(2)
الحب الأول
بينما يستفيض الأستاذ عبد الوهاب في شرحه ويستطرد ويستدرك إلى حيث مالانهاية ..أو هكذا إرتأى علاء الذي إستحوذ عليه الملل كليةً.. وجعله يفكر في تلك البنت الخجولة الذكية ذات الجمال المتشح بالحجاب وملابس طويلة واسعة .." كم أتوق إلى أن ... لا لا لا إنها جميلة وفي نفس الوقت مهذبة وهي تعلم أني أيضا محترم ..ولكن هلا فكرت فيّ أو احست بما يدور في خُلدي ..لماذا لم تأت إلى الآن ؟لمَ ياسوسن؟ يبدو أنها تنتظر بالخارج المحاضرة التالية فالأستاذ عبد الوهاب ..."
-ماذا حل بك ياعلاء ..قم وعد شرح ماقلته الآن ؟
قالها الأستاذ في نفور شديد يتضح كونه ليس توبيخه الأول له ،انتهى الأمر بطرد علاء الذي لم يفلح في استدراك ماهمسه به زملائه .
صب جام غضبه في الباب الذي صفق مدوياً اثر سحبته الشديدة العامدة احداث صراخاً لكن على لسان الباب وليس لسانه،رغبة في التشفي من الأستاذ والنيل منه دون أن يصبح مسؤولاً عنه..خبطة قوية للباب .. سكت لها الأستاذ والكل يترقب هذا الصمت الكاظم ردود أفعال متناحرة حتى انفجر قائلاً :
-بالراحة ياحيوان ..جاهل في العلم والأدب أيضاً ؟
والكل يضحك منكسي الرؤوس خشية ان يلمحهم الأستاذ ،وخارج القاعة مَن تأخر ولن يفلح بالطبع في الدخول وعلاء يصارع غيظه بكتمه ..ينظر للأرض في أسى شديد حتى أحس بقرب شيء مسرع في خطواته قبل أن يرفع رأسه حتى اصطدم بـه..إنها "سوسن" ؛التي راحت تعتذر له في خجل شديد .."يبدو أن عبد الوهاب لن يدخلني ..أليس كذلك ؟ "
-في هذا الوقت ؟ اظن انه يقبل الخروج فقط ! .
رسمت ابتسامة خفيفة هذبها حياؤها بينما انفجر ضاحكاً فاستأذنته بابتسامة اخرى وعيناها ترفض رؤية عيناه .."إلى أين تذهبين فالمحاضرة التالية اقترب موعدها ..أتنوين التاخر ومن ثم عدم الحضور ؟"
-ساكون قريبة من القاعة ..بعد اذنك !
افسح لها مجالاً لتذهب وكأنه السبب الأول في اعتراض طريقها ..حتى برقت عيناه ونظر اليها وهي تلهث مسرعة الى مكان يأوي خجلها ويستره .."لماذا دائماً تسرع في خطواتها ..وكأن من يقع عينيه عليها سيكشف سرها وامرها !..لاعليك ياعلاء فأوانها لم يأت بعد فمثلها يحتاج لصبر قليل "
علاء كان طالباً فاشلاً في كلية حقوق قبل ان يلتحق بكلية التجارة هذا العام ..رأى أن يبدأ حياة جديدة في مكان جديد فقد كان قبل ذلك ناجحاً في دراسته ومشهود له بذكائه حتى دخل في متاهة الحب الأول الذي أفترس فيه كل جميل وبريء ..فالحب الأول لمن لم يعرفه أو عرفه هو الافراط في المشاعر والاحاسيس دونما اي تعقل..امضاء دون ارغام على عقد تنازل بكل مانملكه من اخلاص ووفاء ومشاعر فياضة ووعود السعادة ،شيك على بياض يضع فيه الطرف الآخر أرقاماً يذعن لها المدين بردها حباً واخلاصاً واذلالاً أحايين كثيرة ..انه رؤية بعين واحدة ..فالحب الأول أعور ،متهور، متعجل ..هو المراهقة بعينها ولو كنت في السبعين من عمرك .
ظل يحب فتاته الأولى طيلة ثلاث سنوات حتى سئمته وملت محاصرته لها ومساءلتها ومحاكمتها احياناً ..اما هي فكانت قد مرت بتجارب في الحب قتلت فيها الحرص على الحبيب وراحته ،تخشى تقديم قرابين جديدة لآلهة.. صماء بكماء وهي آلهة الحب ،حتى وقت أن صرخت فيه : "لم الافراط في الحب والتقييد عليّ هكذا ؟علاء أنا لم اولد وحيدة في هذا العالم ولم اكن لك وحدك أتريدني خرساء لاأتكلم صماء لاأسمع ؟هذا ليس حباً ,,انها الأنانية ..انه حب الامتلاك ..وانا مجرد اداة تعلن هذا الامتلاك وتلك الأنانية التي بلغت حدها ..(بينما ترمي بكلامها يبكي ويصدر أصواتاً غير مفهومة ..مصدوم لما يسمعه كأن في الأمر شيء آخر غير مايسمعه ..كانه يسمع أمه تقول له انت لست ابني وابيه يتبرأ منه انت لست ابني ..كأن العالم خرج في مظاهرة للتبرؤ منه معلناً عدم نسب علاء اليه )..لا ياعلاء لن يفيدني في شيء حبك هذا ..اخلع عني واعدك الن تراني ابداً او تسمع لي همساً "،حتى انهار علاء ودخل في إغماءة لم تدم طويلاً .
لم يستفق إلا على حسرات على فقدان عزيز ،استفاقة على الموت والوحدة ..فالموت وحدة وانعزال، والحياة ألا اكون إلا فيك،صدمته اثر استفاقته جعلته يتمنى الموت وان كان ميت فموته اكلينيكي ..انها سكرات الموت تعلن اقتراب اختفاءه من الدنيا منزوياً عن أعين الناس الكثر وآذانهم ، " آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآ آآآآآه ياحب وألف آآآآآآآآآآآآه على من أحببت ..لقد كفرت بكل شيءٍ في الدنيا ..كفرت بالحب وبالناس ..كفرت بقلبي ؛هذا الخائن الذي أراد لي الموت برصاص الحب الغادر "
يتبع