أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: مصيدة العنكبوت ...... قصة بقلم بوفاتح سبقاق

  1. #1
    الصورة الرمزية بوفاتح سبقاق أديب
    تاريخ التسجيل : Jun 2008
    العمر : 55
    المشاركات : 83
    المواضيع : 26
    الردود : 83
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي مصيدة العنكبوت ...... قصة بقلم بوفاتح سبقاق

    وقف في منتصف الغرفة وأخد يتأمل أحد أركانها ? عنكبوت ينسج شباكه منتظرا فريسته القادمة وفجأة سقطت ذبابة في المصيدة وحاولت الفرار ولكن هيهات أن تفلت من القدر المحتوم .


    إقترب من النافذة ? في هذا الوقت من الليل تعزف الكلاب والقطط نشيد التشرد ? الأحزان ? أحيانا تتحول تلك الأصوات الصادرة عن القطط الى ما يشبه بكاء الرضيع أو أنات متألم وإلحاح شاكي ? في حين تراءت أشجار النخيل وهي
    تعكس شموخ الإنسان وتحدي الطبيعة ? لم يكن صالح يعنيه كل هذا ولم يعد ثمة من شيء يبعث فيه الأمل ? فالأرق يلازمه منذ أيام ونفسيته متدهورة وام تعد تنفعه أي تحاليل أو وصفات ذاتية لقد أعطى كل شيء لهذا الوطن ولم يعطيه هذا الأخير سوى الوعود والإنتظار ? كل الواجبات أداها ولم يبق له سوى واجب الخدمة الوطنية.
    شهادة الأداء أوالإعفاء مطلوبة من طرف كل الشركات والإدارات ? الأيام تمضي بدون فائدة ? الحل الأمثل هو أن يؤدي واجب الخدمة الوطنية وهكذا يحصل على جواز المرور نحو الوظيفة إقتنع بهذه الفكرة ? في الغد سوف يذهب الى مركز الخدمة الوطنية وينهي الأمر ولكن صوت آخر ظل يعاكسه ? كيف تذهب في هذه الظروف الأمنية الصعبة؟ سترجع الى
    ذويك في صندوق؟ لن تفقد حقك في العمل فقط بل ستفقد حقك في الحياة .
    طرد هواجس الخوف وأحس بجدوى قراره ? لن يحصل له شيء، الكثيرون من زملاؤه ذهبوا وعادوا ونالوا وظائف جيدة وعلى كل حال فالأعمار بيد الله ومن جهة أخرى فهو جامعي وسيرمى مثل غيره في مكتب معزول مثل غيره من حملة الشهادات وستمضي السنتين في لمح البصر .
    إرتمى فوق سريره وتخيل نفسه في الثكنة يقوم بمهام عادية وسرعان ما أكمل المدة المقررة وأصبح مدير عام لشركة وطنية هامة وفيما كان يوقع بعض القرارات المستعجلة إذ بالسكرتيرة تدخل عليه وتصرخ في وجهه ? ياله من أمر فظيع سيصدر قرارا بفصلها فورا دون الحاجة لعرض قضيتها على المجلس التأديبي ? اراد أن يمسكها ويرمي بها خارج مكتبه ولكنه وجد نفسه يحدق في أخته التي جاءت لتوقظه من نومه العميق .
    على كل حال كان حلما جميلا وسيعمل على تحقيقه مستقبلا وبصورة عامة فإن القرارات الجيدة في الغالب تكون مصحوبة بأحلام سعيدة ? وضع بطاقة التعريف الشخصية في جيبه وبحث في أغراضه عن آخر بطاقة تأجيل للخدمة الوطنية ووجدها في كتاب مهمل في أحد زوايا الغرفة ? خرج من المنزل مغمورا بحيوية لم يعهدها في نفسه منذ
    سنوات ? أول مرة يخرج من أجل هدف واضح ومحدد .
    القرار الذي إتخده يجعله يمشي بين الناس وكله ثقة في النفس ? هذه الأيام لا حديث إلا عن الخدمة الوطنية بين
    الشباب وعبر كل وسائل الإعلام خاصة وقد تزامنت مع نداء وجهته المجموعات المسلحة تهدد فيه كل العائلات التي تترك أبناءها يذهبون الى الخدمة الوطنية ?وهكذا وجد الكثيرون من الشباب أنفسهم بين المطرقة والسندان ? خاصة في المناطق الساخنة والوقائع اليومية تثبت مخاوفهم ? بعض الذين ذهبوا الى الخدمة الوطنية أغتيلوا بمجرد عودتهم في أول زيارة الى ذويهم والآخرون الذين لم يستجيبوا الى نداء السلطات تم القبض عليهم وإدخالهم للثكنات بإعتبارهم عصاة .
    عند مدخل مركز الخدمة الوطنية وجد العشرات من الشباب ينتظرون ? يبدو أن ليلة البارحة جعلت العديد يتخدون
    قرارا بالإلتحاق وفيما كان يتأمل وجوهم ?تسنى له أن يلاحظ صغر سنهم مقارنة به وتذكر بأنه متأخر كثيرا عن
    دفعته ? لم يكترث للأمر وأخد يفكر في المدينة التي سوف يرسل إليها .
    بعد دقائق أدخل الجميع الى قاعة كبيرة للإنتظار وإستغل بعضهم الفرصة للتعارف ? أخد صالح ينظر يمينا ويسارا عله
    يتعرف على واحد من أصحاب القرار ? كل الوجوه بدت غريبة ? ماعدا شخص ظهر وحيدا ومعزولا في أحد أركان القاعة ? توجه صاحبنا نحوه .
    - أحمد ? أنت هنا
    - من صالح ? أهلا ? إنها صدفة سعيدة .
    - السنوات تمر ? لم نلتقي منذ تخرجنا من الجامعة ? كيف إختفيت في مدينتنا الصغيرة؟
    - في الحقيقة كنت دائم الترحال من مدينة لأخرى بحثا عن العمل .
    - وهل وفقت في ذلك ?
    - أبدا ? مجرد إستخلافات في التعليم لبعض السيدات الحوامل ? فلقد مرت بي أيام أتربص لأي سيدة حامل لأخد
    مكانها ? وأنت ماذا فعلت؟
    - لقد ظل سوء الحظ يلازمني طيلة السنوات الماضية ولم يكن لي من خيار سوى الإنتظار أو الإحتضار.
    - وفجأة سمع صالح الرقيب يناديه بإسمه ? توجه صوبه وأدخله هذا الأخير الى مكتب المساعد الأول .
    - لماذا تأخرت كل هذه السنوات لتلتحق بالمركز؟
    - كنت أبحث عن عمل ولم أجده لحد الساعة .
    - ووجدت من الضروري تأدية الخدمة الوطنية للحصول على وظيفة ? نفس الإسطوانة يرددها كل المتأخرين .
    أراد أن يرد عليه بطريقة نخبوية ومتحضرة ولكنه تفادى الدخول في صدام مع المؤسسة العسكرية في أول إحتكاك .
    - أنتم المتعلمين لديكم مكانة هامة في الجيش وعليه سأعطيك الخيار بين التوجه الى العاصمة أو وهران أو بجاية
    ..
    فكر في الأمر مليا ووقع إختياره في الأخير على مدينة وهران فهي في الذاكرة الشعبية مكانا للفرح والأمان وبلاد
    سيدي الهواري كما يقولون .
    - خد هذا هو الإستدعاء يجب أن تكون في الثكنة في اليوم الموعود ولا تنسى بأن حضورك متأخرا قد يعرضك للتأجيل
    وأظنك في غنى عن ذلك .
    خرج من المركز مسرورا ? لم يرى مدينته بهذا الجمال منذ مدة وبدى وكأن كل الناس يعرفون سر غبطته فظهر على وجوه البعض علامات التشجيع له وعلى البعض الآخر إمارات الأسى والوداع الأخير ? لن يخبر أحد عن هدفه الجديد حتى يأتي يوم الرحيل ? فالقرار إتخده وهو ليس بحاجة الى تشجيع أو تثبيط .
    واجهة البحر تبعث في النفس الشعور بعظمة الكون وجمال الساحل الوهراني أغلب مرتاديها في النهار الزوار
    والغرباء في حين يفضل أهل المدينة إستنشاق نسمات البحر في المساء ? فترى العائلات تتخد مواقع معينة وتتحرك من حين لآخر .
    السوق الشعبي كعادته مملوء بالعارضين والمشترين حيث يجد المتسوق صعوبة كبيرة في إختراقه ومن حين لأخر تحدث مناوشات بين البائعين أو مطاردات بين الشرطة وبعض المراهقين .
    وقف في ساحة المسرح الجهوي تذكر عبد القادر علولة الذي أغتيل منذ فترة ? قدر مدينة وهران أن تفقد رموزها ? لقد كان صالح يهتم بالمسرح منذ طفولته وشارك في العديد من المسرحيات ولا ينسى عز الدين مجوبي الذي ذهب وترك الحافلة بدون سائق .
    عاد الى فندقه المتواضع بالمدينة الجديدة حاملا معه عشاءه ? سيلتحق غدا بالثكنة ويبدأ المشوار الحقيقي ? أخد
    يطالع الجرائد ? ليس ثمة شيء جديد ? الأعمال الإرهابية متواصلة والإغتيالات على قدم وساق ?لم يجد أي تفسير لما
    يحدث وشده عنوان في ركن جانبي يتحد ? عن إغتيال غارس الأشجار وهو شيخ طاعن في السن كان يقوم بسقي أشجار الطريق العام فقد عثر عليه مرمي قرب شجيرة حيث إختلط دمه بالتربة المسقية ? يا لها من لوحات مظلمة ترسم في كل أنحاء البلاد ? أراد فتح الكلمات المتقاطعة ولكنه لم يستطع لأنه قرأ الكثير عن الرؤوس المقطوعة في كل مكان ?إستسلم للنوم على أمل نسيان الجرائد وأخبارها والإستعداد لما ينتظره في الغد .
    في اليوم الموالي نهض مبكرا وتوجه الى محطة الحافلات وهذا بغرض التنقل للثكنة التي تقع في ضاحية المدينة ?
    كانت المحطة غاصة بالمسافرين ? أطفال ? نساء ? شيوخ وشباب ? كل شرائح المجتمع إجتمعت في هذه المحطة ولكن
    لكل هدفه ومبتغاه ? وفجأة هز إنفجار قوي المكان وتحولت الدنيا أمامه الى ظلام دامس ? فتح عيناه فوجد نفسه فوق
    سرير بالمستشفى الجرحى يملأون المكان ? تأمل جسمه ? إحساسا غريبا يهز كيانه ? الضمادات تغطي جسمه
    أحس بأنه فقد شيء ما أراد أن يسوي وسادته بيده اليمنى ولكنه لم يجدها في الخدمة بل لم تعد موجودة أصلا ? إنهمر
    بالبكاء .
    - إحمد الله على سلامتك ? لقد مات العشرات في الإنفجار الإرهابي ? لقد كتب لك الله عمرا جديدا.
    تأمل الممرضة التي كانت تواسيه وأعاد النظر في ما تبقى من ذراعه المبتورة وسرعان ما أظلمت الدنيا من جديد أمامه
    ..
    فتح عيناه ? وجد نفسه في غرفته وأفراد الأسرة ملتفين حوله ودموعهم تنساب بحرارة ? لقد تكفلت الدولة بنقله الى
    مدينته وأخيرا أسدت له معروفا ولكن بعد أن فقد يده التي لطالما كتب بها طلبات العمل لمصالحها ولم يرد عليه أحد
    .. هاهو ملقى في سريره أو بالأحرى نعشه ? ليس بالمدني ولا بالعسكري ? سيتحول الى مجرد ملف يضاف الى حصيلة السنوات الدموية وهكذا سيساهم في إبقاء السجل التجاري المفتوح لفائدة جمعيات ضحايا الإرهاب .
    نظر مليا في وجوه أفراد عائلته من جديد ? أراد أن يدلي بكلمة بهذه المناسبة الحزينة ولكنه بقي صامتا ورفع بصره
    صوب ركن الغرفة حيث توسعت مصيدة العنكبوت اكثر ووقعت في شباكه حشرات أكثر .

  2. #2
    أديب
    تاريخ التسجيل : Nov 2007
    المشاركات : 909
    المواضيع : 35
    الردود : 909
    المعدل اليومي : 0.15

    افتراضي

    أخي الكريم

    قصة مؤلمة وحزينة لكنك صغتها لنا باسلوب شد القارئ للاستمرار حتى النهاية.

    أسلوبك رائع فلا تحرمنا من جديدك

    دمت بخير

  3. #3
    أديب
    تاريخ التسجيل : Apr 2006
    المشاركات : 9,079
    المواضيع : 101
    الردود : 9079
    المعدل اليومي : 1.38

    افتراضي

    بو فاتح المبدع...
    العنوان ملفت للنظر جدا ،والمضمون يشي بالكثير ، وابدأ بهذا التساؤل الذي اثارني منذ البداية ،
    هل هذا يعني بأن الدولة لاتتكفل بابنائها الا بعد ان يفقدوا شيئا من اجسادهم ..؟ الغريب ان الانسان يبقى في قنوطه امد طويل ، ويبحث عن اي منفذ حتى لو كان في المنفذ هذا تهديد لحياته ، من اجل كسب القوت ، وهنا للامر دلالات مفضية ، منها ان الحالة الاجتماعية التي تفرض على الانسان ان يتشوق للخدمة والحرب والقتال قد وصلت لحد مأساوي ، والثاني ان الدولة لاتعيل ابنائها بشكل متناسب والبطالة مظهر من مظاهرها ، والثالث والاهم ان الدولة ليس لها تخطيط مسبق لمسألة استعاب الطلبة في الجامعة ووضع خطة لما بعد الجامعة ، وكانها تريد ان تخرج الطلبة دون ايجاد بديل او عمل لهم وهذا ما له تأثير اجتماعي وثقافي كبير على الوضع العام ، ويمكن استخلاص امور كثيرة من النص، لاني اجده يغوص في الواقع بصورة واعية ومدركة.
    محبتي
    جوتيار

  4. #4

  5. #5
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.71

    افتراضي

    أليم وموجع ما قرأت هنا بحدثه وسرده الشائق وإسقاطه باتجاه تقصير الدول في حق مواطنيها ومعاناة الأفراد
    المعالجة كانت موفقة ومؤثرة

    دمت بخير

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  6. #6
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,131
    المواضيع : 318
    الردود : 21131
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    قصة حزينة ومؤلمة ـ بمهارة أمسكت بخيوط الحبكة لتوظفها في بناء قصي شائق السرد
    أدخلتنا في متاهة عاطفية أخذت منا الشفقة والعطف على من كان يريد بدأ حياته
    فوجد نفسه يتحول إلى مجرد ملف يضاف إلى حصيلة ضحايا الأرهاب
    قصة عميقة الطرح رائعة الحرف والتصوير.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

المواضيع المتشابهه

  1. الشبكة ....قصة بقلم بوفاتح سبقاق
    بواسطة بوفاتح سبقاق في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 05-07-2022, 10:21 PM
  2. خيانة زوجية ... قصة بقلم بوفاتح سبقاق
    بواسطة بوفاتح سبقاق في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 30-04-2019, 07:27 AM
  3. إعترافات رجل مهم ....قصة بقلم بوفاتح سبقاق
    بواسطة بوفاتح سبقاق في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 04-12-2015, 10:57 PM
  4. الوفد المرافق له...قصة بقلم بوفاتح سبقاق
    بواسطة بوفاتح سبقاق في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 06-09-2014, 01:52 PM
  5. الوفد المرافق له .... قصة بقلم بوفاتح سبقاق
    بواسطة بوفاتح سبقاق في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 05-07-2008, 10:38 PM