تستعد فرنسا للإعلان عن الاتحاد من أجل المتوسط في قمة 13 يوليو القادم، وذلك بعد حوالي عام من التبشير بها وطرحها، سواء على المستوى الأوروبي أو العربي. ورغم المعارضة الليبية وحالة الغموض في الموقف الجزائري، تبدو فرنسا واثقة من إنجاح مشروعها، أو على الأقل التمكن من إطلاقه، ثم لاحقا معالجة المشاكل التي رافقت ولادته.

من الناحية النظرية، يبدو هذا المشروع تدشينا لمرحلة جديدة في العلاقات الأوروبية - العربية عموما والمتوسطية خصوصا، بما يتجاوز كلا من مسار برشلونة الذي أطلق في أواسط التسعينيات، أو لاحقا مسار حوار 5+5 الذي يجمع الدول المغاربية الخمس مع خمس دول أوربية من غرب المتوسط، فضلا عن مشروع السياسية الأوروبية الجديدة للجوار والمعلن عنها منذ حوالي أربع سنوات. إلا أن التساؤلات التي طُرحت حول قيمته المضافة ومدى قدرة المشروع على جلب تفاعل المحيط المستهدف به، وهو هنا المحيط العربي، بالمقارنة مع المشاريع السابقة، أضعف بشكل كبير من جاذبية المشروع وآفاقه، وهو ما يمكن رصد عدد من المؤشرات عليه.

يتمثل المؤشر الأول في بقاء المشروع فرنسيا رغم سعيه لتشكيل نقطة في السياسة الأوروبية، وذلك رغم اعتماده من القمة الأوروبية في ديسمبر الماضي بعد احتواء كل من المعارضة الألمانية والإسبانية. وهو ما سيجعل المشروع جزءا من السياسة الخارجية الفرنسية أكثر منها الأوروبية، أي مثل ما حصل لمنتدى المستقبل الحاضن لمشروع الشرق الأوسط الكبير الأميركي، والذي عقد لقائه الأول في الرباط في ديسمبر 2004 كمشروع أميركي – أوروبي -عربي إلا أنه فشل وانزوى تدريجيا رغم استمرار بعض مؤسساته المحتضنة أميركيا بشكل أساسي. ولهذا سيكون من المنطقي توقع نفس مآل الأول للثاني.

أما المؤشر الثاني فهو الاستهانة بمسألة حضور إسرائيل في المشروع، واعتباره مجرد استمرار لحضورها في مسار برشلونة، في حين أن الاتحاد من أجل المتوسط إطار مؤسساتي أكبر من الأول، كما أن مسار برشلونة نفسه على الصعيد المغاربي لم يتمكن من الانطلاق إلا بعد اعتماد خيار حوار 5+5 والنأي عن الوضع في شرق المتوسط المأزوم منذ انهيار مفاوضات كامب ديفيد الثانية في يوليو 2000 وبعدها انطلاق انتفاضة الأقصى في سبتمبر 2000، فضلا عن أن المشاركة الإسرائيلية آنذاك كانت في سياق وجود عملية تسوية وانخراط عدد من الدول العربية في التطبيع الدبلوماسي الرسمي مع الكيان الإسرائيلي، فضلا عن تزامن ذلك مع عقد القمة الاقتصادية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالدار البيضاء في 1996 كفضاء لدعم وتشجيع مسار التطبيع الاقتصادي. أما الآن، فالوضع مختلف بشكل جذري، ويجعل من قدرة هذا المشروع على الامتداد لجلب دول عربية أخرى مسألة مستبعدة، ناهيك عن التوغل أكثر في البنية المجتمعية العربية لجنوب المتوسط.
المؤشر الثالث يرتبط بالموقفين الليبي والجزائري، وهما الآخران تمت الاستهانة بهما.

فكون ليبيا مجرد مراقب في مسار برشلونة يجعل موقفها غير مؤثر، في حين أن الوضع مختلف كلية في الظرف الراهن. فآنذاك كانت ليبيا مكبلة بالحصار الأميركي بسبب قضية لوكربي، ولهذا لم يكن من المرغوب وجود حضور نوعي لها، أما حاليا فالموضوع آخذ طريقه نحو التسوية، كما أنها تتحمل مسؤولية الاتحاد المغاربي ولها موقع في تجمع دول الساحل والصحراء، وتمكنت من جمع الدول المغاربية في قمة تشاورية. ورغم فشلها في دفع الدول المغاربية والعربية المتوسطية إلى الخروج بموقف رافض للاتحاد، إلا أنها بخطابها المناهض للحضور الإسرائيلي والمركز على النزوع التقسيمي لمشروع الاتحاد من أجل المتوسط أحرجت غيرها من الدول، بل وحتى النخب السياسية بالمنطقة.

أما في حالة الجزائر فالوضع معقد بفعل تأرجحها بين القبول والرفض. فرغم رفض الرئيس الجزائري -في المؤتمر الصحافي الذي جمعه برئيس الوزراء الفرنسي فيون الأسبوع الحالي- إعلان موقف صريح من المشاركة في القمة المتوسطية في يوليو القادم، إلا أن الإقدام على تغيير رئيس الوزراء عبدالعزيز بلخادم مباشرة بعد الزيارة الفرنسية، وهو الذي صدرت عنه تصريحات رافضة لمشروع الاتحاد، واستبداله بشخصية مؤيدة هي أويحيى، قدم رسالة واضحة عن وجود استعداد جزائري، خاصة بعد توقيع اتفاقية نووية سلمية مع فرنسا والخشية من أن يكون الغياب الجزائري لمصلحة المغرب. لكن في المقابل، فإن الموقف الجزائري لا يريد أن يقدم شيكا على بياض للمشروع، لاسيما بسبب التأييد الفرنسي للمغرب في قضية الحكم الذاتي بالصحراء من جهة، والحرص على العلاقة مع ليبيا الرافضة للمشروع أصلا بعد أن قبلت به في السابق.

تحيل المؤشرات الثلاث على توقع مستقبل محدود، أو على الأقل غامض لمشروع الاتحاد من أجل المتوسط، فولادته اكتنفتها عوائق بنيوية سيكون من الصعب على مختلف الأطراف تجاوزها