الملكةُ والسحرُ الأسود
أيها النائمُ وجهه على ليل صدري كأجمل فجر, تحكمكَ يداي المصلوبة على وتد البعد, أحتضنكَ, أحتضنُ جراحكَ في صمت, تخترقُ ظلالُ ماضيك أجفانَ عيون الزهر. أختبيءُ خلفَ جدر الشوق, في عري المسافات أسألكَ في همس: كيف امتلكتَ مفاتيحَ القلعة ؟ وأوقعتَ الملكةَ في الأسر؟ حطمتَ الأسوار وقهرتَ الحراس, وألقيتَ بتاج العظمةِ في البحر.
تنظرُ إليك؛ فارساً منبثقاً من تلابيبِ الحلم, تمتطي ظلمةَ الأضغاث, وتتوغلُ في أغوار الهواجس ووخذِ الأهوال, تتهاوى خطوطُ ملامحك في سفحها الوامض بالعطر. تركتَ خلفك عينيك سبيةً لوهج نرجسها الأصفر, فألقتْ وراءها حريرَ الوسائد وماسَ القلائد, وجلستْ على أشواك الوحدة يقيدُها العجز, ترتشفُ اللوعة في صمت, وتقتاتُ من خبز الهجر. تنتظر قرارًا منك يأتي أو لا يأتي, ورجوعًا من ركضٍ دائم وهروب, تقتفي أثارَ أمنيةٍ ثكلى, وحلمًا في شعاب اليأس يغفو, تتفقدُ مراسيل الطير.
أتأملُ حالي ومآلي, وعبثَ فروقات الأيام, حين كنتُ وحين أصبحتُ, وحين... وحين, فتتولدُ في عيني الدهشةُ, مختومةًً بختم الصبر. الصبر! لم أعرفُ يومًا كيف الصبر؟ لم أعرفُ أوقاتَه, ولم أحاولُ أبدًا تفكيكَ شفيراته. ما بالي الآن أتقنتُ جميع لغاته ؟ أدورُ مع دوران بندول ساعاته, وأرقصُ مع إيقاع أناته, تتبع ُحركة َخطواته أقدامُ العمر.
كيف لك أيها الموجوع؛ الهارب في زخات المطر أن تستأثرَ بالحس؟ وتنقش معزوفتك المفجوعة فوق سنابل النبض, تُغرقه بفيضِ طقوسكِ المصبوغة بالنهي والأمر. أيها الموشى بالليل والمطعونُ بالغواية ! قل لي: كيف اخترقتَ رقائقَ صفحات الندى, وامتزجتَ بخفقان الوجدان؟ تمضي في تخومه منتشيًا بالوجع, تمنحُ الحنينَ من رماد ذكراك وشمًا, وشجنًا أخرس؛ لا يبوح أبدا بالسر.
ها أنت والماضي وهي وظلُ قسوتك, ها أنت والليلُ وصفصافُ عشقها الأبدي في غور الفقد تحيا. تستعذب أناتك حين تأتيك صرخات عذابها, ورجفة آهاتٍ من شفاهٍ؛ تترنم باسمك لا تمل. أي تعويذة أتيت بها من ثغر الشمس؟ أي شجو ألقيت به على تباريح حلمها المنطوي؟ أي سحر أسود أتيت به ؟!
أي سحر!!