أحدث المشاركات
صفحة 2 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 31

الموضوع: عندما يتحدث النثر والشعر بلسان القصة ! نبضات نقدية من قلب نصوص الأعضاء

  1. #11
    الصورة الرمزية د. نجلاء طمان أديبة وناقدة
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    الدولة : في عالمٍ آخر... لا أستطيع التعبير عنه
    المشاركات : 4,224
    المواضيع : 71
    الردود : 4224
    المعدل اليومي : 0.67

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هشام عزاس مشاهدة المشاركة
    المورقة / الدكتورة نجلاء
    تبدو فكرة جديدة و مميزة للغاية ...
    أنتظر بشغف كالبقية دراستك الواعدة
    لا تتأخري ....
    اكليل من الزهر يغلف قلبك
    هشـــام
    شكرًا لكَ أيها الراقي

    لن أتأخر إن شاء الرحمن

    يرعاكَ الله أبدًا
    الناس أمواتٌ نيامٌ.. إذا ماتوا انتبهوا !!!

  2. #12
    الصورة الرمزية د. نجلاء طمان أديبة وناقدة
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    الدولة : في عالمٍ آخر... لا أستطيع التعبير عنه
    المشاركات : 4,224
    المواضيع : 71
    الردود : 4224
    المعدل اليومي : 0.67

    افتراضي

    "الراضي بين رياح اليأس وشموع الأمل" ...........

    دراسة نقدية في البعد النفسي للنثرية المحلقة "أيها المنافق أيها المستحيل !" للأديب راضي الضميري

    --------------------------------------------------------------------------------

    أيها المنافق ...أيها المستحيل ...!!!

    بقلم/ الأديب راضي الضميري

    كلما اقتربت من حلمي و من شاطئ الأمان ، تقتحمُ عليَّ عالمي بدون استئذان ، وأنا أعوم في بحر الصّبر، ، تحطمُ بمخالبك مركبي ، تنثرني قطعًا ، كي تسهلَ عليهم اصطيادي ، وتأكلني حيتان اليأس ، لتعيدني إلى نقطة النهاية من جديد .
    أيها المنافق ... أيها المستحيل..
    لعلّكَ لم تعّرفني جيدًا، فأنا لن أتوبَ عن حلمي الكبير ، لن أمزقُ شراعي ، ولن أحطم مركبي ، و لن آكلَ يديَّ ندماً على فشل محاولاتي الكثيرة ، وسأقوم مرة أخرى ، ألملم أشلائي ، وأصنعُ مركبَ حياتي كي أعود من جديد ، أحاول مرات ومرات أخرى ، ألم تعرفْ بعد ، أنَّ من هو مثلي لم يعد يملكُ شيئاً ليخسره ، فتعال إليَّ متى شئت ، وكيفَ شئت ، فلن ترى مني غيرَ هذا ، صبْرٌ وإصرارٌ على مقاومة جبنكَ وغدركَ الكبيرين.
    أنتَ لم تعرفني جيداً، فلماذا تجعلُ من الممكن مستحيلا ، تنافق وتدعي خوفكَ عليَّ ،وقد جئتني في وقتٍ تكالبَ فيه الأعداءُ عليّ ،بعدَ أن سددوا في خاصرتي طعنات الموت ، هل تظن اني سوفَ أستسلم ،اطمئنْ فما زلت أسير ، رغم كلَ جراحي وآلامي الكبيرة ، ورغم الغربة و المنفى ، ما زلتُ أعرف كيفَ أتنفس ، وما زلتُ أحبُ الحياة ، وأرفض التنازل عن حريتي ، فتعال إليَّ ، تعال وخذ مني حتى ترضى ، ولن ترضى ، ولن أجعلكَ ترضى أبداً ما حييِّت .
    قد تنتظرُ طويلاً ، ولسوفَ تصبرُ مثلي تمامًا ، أنا أقاومُ بصبري كي أعيش ، و أنت تقاوم غباءك كي تقضي عليَّ ، وحتى لو متُ قبلَ أن أصل ، يكفيني أنكَ تعرفُ أني أعرفُ أنكَ لم تهزمني ، رغمَ أسلحتكَ الكثيرة ، ورغم أعوانك وطابورك الخامس ، ورغمَ كثرة الخونة والمنافقين .
    سأقاوم عداءك، رغمَ تجاهلي من قبَلِ من هم حتى ليسوا باعداءٍ لي ، رغم عدمَ مساعدة القريب والبعيد ، سأقاوم ، وسأعترفُ لكَ بأمرٍ حتى تكونَ أكثرَ عداءً وأكثرَ جبنًا وأنت تطعنني فوقَ جرحي ، ساٌقول لك ، نعم ، يحزنني أنني وحيدٌ ، وأن هناك من يعاونك على قتلي ، وأنا أعذرهم ، أرأيت ، كيفَ أصنعُ من شدّتي دواءً يعطيني أملاً في متابعة المسير ، كيفَ أصْبرُ على سوء طالعي ، كيفَ أعذر من يعرفني ، ومن لا يعرفني ،وكيفَ أعذرُ من يخذلني وهو يعرفني ...
    لَيْتَهم عرفوني أيامَ كنتُ سيدًا في عالمي ، لو رأيتني يومها وأنا أحفرُ بيدي على صخر الحياة ، أقاوم رغم معاناتنا الكبيرة ،أنشدُ حياة كريمة وسلاحي الأمل ، أردد لمن حولي " لكي تعيش عليكَ أن تكون جديرًا بهذه الحياة ، حرًا ، عزيزًا، كريمًا ، سلاحك الأمل والصّبر ، وكرامتكُ تساوي حياتك ، تُعْرفُ بها ".
    لو رأيتني وأنا أسبحُ عكس تيارك في زمنٍ كانَ لي بكل تفاصيله ، لو رأيتني وأنا ألتهمُ كتبَ المعرفة ، وأنا أحتضنُ في ذاكرتي وفي مكتبتي ، كتبَ الأقدمين والمجددين والمعاصرين ، فها هي الإلياذة والأوديسا، تحاكي مأساة قومي الحزينة ، وها هم فلاسفة اليونان ، ينسجون الحكمة والمعرفة ،وهذه المدينة الفاضلة ، تعطيني دفعًا كبيرًا نحو المعرفة ، نحو الحياة .
    لو رأيتني وأنا أعطي دروسًا في المعلقات ، أحفظُ منها ما يعجزُ عنه أقراني ، لو رأيتني وأنا اكتبُ بحوثا عن جاهليتنا الأولى وعن صدر إسلامنا الحنيف ، لو رأيتني وأنا أغزلُ من كليلة ودمنة أناشيد الحكمة على لسان حيوانات تفقه أكثر من حكامنا المتاعيس ، لو رأيتني وأنا أكتبُ بحوثًا عن مقدمة رائد علم الاجتماع الحديث، لو رأيتني وأنا أتغزلُ بأشعار الأندلس وفردوسه المفقود، وأتعملقُ في فهم تهافت التهافت ،" اقرأ يا فتى حتى لا تظلم غزال العلم ، وأمسك بناصية الحقيقة وابحث قدر ما تستطيع ". لو رأيتني وأنا أقرأ عن البخلاء والحيوان ، و أحفظُ ما أحفظ من صحيح الحديث ، لو رأيتني وأنا أتعلمُ من تاجر البندقية وذاكَ البائسِ "عطّيل" ، لو رأيتني وأنا أنسُجُ آمالاً كبيرة وأقصُ القصّصَ عن مدينتين لأعرفَ كيفَ يكون الحب والتضحية ، لو رأيتني وأنا أحارب الفقر والظلم دفاعًا عن بائسي وطني الحزين .
    لو رأيتني وأنا أتابع سيرة الرابطة القلمية وغربة أصحابها وأرواحهم المتمردة ، لو رأيتني وأنا أكتب عن العصبة الأندلسية ، لو رأيتَ كيفَ كان سليمان الحكيم يلهمني الدروس ، وكيف كنت أنهلُ العلم من العبقريات ، وكيف كان شعرنا الجاهلي يتناثر على موائد بحثي وأنا أتابع علْم من أبصرَ وهو ضرير .
    لَيْتك رأيتني وانا أنشدُ " مديح الظل العالي " أقفُ صامدًا وسط كلِّ فوضى أمتي وهامتي لا تلين ، لَيْتكَ رأيتني كيفَ كنتُ أرتبُ فوضى هذه الحياة ،أصنعُ الأملَ وسطَ جحيم الدمار وأرددُ "دمي على كتفي" و لا أخشى الموت ، وسياطُ الجلاد تأكل أكتافي و قلبي كصخرة لا تلين.
    لو رأيتني وأنا أسيرُ تحتَ فضاء المتوسط ، و في مدن الملح ، أقطعُ المسافات الطويلة ، أبحثُ عن مرزوق ، وعن عُشبةٍ فيها دواء وصفها لي طبيبٌ، قال ستجدها في صحراء وطنك ، فابحث يا ولدي ولا تيأس وكن "متشائلاً " في أسوأ الظروف .
    لو رأيتني وأنا أحلم بالعودة إلى حيفا ، ويحدوني أملٌ كبيرٌ ، واضعًا نصبَ عيني وطني ، وأقول بكل فخر هذا الوطن في العينين ، ولسوف أجرؤ على الشوق إليه ما حيِيتُ.
    لو رأيتني وأنا أعبثُ بـ" سيزيف" وأسطورته ، وكيف جعلتُ من الدوامة عنواناً كتبتُُ من خلالها تاريخ انقلاباتنا العسكرية في أوطاننا الحزينة ، لو رأيتني وأنا أصارع سمكة ذاك الشيخ في بحر تلاعبَ بي مده وجزره ، فلم أستسلم وخضتُ غمار موجه بحثًا عن غذاءٍ لروحي رغم الألم الشديد.
    لو رأيتني أيها المستحيل ، وأنا في بداياتي ، أرتقي سلمَ المجد ، أضعُ وردةً حمراءَ على صدري حتى يعرفَ من سيكرمني بأني أنا الفتى ، وأني من أوائل المطالعين.
    أعرفُ أني أنا من مهدَ لكَ الطريق ، وأني أنا من ساعدك في لحظة جنونٍ على اقتحام عالمي ، في يومٍ لم أعدْ أتذكرُ ملامحه ، في يومٍ تغيرَ فيه كل شيء ، تكالبت فيه المحن عليّ من كلِ حدبٍ وصوب، فطُعنتُ في ظهري كما طُعنت أمتي من قبلي ، فضعتُ بين حزني على نفسي وعلى أمتي ، وأعرفُ كيفَ صنعتُ بيدي واقعًا أرهقني ، ودمرَ ذاكرتي في لحظة لا أعرفُ لها اسمًا ، فاختلطَ همّي الصغير مع همّي الكبير ، وقمتُ بحرقِ كلِّ كتبي ، في ساعةٍ اقتحَمَ فيها اليأس فيها حصني ، فكانت غربتي ، وكانت تسعُ سنين ، هجرتُ فيها كلَّ عالمي ، حتى بتُ لا أعرفُ كيفَ أكتبُ ولا كيفَ اقرأ ، وكيفَ أصبحتُ ظالمًا للُغتي ،وباتَ يتجاهلني من يدعي العلمَ والمعرفة ، ومن يملكُ علماً ومعرفة ، وصِرتُ أبحثُ عمّن يساعدني ، كي أعيدَ تكوين ذاكرتي من جديد .
    أنا لم أيأس ولن أيأس وها قد استيقظتُ من جديد ، فأنا ابنُ طائرِ الفينيق ، وأنا ابنُ هذا الشرق العريق، ومن أتباع أعظم رسالة أضاءت ظلمات قرون الأولين والآخرين ، فهل بعدَ كلِّ هذا ستهزمني ، أشكُّ بذلك ، فحاول إن استطعت، أيها المنافق المستحيل..!!

    .......


    الدراسة القادمة وعودة للإبحار في إحساس الكاتب وقت كتابة نصه...

    يرعاكم الله

  3. #13
    الصورة الرمزية مازن سلام شاعر
    تاريخ التسجيل : Jul 2007
    الدولة : فرنسا
    العمر : 62
    المشاركات : 645
    المواضيع : 16
    الردود : 645
    المعدل اليومي : 0.10

    افتراضي

    السيدة د. نجلاء طمان المحترمة

    شكراً لكِ يا سيدتي على هذا الاختيار لنصٍّ " محلـِّـقٍ " كما أسميتِـه.
    بانتظار ما سيأتي , للتفاعل الأدبي البنـّاء مع تحليلك الراقي.


    كل التحية
    مازن سلام

  4. #14
    الصورة الرمزية د. مصطفى عراقي شاعر
    في ذمة الله

    تاريخ التسجيل : May 2006
    الدولة : محارة شوق
    العمر : 64
    المشاركات : 3,523
    المواضيع : 160
    الردود : 3523
    المعدل اليومي : 0.53

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. نجلاء طمان مشاهدة المشاركة
    "الراضي بين رياح اليأس وشموع الأمل" ...........
    دراسة نقدية في البعد النفسي للنثرية المحلقة "أيها المنافق أيها المستحيل !" للأديب راضي الضميري
    --------------------------------------------------------------------------------
    .......
    الدراسة القادمة وعودة للإبحار في إحساس الكاتب وقت كتابة نصه...
    يرعاكم الله
    ====
    أطيب التحيات لبراعة الاستهلال باختيار هذا النص الثري ، وبكل الشوق نرتقب رحلة الإبحار المثيرة في قلب النص وصاحبه ، بين رياح وشموع,


    مصطفى
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي ولريشة الغالية أهداب الشكر الجميل

  5. #15
    الصورة الرمزية د. نجلاء طمان أديبة وناقدة
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    الدولة : في عالمٍ آخر... لا أستطيع التعبير عنه
    المشاركات : 4,224
    المواضيع : 71
    الردود : 4224
    المعدل اليومي : 0.67

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مازن سلام مشاهدة المشاركة
    السيدة د. نجلاء طمان المحترمة

    شكراً لكِ يا سيدتي على هذا الاختيار لنصٍّ " محلـِّـقٍ " كما أسميتِـه.
    بانتظار ما سيأتي , للتفاعل الأدبي البنـّاء مع تحليلك الراقي.


    كل التحية
    مازن سلام

    شكرًا أيها الراقي لثقتكَ

    ما يهمنا هو التفاعل النزيه بدون مجاملة

    وأنتظر رأيكَ عندها بكل رحابة صدر

    يرعاكَ الله

  6. #16
    الصورة الرمزية د. نجلاء طمان أديبة وناقدة
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    الدولة : في عالمٍ آخر... لا أستطيع التعبير عنه
    المشاركات : 4,224
    المواضيع : 71
    الردود : 4224
    المعدل اليومي : 0.67

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. مصطفى عراقي مشاهدة المشاركة
    ====
    أطيب التحيات لبراعة الاستهلال باختيار هذا النص الثري ، وبكل الشوق نرتقب رحلة الإبحار المثيرة في قلب النص وصاحبه ، بين رياح وشموع,
    مصطفى
    وبين رجاء واعتذار أعتذر منك أيها العزيز ومن الجميع على تأخري

    تطحنني ظروف قاسية

    كريم ربي

    يرعاكم الله

  7. #17
    الصورة الرمزية د. نجلاء طمان أديبة وناقدة
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    الدولة : في عالمٍ آخر... لا أستطيع التعبير عنه
    المشاركات : 4,224
    المواضيع : 71
    الردود : 4224
    المعدل اليومي : 0.67

    افتراضي "الراضي بين رياح اليأس وشموع الأمل" دراسة نقدية خاصة

    "الراضي بين رياح اليأس وشموع الأمل"


    دراسة نقدية في البعد النفسي للنثرية المحلقة "أيها المنافق أيها المستحيل !" للأديب راضي الضميري

    ....



    أيها المنافق ...أيها المستحيل ...!!!

    بقلم/ الأديب راضي الضميري



    ...



    كلما اقتربت من حلمي و من شاطئ الأمان ، تقتحمُ عليَّ عالمي بدون استئذان ، وأنا أعوم في بحر الصّبر، ، تحطمُ بمخالبك مركبي ، تنثرني قطعًا ، كي تسهلَ عليهم اصطيادي ، وتأكلني حيتان اليأس ، لتعيدني إلى نقطة النهاية من جديد .



    في بحرٍ أمواجه عاتية, يبحر بمركب بلا شراع يوجهها ولا مجداف يحركها, بلا نقطة ضوء تنير له الظلمات, بلا شئ سوى بصيص شمعة تحلق حوله تتحدى رياح اليأس المتشبثة بعزيمته. هكذا كان الراضي في وقت كتابة نصه, يجاهد دوامات الغرق في حرب استنزفت الجزء الأكبر من عزيمته, ومستهلًا حربه بصرخة ندائية؛ لم يصرح فيها بالمنادى, فإلى من كان يوجه نداءه؟؟ أإلى شبحٍ يتجسد من بوادر ضعفٍ وليدة, أم إلى رياحٍ من يأسٍ تعوي في أذنه, أم إلى كائن ينسل من روحه ينفث العجز في وجه شمعته اليتيمة, أم إلى ذاك كله متمثلًا في كائن مستحيل يحاول هزيمته ؟؟؟




    أيها المنافق ... أيها المستحيل..
    لعلّكَ لم تعّرفني جيدًا، فأنا لن أتوبَ عن حلمي الكبير ، لن أمزقُ شراعي ، ولن أحطم مركبي ، و لن آكلَ يديَّ ندماً على فشل محاولاتي الكثيرة ، وسأقوم مرة أخرى ، ألملم أشلائي ، وأصنعُ مركبَ حياتي كي أعود من جديد ، أحاول مرات ومرات أخرى ، ألم تعرفْ بعد ، أنَّ من هو مثلي لم يعد يملكُ شيئاً ليخسره ، فتعال إليَّ متى شئت ، وكيفَ شئت ، فلن ترى مني غيرَ هذا ، صبْرٌ وإصرارٌ على مقاومة جبنكَ وغدركَ الكبيرين.
    أنتَ لم تعرفني جيداً، فلماذا تجعلُ من الممكن مستحيلا ، تنافق وتدعي خوفكَ عليَّ ،وقد جئتني في وقتٍ تكالبَ فيه الأعداءُ عليّ ،بعدَ أن سددوا في خاصرتي طعنات الموت ، هل تظن اني سوفَ أستسلم ،اطمئنْ فما زلت أسير ، رغم كلَ جراحي وآلامي الكبيرة ، ورغم الغربة و المنفى ، ما زلتُ أعرف كيفَ أتنفس ، وما زلتُ أحبُ الحياة ، وأرفض التنازل عن حريتي ، فتعال إليَّ ، تعال وخذ مني حتى ترضى ، ولن ترضى ، ولن أجعلكَ ترضى أبداً ما حييِّت .
    قد تنتظرُ طويلاً ، ولسوفَ تصبرُ مثلي تمامًا ، أنا أقاومُ بصبري كي أعيش ، و أنت تقاوم غباءك كي تقضي عليَّ ، وحتى لو متُ قبلَ أن أصل ، يكفيني أنكَ تعرفُ أني أعرفُ أنكَ لم تهزمني ، رغمَ أسلحتكَ الكثيرة ، ورغم أعوانك وطابورك الخامس ، ورغمَ كثرة الخونة والمنافقين .



    مازال الصراخ في وجه مناديه قائمًا, مستمرًا, وربما كان النداء هنا صارخًا وليس هامسًا, لأنه أراد أن يُسمع نفسه في وحدته المعتمة, كمن يحاول المؤانسة في ظلام أبدي بصوته, فيحدث نفسه عاليًا- نفسيًا هذا ملمح نفسي تلقائي ذكي. هنا عندما صرح بالمنادى, ترك ماهيته معلقة مجهولة, في محاولة منه للحد من تعملق تلك القوى المواجهة والتقليل من شأنها. إن تسلسل السرد هنا يخبر بأن الكاتب وقت كتابة نصه كان يعيش قمة ملله وتعبه من كائنه المتربص به, والذي ملأ حياته نفاقًا وألمًا, فظل يسرد في جمل خبريه مؤلمة ماضٍ مؤلم ليذكِّر كائنه من ناحية, ويسترجع لحظات قاسية عاشها من ناحية أخرى, فيستنزف بتلك الطريقة الجرح, فيصرخ من عمق الجرح, وتولد صرخته قوة يحتاجها في حربه- تكنيك نكأ الجرح لمداواته.


    سأقاوم عداءك، رغمَ تجاهلي من قبَلِ من هم حتى ليسوا باعداءٍ لي ، رغم عدمَ مساعدة القريب والبعيد ، سأقاوم ، وسأعترفُ لكَ بأمرٍ حتى تكونَ أكثرَ عداءً وأكثرَ جبنًا وأنت تطعنني فوقَ جرحي ، ساٌقول لك ، نعم ، يحزنني أنني وحيدٌ ، وأن هناك من يعاونك على قتلي ، وأنا أعذرهم ، أرأيت ، كيفَ أصنعُ من شدّتي دواءً يعطيني أملاً في متابعة المسير ، كيفَ أصْبرُ على سوء طالعي ، كيفَ أعذر من يعرفني ، ومن لا يعرفني ،وكيفَ أعذرُ من يخذلني وهو يعرفني ...

    لَيْتَهم عرفوني أيامَ كنتُ سيدًا في عالمي ، لو رأيتني يومها وأنا أحفرُ بيدي على صخر الحياة ، أقاوم رغم معاناتنا الكبيرة ،أنشدُ حياة كريمة وسلاحي الأمل ، أردد لمن حولي " لكي تعيش عليكَ أن تكون جديرًا بهذه الحياة ، حرًا ، عزيزًا، كريمًا ، سلاحك الأمل والصّبر ، وكرامتكُ تساوي حياتك ، تُعْرفُ بها ".
    تبدأ الوترية الصوتية في النداء بالانخفاض تدريجيًا, وتثبت عند الدرجة الوسطية معبرًا عن ذلك بـ (سين) المستقبلية للتقرير والتحدي, وتمهيدًا لوصول الوترية الصوتية في المحاورة إلى درجتها المنخفضة, ويكون تمثيل ذاك الثبوت باستعراض صفاته التي كانت سببًا غير مباشر في تلقي طعناتٍ أتته من الخلف.

    لو رأيتني وأنا أسبحُ عكس تيارك في زمنٍ كانَ لي بكل تفاصيله ، لو رأيتني وأنا ألتهمُ كتبَ المعرفة ، وأنا أحتضنُ في ذاكرتي وفي مكتبتي ، كتبَ الأقدمين والمجددين والمعاصرين ، فها هي الإلياذة والأوديسا، تحاكي مأساة قومي الحزينة ، وها هم فلاسفة اليونان ، ينسجون الحكمة والمعرفة ،وهذه المدينة الفاضلة ، تعطيني دفعًا كبيرًا نحو المعرفة ، نحو الحياة .
    لو رأيتني وأنا أعطي دروسًا في المعلقات ، أحفظُ منها ما يعجزُ عنه أقراني ، لو رأيتني وأنا اكتبُ بحوثا عن جاهليتنا الأولى وعن صدر إسلامنا الحنيف ، لو رأيتني وأنا أغزلُ من كليلة ودمنة أناشيد الحكمة على لسان حيوانات تفقه أكثر من حكامنا المتاعيس ، لو رأيتني وأنا أكتبُ بحوثًا عن مقدمة رائد علم الاجتماع الحديث، لو رأيتني وأنا أتغزلُ بأشعار الأندلس وفردوسه المفقود، وأتعملقُ في فهم تهافت التهافت ،" اقرأ يا فتى حتى لا تظلم غزال العلم ، وأمسك بناصية الحقيقة وابحث قدر ما تستطيع ". لو رأيتني وأنا أقرأ عن البخلاء والحيوان ، و أحفظُ ما أحفظ من صحيح الحديث ، لو رأيتني وأنا أتعلمُ من تاجر البندقية وذاكَ البائسِ "عطّيل" ، لو رأيتني وأنا أنسُجُ آمالاً كبيرة وأقصُ القصّصَ عن مدينتين لأعرفَ كيفَ يكون الحب والتضحية ، لو رأيتني وأنا أحارب الفقر والظلم دفاعًا عن بائسي وطني الحزين .
    لو رأيتني وأنا أتابع سيرة الرابطة القلمية وغربة أصحابها وأرواحهم المتمردة ، لو رأيتني وأنا أكتب عن العصبة الأندلسية ، لو رأيتَ كيفَ كان سليمان الحكيم يلهمني الدروس ، وكيف كنت أنهلُ العلم من العبقريات ، وكيف كان شعرنا الجاهلي يتناثر على موائد بحثي وأنا أتابع علْم من أبصرَ وهو ضرير .
    لَيْتك رأيتني وانا أنشدُ " مديح الظل العالي " أقفُ صامدًا وسط كلِّ فوضى أمتي وهامتي لا تلين ، لَيْتكَ رأيتني كيفَ كنتُ أرتبُ فوضى هذه الحياة ،أصنعُ الأملَ وسطَ جحيم الدمار وأرددُ "دمي على كتفي" و لا أخشى الموت ، وسياطُ الجلاد تأكل أكتافي و قلبي كصخرة لا تلين.
    لو رأيتني وأنا أسيرُ تحتَ فضاء المتوسط ، و في مدن الملح ، أقطعُ المسافات الطويلة ، أبحثُ عن مرزوق ، وعن عُشبةٍ فيها دواء وصفها لي طبيبٌ، قال ستجدها في صحراء وطنك ، فابحث يا ولدي ولا تيأس وكن "متشائلاً " في أسوأ الظروف .
    لو رأيتني وأنا أحلم بالعودة إلى حيفا ، ويحدوني أملٌ كبيرٌ ، واضعًا نصبَ عيني وطني ، وأقول بكل فخر هذا الوطن في العينين ، ولسوف أجرؤ على الشوق إليه ما حيِيتُ.
    لو رأيتني وأنا أعبثُ بـ" سيزيف" وأسطورته ، وكيف جعلتُ من الدوامة عنواناً كتبتُُ من خلالها تاريخ انقلاباتنا العسكرية في أوطاننا الحزينة ، لو رأيتني وأنا أصارع سمكة ذاك الشيخ في بحر تلاعبَ بي مده وجزره ، فلم أستسلم وخضتُ غمار موجه بحثًا عن غذاءٍ لروحي رغم الألم الشديد.
    لو رأيتني أيها المستحيل ، وأنا في بداياتي ، أرتقي سلمَ المجد ، أضعُ وردةً حمراءَ على صدري حتى يعرفَ من سيكرمني بأني أنا الفتى ، وأني من أوائل المطالعين.



    الأسلوب الإنشائي هنا المتمثل في الرجاء "ليتك رأيتني, لو رأيتني" والمنعكس من شعور الألم والحسرة على ماضٍ بات -على عزه- خنجرًا ينام هادئًا وسط ضلوع ثائرة؛ يصعد بأجنحته الكاتب من الحالة الفردية الخاصة فيحلق على سماء أعلى وأرقى, متصاعدًا من وترية نايه الحزينة إلى وترية أشمل تنعي وطنًا جريحًا وأمةً مطعونة... في استعراض غاية في الروعة يعتمد على التدريجية خلال مراحل رخائية مميزة مست الأمة ومازتها في جميع المجالات بلا استثناء.



    أعرفُ أني أنا من مهدَ لكَ الطريق ، وأني أنا من ساعدك في لحظة جنونٍ على اقتحام عالمي ، في يومٍ لم أعدْ أتذكرُ ملامحه ، في يومٍ تغيرَ فيه كل شيء ، تكالبت فيه المحن عليّ من كلِ حدبٍ وصوب، فطُعنتُ في ظهري كما طُعنت أمتي من قبلي ، فضعتُ بين حزني على نفسي وعلى أمتي ، وأعرفُ كيفَ صنعتُ بيدي واقعًا أرهقني ، ودمرَ ذاكرتي في لحظة لا أعرفُ لها اسمًا ، فاختلطَ همّي الصغير مع همّي الكبير ، وقمتُ بحرقِ كلِّ كتبي ، في ساعةٍ اقتحَمَ فيها اليأس فيها حصني ، فكانت غربتي ، وكانت تسعُ سنين ، هجرتُ فيها كلَّ عالمي ، حتى بتُ لا أعرفُ كيفَ أكتبُ ولا كيفَ اقرأ ، وكيفَ أصبحتُ ظالمًا للُغتي ،وباتَ يتجاهلني من يدعي العلمَ والمعرفة ، ومن يملكُ علماً ومعرفة ، وصِرتُ أبحثُ عمّن يساعدني ، كي أعيدَ تكوين ذاكرتي من جديد .

    التقرير بالمسئولية عن معظم الخطأ والتي نبعت من الضعف هنا لم يكن تقريرًا من ضمير متكلم مفرد, بل ضمائر جمع متكلمة شاملة, وكأن أبناء الوطن الجريح_ وهو الشرق_ يتحدثون كلهم في ذات الوقت على لسان الكاتب معترفين بذات التقصير والذنب.


    أنا لم أيأس ولن أيأس وها قد استيقظتُ من جديد ، فأنا ابنُ طائرِ الفينيق ، وأنا ابنُ هذا الشرق العريق، ومن أتباع أعظم رسالة أضاءت ظلمات قرون الأولين والآخرين ، فهل بعدَ كلِّ هذا ستهزمني ، أشكُّ بذلك ، فحاول إن استطعت، أيها المنافق المستحيل..!!

    .......

    يعود الوتر الصوتي لشدته البادئة بصرخة ندائية متحدية لذاك الكائن الهلامي المتحدي, بأن المتحدث المتمثل في الصوت العربي سيصل -مهما كانت العقبات- إلى الشمس مستأنسًا في حربه ضد رياح اليأس والعجز, بضوء شمعة.



    التعقيب النهائي:



    قد يُهيأ للمبحر في النثرية الحالية أن الإحساس والشعور السائدين هما اتجاه فردي خاص للكاتب نتيجة لحالة شخصية فاجأته وهزت وجدانه نفسيًا وشعوريًا فانطلق يعبر في حزن مرير عن غاية يأسه. لكن ما أن يبدأ القارئ في التوغل في ذاك البحر المتراكبة أمواجه, حتى يرى بعين الحقيقة واقعًا مؤلمًا يبكي حالًا مضى فوق أطلال متراكمة من اليأس والعجز, يحارب بسيف مبتور كائنًا مهزوزًا من الوهم نراه عملاقًا من الخوف واللاهمة المتربص بالأمة كلها.

    وبرغم كون الكاتب قد تمكن بروعة سرده من أن يسحب القارئ إالى عمق بحره منفعلًا متعاطفًا وموشكًا على الغرق الكامل في بركان حزنه, إلا أنه لا يلبث أن يلقيه بعد ذلك في أحضان الأمل على شاطئ النجاة بالخاتمة الضرورية والتي جاءت مناسبة ومتناسبة مع شمعة الأمل الوحيدة الباقية وسط شموع الأمل التي أطفأتها رياح اليأس الغادرة.



    كانت هذه الدراسة محاولة متواضعة مني في الإبحار في إحساس الكاتب وقت كتابة نصه... ليتني وفقت !

    بقلم / د. نجلاء طمان

  8. #18
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2007
    الدولة : سيرتـا
    العمر : 46
    المشاركات : 3,845
    المواضيع : 82
    الردود : 3845
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    الأديبة الناقدة / نـجــلاء

    لن أعقب عن هذه الدراسة النقدية لأني لست خبيرا بأدوات النقد و لا كيف يكون ... و لكن الشيء الوحيد الذي أستطيع أن أجزم به هو أن هذه الملامسة أو المعانقة للنص جعلتني أراه بشكل مختلف و أتذوقه من جديد بطعم آخر ... فشكرا جزيلا لكِ و لمجهودكِ الطيب في إبراز بعض النقاط الكامنة في النص و التي فتحت لنا أفقا جديدا نرى من خلاله إبداع الأخ راضي الضميري بهذا الشكل المميز .

    دمت بهكذا رقي و عطاء ...

    اكليل من الزهر يغلف قلبك
    هشــــام
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  9. #19
    الصورة الرمزية د. نجلاء طمان أديبة وناقدة
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    الدولة : في عالمٍ آخر... لا أستطيع التعبير عنه
    المشاركات : 4,224
    المواضيع : 71
    الردود : 4224
    المعدل اليومي : 0.67

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هشام عزاس مشاهدة المشاركة
    الأديبة الناقدة / نـجــلاء

    لن أعقب عن هذه الدراسة النقدية لأني لست خبيرا بأدوات النقد و لا كيف يكون ... و لكن الشيء الوحيد الذي أستطيع أن أجزم به هو أن هذه الملامسة أو المعانقة للنص جعلتني أراه بشكل مختلف و أتذوقه من جديد بطعم آخر ... فشكرا جزيلا لكِ و لمجهودكِ الطيب في إبراز بعض النقاط الكامنة في النص و التي فتحت لنا أفقا جديدا نرى من خلاله إبداع الأخ راضي الضميري بهذا الشكل المميز .

    دمت بهكذا رقي و عطاء ...

    اكليل من الزهر يغلف قلبك
    هشــــام
    بل جاء تعقيبكَ أكثر من ناقد, أعتز برأيكَ أخي الكريم وأشرف به.

    أشكر الله أنني فقط عززت إلى حدٍ ما من حبل التواصل بين المتلقي والنص

    تقديري

  10. #20
    الصورة الرمزية راضي الضميري أديب
    تاريخ التسجيل : Feb 2007
    المشاركات : 2,891
    المواضيع : 147
    الردود : 2891
    المعدل اليومي : 0.46

    افتراضي

    الأديبة السامقة د . نجلاء طمان
    وقفت طويلًا أمام نفسي محاولًا رصد التفاعلات التي تركها تحليلك لهذا النصّ في عقلي وقلبي ، فرغم أنّني لم أنجح كثيرًا في محاولة الهروب من حالات الضعف التي واكبت كتابتي لهذا النصّ ،و لم أتخيل أيضًا أنْ يخضع نصي لمثل هذا التحليل العميق ، إلا أنّ القراءة الواعية لا تبقي مجالًا أمام من يريد أنْ يتخفى وراء الكلمات والحروف .
    والكتابة في ظروف صعبة ؛ صعبة جدًا تجعلك أحيانًا تبدو كبجعة ترقص رقصتها الأخيرة ، تدور وتدور في حلقة مفرغة ، تعرف أنّها ستسقط لكنها لا تعرف في أية دورة سيتوقف النبض ؛ وعلى أية درجة على مقياس وجع الفراق سيعلن القلب عن نهاية الرحلة ، لكن البجعة هنا كانت تمثل ظرفًا يصعب الاستسلام أمامه .
    هذا ما يحدث عندما تشتد الأوجاع ، وعندما يحاول الوهم فرض سيطرته على النفس وعندما يكون اليأس سيد الموقف ، واللاعب الوحيد على مسرح الأحداث .
    وقي نصّي كان اليأس حاضرًا ، وكان النفاق شاهد زور يحاول أنْ يدعم موقف اليأس في إخضاع النفس للركون إلى حقيقة أنّ الاستسلام خير من مصارعة طواحين الهواء والعيش على أمل آثر الرحيل عن كوكب لم يعد مكانًا مناسبًا للحياة ، هذه الحياة التي أفرزت واقعًا أليمًا لم ننجح في تشريحه والخوض في تفاصيله مخافة الوقوع في جرم جلد الذات ومعرفة حقيقة أنفسنا وما آلت إليه أوضاعنا ، فكتبت ؛ وآثرت الاتكاء على الجرح الخاص ، وتمرير إشارات نحو الجرح العام ، في محاولة لتعليل هزائم خاصة عن طريق ربطها بهذا الواقع العام والمهزوم شكليًا – مع إقرار أهله بهذه الهزيمة عمليًا - فكتبت عن تاريخ رأيته ماثلًا أمام عيني وفرض نفسه عليّ وبقوة ، فاختلط الخاص بالعام ، و قراءتك لم تترك لي مجالًا للهروب من حقيقة مفادها أنّ الخوف والضياع، ومعه الألم بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى كان جاثمًا فوق رأسي ، في ليلة شديدة السواد عبثت فيها الريح كيف تشاء ، وشمعتي ما تزال ترسل ضوءً باهتًا ولكنّه كان كافيًا لبعث الأمل في النفس من جديد .. فثمّة بقعة ضوء لم نكتشفها بعد ..
    هل كنت ضعيفًا إلى الحدّ الذي جعلني قاب قوسين أو أدنى من الغرق ، في الواقع لقد كنت أحاول جاهدًا إخراج المياه التي ابتلعتها و التي نتجت عن ترنح قاربي وبشدة في مواجهة عواصف عاتية لم أظنّ معها أنّ قاربي سيصمد طويلًا ، ورافق كل ذلك صوت ذلك اليأس الذي كان يدوي في فضاء الغربة ، محاولًا ثنيي عن مواصلة الإبحار والبحث عن شاطئ الأمان ، كانت الشمعة ما زالت صامدة ، وتنير لي عتمة طريقي ، فكان الأمل سلاحي الوحيد واليتيم أيضًا .
    نحتاج إلى الماضي و الالتفات إلى الوراء قليلًا ، ففيه بعض من دواء لزمنٍ جميل مضى ما زال صالحًا لمداواة جروحنا الحزينة ، وقد يظنّ المرء في لحظة ضعف أنْ لا فائدة ترجى منه ، لكنّ ثبت أنّ هذا غير صحيح إطلاقًا ، ففي الماضي الجميل قوة روحية ومعنوية تعين على متابعة السير ، و تغري المرء للمضي قدمًا نحو الحاضر بثقة وأمل منشود ، نعم قد تخلق الذكريات وجعًا كبيرًا ، لكن تبقى لهذه الذكريات أثرًا لا يمكن إنكاره ، قد يكون الزاد قليلًا جدا ، وإنْ يكن ؛ فقليل من هنا وقليل من هناك قد يساعد كثيرًا على الصمود .
    كثيرًا ما يجتاحني الشعور بالندم على أخطاء بسيطة تركت جروحًا عميقة كان يمكن تلافيها بقليل من المراجعة وحتى في غياب الحكمة نفسها ، لكن الندم يأكل الإنسان كما تأكل النار الحطب ، وما دامت الطعنة لم تصب من القلب مقتلًا ، فإنّ الأمل في الشفاء والتعلم من جديد دافعًا للمضي إلى الأمام ، الألم كبير نعم ، ولا يشعر بالجرح إلا صاحبه ، لكن الندم على أفعال كانت حسن النية دافعًا لها يضع القتيل جنبًُا إلى جنب مع القاتل ، ولا فرق بين الاثنين ، وما مضى قد مضى ، وما دام الإنسان يتنفس فهناك دائمًا فسحة من الأمل .
    شمعة الأمل ما زالت متوهجة ، رغم حدّة الانكسارات والمنعطفات ، والرياح ما زالت ترسل بجنود اليأس محملين بنفاق هائل ، لاغتيال ما تبقى من ضوء قد يكفي وقد لا يكفي للعبور والنجاة بسلام إلى شاطئ الأمان ، من يدري ، لكن الأمل لم يقل كلمته بعد ، هذا ما أؤمن به وما سأموت عليه .
    قليلٌ من الأمل ، و صبر مرّ على الانتظار ، وثقة كبيرة بحاضر أمّة لم ولن تموت .
    كان لقراءتك وقع خاص في النفس ، وترك تحليلك لمحتوى النصّ أثرًا طيبًا لا ينسى .
    رائعة أنت أيتها النجلاء
    تقديري واحترامي

صفحة 2 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. قصائد في حرب النثر والشعر
    بواسطة الطنطاوي الحسيني في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 18
    آخر مشاركة: 20-09-2007, 07:36 AM
  2. نبضات قلب
    بواسطة صالح أحمد في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 29-11-2006, 05:10 PM
  3. منازلة شعرية بين النثر والشعر ..
    بواسطة عبدالملك الخديدي في المنتدى مهْرَجَانُ رَابِطَةِ الوَاحَةِ الأَدَبِي الأَوَّلِ 2006
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 24-05-2006, 07:01 PM
  4. بين النثر والشعر
    بواسطة د. محمد رائد الحمدو في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 03-05-2006, 12:50 PM