوه (بفيروس أو ما شابه- أسوة بفيروسات الحاسوب) .. قبل استلامها وبالتالي وصولها ونتائجها - تكون ملوثة ، تخالف المنطق ..! بعكس ما يريده مُـرسلها ..!
أو هل يمكن حدوث خلل في الدماغ البشري يؤدي إلى ترجمة معكوسة لما يراه الإنسان ويسمعه , وبالتالي قد يتذمر ويشكو وينتقد ويسخط ويعتزل بني جنسه , ظناً منه بانحراف كبير وغير مبرر أصاب المجتمع , و تكون الحقيقة أنه المصاب وليس من حوله ..!
شكراً على القـراءة ، وعلى السؤال أو الإجابة ، وعلى كل شيء ..!