أحدث المشاركات
صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 27

الموضوع: /// علماء الإسلام في مواجهة تحديـات العصر ///

  1. #1
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2007
    الدولة : سيرتـا
    العمر : 46
    المشاركات : 3,845
    المواضيع : 82
    الردود : 3845
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي /// علماء الإسلام في مواجهة تحديـات العصر ///

    علماء الإسلام في مواجهة تحديـات العصر

    لا خلاف بين أصحاب الرأي والنظر في أن الفضل الأعظم في بناء حضارات الأمم المتحضرة ، وصناعة أمجاد الشعوب المجيدة ، ينسب إلى علماء الأمة ورجال الفكر وصناع الرأي فيها ، قبل أن ينسب إلى رجال السياسة والاقتصاد ، فضلاً عن العامة والرعاع .
    فالعلماء من أمتهم كمثل الرأس من الجسد, هم العقل المفكر، والدماغ المحرك.
    تنظر العامة إليهم وتقتدي بهم ، ويفزع إليهم الملأ في الخطوب ، ويصدرون عن رأيهم إذا رأوا ، ويطيعون أمرهم إذا أمروا .
    و كم ضحى العامة بأنفسهم وأوردوها موارد الموت، من أجل كلمة سمعوها من عالم
    وكم قدموا أرواحهم وأولادهم في سبيل فكرة أوحى بها العلماء إليهم .
    فعلماء الأمة هم المهندسون المخططون، وعامتها هم البناءون المشيدون.
    وما من حركة سياسية، ولا ثورة شعبية، ولا انقلاب عسكري، ولا نهضة اقتصادية، ولا صحوة اجتماعية، إلا ومن ورائها مفكر درس وخطط، ثم تكلم ووجه، فكانت الأمم تنفذ أفكاره، وتحول أقواله إلى أفعال. أن ينسب إلى رجال السياسة والاقتصاد ، فضلاً عنه .
    وما كانت الجيوش والشعوب والحكومات في كل عصر إلا أدوات تنفذ أفكار المفكرين ، ظهر ذلك للعيان أم بقي مستتراً وراء الكواليس .
    وهذه قاعدة تستوي فيها أمم الإيمان والكفر ، وتستوي فيها مذاهب الحق والباطل .
    و كل مطّلع يعلم أن لينين، الذي غير وجه العالم بثورته، وأسس أكبر دولة على وجه الأرض، ما كان إلا أداة منفذة لما رسمته نظرية ماركس.
    والثورة الفرنسية التي غيرت مسار التاريخ الأوروبي ، وقضت على الملكية ، وأقامت الجمهورية ، ما كانت إلا إيقاداً لأفكار فولتير .
    والصهيونية السياسية ما كانت إلا أفكاراً دونت في البروتوكولات .
    وابحث بنفسك عن جذور كل حركة تغيير سياسي ، أو نهضة اجتماعية ، أو ثورة عسكرية قامت بها أمة من الأمم ، أو فئة من فئات الشعوب ، تجد أن البناة الحقيقيين لأمجاد الأمم هم علماؤها ومفكروها .
    لا عجب إذاً أن نرى شعوب الأرض تحفظ لأولئك الخاصة مكانتهم، وتخلد ذكرهم، وتنسب أمجادها إليهم.
    ولا عجب في أن يضع الإسلام هؤلاء الرجال في المقام الأرفع ، وأن بخصهم بخصائص لا يشاركهم فيها - بل ولا يدانيهم - غيرهم من أفراد الناس ، ولا يطمح بالوصول إلى مقامهم أحد ، حتى يسلك سلكهم ، وينتظم في عقدهم ، ليحوز الشرف الذي حازوا ، وينال الفضل الذي نالوا .
    نزل كلام الله بفضلهم فجاء فيه : ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) .
    وبيَّن أنهم في عامة المؤمنين خواص فقال سبحانه : ( يرفعِ الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) .
    وجعل مهمة بيان الأمثال الإلهية مهمتهم ، لأنهم وحدهم من يفهمها ، فقال عز من قائل :( وتلك الأمثالُ نضربها للناس وما يعقِلُها إلا العالِمون ).
    و أظهر النبي شرفهم، فبين أنه مستمد من شرف الأنبياء، فقال: " وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، ولكن ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر ".
    وبين أن مهمة إرشاد الأمة ، وبيان الحقائق ، وتنقيح العلم ، وتنقية الدين مما يمكن أن يدخل عليه مما ليس منه ، مسؤوليتهم ورسالتهم فقال : " يرث هذا العلمَ من كل خلف عدولُه ، ينفون عنه تحريف الغالين ، وتأويل الجاهلين ، وانتحال المبطلين " .
    لذا فقد حفظ المسلمون في تاريخهم مآثر علمائهم وخلدوها كما لم يحفظوا ذكر ملوكهم وأمرائهم.
    فمن من المسلمين لا يعلم أخبار أبي حنيفة ومالك، والشافعي وأحمد، ومن منهم لم يسمع عن ابن كثير ، وابن القيم ، والبخاري ، ومسلم .
    و لكن في مقابل ما أعطي العلماء من المقام الكريم والتشريف العظيم، فإنهم يتحملون التكليف الجسيم.
    و كما ينسب إليهم معظم الفضل في رفعة الأمة أيام رفعتها، فإنهم يتحملون معظم اللوم في تقهقر الأمة واضمحلال حالها.
    فقعود حال أمة من الأمم، يدل على قعود علمائها عن واجبهم، وتقصيرهم في أداء مهمتهم.
    ولقد باتت أصابع الاتهام توجه إلى هؤلاء القوم الكرام من هنا وهناك.
    وحاول المخلصون الدفاع عن العلماء وتبرئة ساحتهم من كل ما ينسب إليهم ويقال عنهم ، ولكن الأحوال الملموسة كانت أقوى من حججهم ، والوقائع المحسوسة كانت أصدق من تأويلاتهم ، فلم يستطيعوا أن يأتوا بدفاع مقنع يبرئ العلماء مما يوجه إليهم من تهم ، فغدا أصحاب النظر في الأمة ، ممن أدركوا تقصير العلماء في مسؤولياتهم ، ولم يستطيعوا له إنكاراً ، ولم يجدوا له اعتذاراً ، فريقين اثنين .
    فمنهم من زهد في العلماء واعتزلهم، وهجرهم ورغب عنهم، وما عاد يوجه إليهم نقداً أو عتاباً، وكأنه يقول لنفسه: أناس مفقود منهم الأمل، فلنبحث عن الحل عند غيرهم، ولنسعَ في التغيير بمعزل عنهم.
    وآخرون علموا أن صلاح الأمة - إن كتب لها صلاح - لن يكون إلا عن طريق هؤلاء الرجال الذين هم أركانها وأساطينها ، وبهم - لا بغيرهم - ينار طريق عزتها وسؤددها ، وخلفهم - لا خلف إمام سواهم - تمشي الأمة نحو مجدها ورفعتها ، فعتبوا وانتقدوا ، وربما أفرطوا - بدافع من غيرة تملأ قلوبهم - في نقدهم ، فجرحوا ولذعوا .فأين العلماء من ذلك كله ؟؟
    العلماء في هذه اللجة المضطربة ، والمحنة العصيبة - والحكم للغالب ولا عبرة بالخواص - معرضون عن سماع ما يقال لهم ، وما يقال فيهم .
    لم يرضخوا لحقيقة أنهم يتحملون النصيب الأكبر من المسؤولية عن أحوال الأمة المزرية ، ولم يسلموا بوجود مشكلة تستوجب منهم العمل على حلها .
    وبما أنهم أبواق الأمة وخطباؤها ، فإن صوتهم هو المسموع ، فهم أصحاب المنابر والأقلام ، يعظون ويخطبون ، ويصنفون ويكتبون ، فتراهم في ذلك كله يبعدون التهمة عن أنفسهم ، وينحون باللائمة تارة على الساسة ، وأخرى على رجال الإعلام ، وثالثة على المجتمع بأسره ، ليبقوا هم في أبراج عاجية لا تطالها تهمة ، ولا ترقى إليها إدانة .
    يحاكمون الإنسانية جمعاء ، ويحملونها أكواماً من التهم ، ويحكمون بهلاكها جملة ، ليكونوا وحدهم الناجين الفائزين .
    و لعل في هذا الكلام ما فيه من القسوة، ولكن ما أجمل النقد الذاتي البناء عندما يكون وسيلة للإصلاح.
    وما أعقل المرء عندما يقبل الحقيقة ولو ثقلت، ويسلم بالواقع مهما كان مريراً، و يعترف بالتقصير في سبيل تداركه .
    وما أحكم المرء الذي يحاكم واقعه ليصلح مستقبله، ويدين أخطاء ذاته ليصل بها إلى الصواب المنشود ، ويمتلك الشجاعة التي تحمله على إعلان تغيير مسار سار فيه مدة من الزمن وسار الناس خلفه ، ثم تبين له خطأ اتجاهه .
    ولا ينبغي للعلماء - وهم من هم في وفور العقل وسداد الرأي - أن يصيروا كالذي يضع يده على الجرح فيتجاهل وجوده، ليهرب من مشقة علاجه وقسوة جراحته.
    و حتى نزداد يقيناً في وجود مشكلة ما، لا بد من عرض مظاهر هذه المشكلة وأعراضها أولاً، فإذا عرفت الأعراض سهل وضع حلول ناجعة تخرجنا من هذا الحال، عسى نستنقذ الأمة، بإصلاح الأئمة.

    منقول
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  2. #2
    أديب
    تاريخ التسجيل : Sep 2008
    الدولة : أرض الله..
    المشاركات : 1,952
    المواضيع : 69
    الردود : 1952
    المعدل اليومي : 0.34

    افتراضي


    أخي الحبيب هشام ..
    سلام الله عليكم ورحمته تعالى وبركاته..
    غزة منتصرة ـ بإذن الله تعالى ـ
    بارك الله فيكم على هكذا مقال..
    نعم أخي الحبيب..
    العلماء هم مهندسو حياة الأمم ..
    لافي الدين ..
    ولا في الدنيا ..
    سواء بسواء..
    // أفضل جهاد كلمة حق عند سلطان جائر//
    بالغ تقديري..

  3. #3
    الصورة الرمزية عبدالله المحمدي أديب
    تاريخ التسجيل : Oct 2005
    المشاركات : 2,167
    المواضيع : 52
    الردود : 2167
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    وقد كثر علماء السلطان...... والعلماء الذين يخشون على انفسهم من الطاغوت

    والامة شرارتها العلماء ووقودها الشعوب


    تحياتي

  4. #4
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2007
    الدولة : سيرتـا
    العمر : 46
    المشاركات : 3,845
    المواضيع : 82
    الردود : 3845
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة معروف محمد آل جلول مشاهدة المشاركة

    أخي الحبيب هشام ..
    سلام الله عليكم ورحمته تعالى وبركاته..
    غزة منتصرة ـ بإذن الله تعالى ـ
    بارك الله فيكم على هكذا مقال..
    نعم أخي الحبيب..
    العلماء هم مهندسو حياة الأمم ..
    لافي الدين ..
    ولا في الدنيا ..
    سواء بسواء..
    // أفضل جهاد كلمة حق عند سلطان جائر//
    بالغ تقديري..
    الأخ الكريم الأستاذ معروف أشكرك على مرورك الكريم
    و عسى أن يكون في المقال ما يفيدنا و يفتح الآفاق أمام عيوننا
    ما زلتُ أعتقد يقينا أن صلاح حال الأمة سيكون بعلمائها و مفكريها لا بساستها و حكامها .

    تقديري و احترامي

  5. #5
    الصورة الرمزية سعيدة الهاشمي قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Sep 2008
    المشاركات : 1,346
    المواضيع : 10
    الردود : 1346
    المعدل اليومي : 0.24

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

    هم القدوة أخي هشام، ووالله لو توحدت كلمتهم لأثروا في القادة ولتبعتهم الشعوب كاملة

    لكن المشكل فيهم وفينا، هم انشغلوا عن الأمة حتى انقسم أبناء الأمة بين مؤيد لهم وبين

    ناقد ولا مبال ونحن تهنا وسط الانقسان نؤيد من نريد وننقد من نريد دون معرفة لم نحن مع هذا أوضد ذاك؟

    عليهم أن يقفوا وقفة ذاتية مع أنفسهم ويوحدوا الكلمة لتتمكن هذا الأمة من السير على النهج الصحيح مجددا.

    هم عماد البيت ويجب أن يكون هذا العماد متينا لكي لا ينهار البيت.

    يا ذا الجلال والعزة انصر إخواننا في غزة.

    تحيتي ومودتي.

  6. #6
    الصورة الرمزية ناصر البنا شاعر
    تاريخ التسجيل : Nov 2006
    الدولة : في نبض المعنى
    المشاركات : 812
    المواضيع : 28
    الردود : 812
    المعدل اليومي : 0.13

    افتراضي

    عزيزي هشام
    رغم مايقال أن الحوادث توحد الصفوف ومع ما وحدت بالفعل إلا أن دور العلماء لم يكن بالشكل المطلوب
    وانقساماتهم باتت تشكل محور انشغالاتهم بالشكل الأولي .

    ومنهم علماء السلاطين القابعون على موائدهم والمكممة أفواهم عن قول كلمة حق عند سلاطينهم .
    لذا ربما يحتاج البعض منهم إلى تحرير أنفسهم أولا ً لتحرر بهم بلاد المسلمين .

    خالص تحيتي

    خافقي كالنار يلهب

  7. #7
    الصورة الرمزية ريما حاج يحيى قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Oct 2008
    الدولة : فلسطين
    المشاركات : 451
    المواضيع : 24
    الردود : 451
    المعدل اليومي : 0.08

    افتراضي


    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    مقال مميز ومنقول قوي ومقنع
    اخي العزيز هشام
    يحوي معلومات قيمة وشاملة، وايضا حقيقية
    خاصة ما يتعلق بالعلماء المسلمين من منطلق
    ديننا الاسلامي الحنيف فله اكبر الأثر في
    القلوب والنفوس، فالدين لا يعلى عليه
    ولا يناقش فيه وبما جاء به تقريباً كلياً..
    فتخيل لو افتى علماء المسلمين ان الجهاد
    فرض عين وواجب مقدس لنصر الاخوة
    المسلمين والاسلام، وان تعاون ومشاندة
    اهلنا في غزة بكل الاشكال هي فريضة
    على كل مسلم مقتدر وهي كذلك في محكم
    القرآن الكريم، سيتغير الوضع كثيرا للافضل.
    وتأكيدا على كلامي نداءات ائمة المساجد
    والشيوخ والمفتين لدينا بأي حدث ومناسبة
    تجد صدا كبيرا وقويا وتفاعلاً قويا ومؤثراً.
    فكيف بعلماء الأمة من فضلهم الله بعلمه؟!
    وبارك الله فيك وجزاك خيرا
    وجعله في ميزان حسناتك
    والله اكبر والله اكبر
    على كل من طغى وتجبر

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    غير مسجل

  8. #8
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2007
    الدولة : سيرتـا
    العمر : 46
    المشاركات : 3,845
    المواضيع : 82
    الردود : 3845
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي متابعة للموضوع

    ثمة تساؤلات كثيرة يثيرها الواقع ، ونبحث عن إجابات شافية لها ، فنعجز وتعيينا الحيلة ، واسمحوا لي أن أستعرض بعض هذه التساؤلات التي أرقت كثيراً من المخلصين ممن يهمهم أمر المسلمين ، وأقضت مضاجعهم .
    - لماذا فقد معظم الناس ثقتهم في العلماء ؟ ولم يعد للعلماء في نفوسهم تلك الجلالة التي كانت ؟
    - لماذا فقد العلماء قدرتهم على شحذ الهمم وتحريك العواطف ؟
    - لماذا انقطعت الصلات الحقيقية بين المجتمع والعلماء ، وهجر الناس المساجد إلا في الجمع والأعياد ، وصار العلماء في واد والناس في واد آخر ؟
    - لماذا تحول حضور خطبة الجمعة إلى مجرد فعل تعبدي لا يظهر أثره ؟
    - لماذا يسعى كثير من العلماء والوعاظ والخطباء - بقصد أو بغير قصد - إلى فصل الناس عن واقعهم ، والمضي بهم إلى عالم يخترعونه لهم أو ينسخونه من صفحات الكتب لا يمت بصلة إلى العالم الذي يعيشون فيه ؟
    - لماذا يعمل بعض الخطباء على تعميق الهزيمة النفسية في قلوب الناس عوضاً عن إرشادهم إلى طريق النهضة ، ويكتفون بنعي الأمة على الملأ بدلاً من تلمس سبيل إحيائها وبث الروح فيها ؟
    - لماذا خلت المساجد من حلق العلم بعد أن كانت تغص بها ، وأمست المساجد في غير أوقات الصلاة خاوية بعد أن كانت تغص بطلاب العلم في كل وقت ؟
    - لماذا صار العلم الشرعي تخصصاً حكراً على فئة ، وسادت الأمية الدينية بين الفئة الكبرى من المسلمين ؟
    - لماذا تحول العلم إلى مجموعة من الشهادات والألقاب ، بعد أن كان سلسلة من الإنجازات التي خلدها الزمان ؟
    - لماذا قل المسلمون بالانتماء ، في حين كثر المسلمون بالانتساب ؟
    - لماذا يضخم العلماء أعداد المسلمين الجدد في عيون الناس ، ويتغافلون عن أضعاف أعدادهم يتركون الإسلام إلى دين غيره أو إلى لا دين ؟
    - كيف تحولت الدعوة الإسلامية من الهجوم الناجح إلى الدفاع المتعثر ؟ ولماذا صرنا لا نأمن على إيمان أبنائنا في بيوتنا ، بعد أن كنا نهدي الأحمر والأصفر في أقاصي الأرض ؟
    - لماذا هجر الشباب المسلم المساجد واتجهوا إلى الملاهي والمقاهي ؟ وما الذي حولهم عن المصاحف إلى شاشات التلفاز ومقاهي الإنترنت ؟
    - هل الشباب المسلم بخير ؟ وهل حالهم على ما يرام ؟ أم إن بذور الإلحاد والانحراف الفكري تترعرع بينهم ؟
    - هل يتحمل الشباب وحدهم وزر إعراضهم عن دين الله وانحرافهم عن جادته ، أم إن العلماء يتحملون نصيباً من هذا الوزر ؟
    - إلى متى سنبقى مضطرين لسماع المهاترات المقيتة والمجادلات العقيمة بين أصحاب التيارات الفكرية والمذاهب الفقهية ؟
    - لماذا صار المسلمون على وجه العموم ، والعلماء خاصة ، مضرب المثل في التفرق والتمزق ، والتحاسد والتدابر ؟
    - لماذا لم يتمكن العلماء إلى الآن من إيجاد آلية للحوار البناء الذي يوصل الأمة إلى وحدة الكلمة ؟
    - لماذا لم يجد أعداء للأمة المسلمة وللإنسانية حاقدون متربصون ، ذوو صفوف منظمة وخطط محكمة من العلماء من يواجه خططهم بمثلها ليحبط ما يصنعون ؟
    - لماذا لم يتصد علماء الإسلام لفضح هؤلاء على الأقل إن لم يستطيعوا كبح جماحهم ، وإيقاف زحفهم ؟
    - هل تعرَّف العلماء - قبل أن يعلموا غيرهم - تعرفاً عميقاً موجهاً على منظمات تعمل من أجل الباطل أكثر مما يعملون هم من أجل الحق ؟
    أسئلة أرى أنها مظاهر صارخة لمشكلة عميقة .
    وراءها حقائق يراها من يراها ، ويتغافل عنها من يسوؤه كشفها .
    أسئلة أرى أن كتباً تؤلف فيها ، وجهوداً مخلصة تبذل في سبيلها ، أجدى وأولى من البحث في عقد اليدين أيكون تحت السرة أم فوقها ، وفي تحريك السبابة في التحيات أسنة هو أم ليس بسنة ، وفي المصافحة بعد الصلاة أهي سنة حسنة أم بدعة سيئة ، وفي الحَجاج أمرحوم هو أم ملعون ؟ إلى آخر هذه المسائل الصغيرة ، التي كبرتها عقول صغيرة ، فأشغلت بها الأمة ، وأهملت في مقابلها أسئلة مصيرية يتوقف عليها مستقبل الأمة ووجودها .

    بقلم فضيلة المفكّر و المربّي
    باسل بن عبد الرحمان الجاسر
    رحمه الله

  9. #9
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2007
    الدولة : سيرتـا
    العمر : 46
    المشاركات : 3,845
    المواضيع : 82
    الردود : 3845
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي الجواب الأول

    ولنبدأ بالإجابة عن التساؤل الأول ، ولعله الأقسى وقعاً ، والأشد وطأة .
    ألا يزال العلماء يحتلون في قلوب الناس المكانة ذاتها التي كان أسلافهم يحتلونها ، من التبجيل والتعظيم ؟؟
    ألا تزال لهم تلك القداسة والسمو في أنظار عامة المسلمين ؟؟
    وهل هم في نظر العامة - سوى تلامذتهم ومريديهم - كما كانوا أصحاب الحصانة والصيانة ، الذين يقاربون مقامات الأنبياء ؟
    وهل الناس اليوم - كما كانوا في سالف العصور - يلجؤون إليهم في كل ملمة ، ويطلبون مشورتهم في كل مشكلة عارضة في دينهم ودنياهم ؟ ويثقون بأشخاصهم وآرائهم على حد سواء ؟
    لعل الواقع ليس بهذا الإشراق والنصاعة .
    لقد فقد معظم الناس ثقتهم في العلماء ، بل فقد بعضهم احترامهم أيضاً ، حتى صار العلماء عند شريحة واسعة من المجتمع المسلم مضرب المثل في العديد من السلبيات ، وحتى صار فريق من المسلمين يستحيي من إظهار التزامه أمام بعض الناس خشية أن يحسب عليهم .
    وإن كان البعض يرى في هذا الكلام مبالغة ما فلأنه لم ير ما رأيت ، فلست إلا واصفاً لواقع رأيته وعايشته ، يعيشه قطاع واسع من المجتمع المسلم .
    هذه الصورة السالبة التي تكونت في أنظار هؤلاء للمشايخ أبعدتهم عنهم ، ونفرتهم منهم ، حتى إن كثيراً من المسلمين يولد ويموت ولم يلتق بشيخ في لقاء شخصي قط !!
    في عهد أجدادنا في أبعد تقدير ، كان المجتمع كله يتربى على أيدي العلماء ، فمنهم الذي يكون له شيخ يلقاه في ليله ونهاره ، ويصحبه في حله وترحاله ، فلا يصدر إلا عن رأيه ، ولا يقدم على أمر إلا بعد مشورته . ومنهم المواظب على حضور مجالس العلماء دون اختصاص بواحد منهم . وأقلهم حظاً من العلاقة بالعلماء ذاك الذي تربى على يد شيخ في طفولته ، ثم انطلق في مجالات الحياة .
    وهذا - لا ريب – كان يحفظ لشيخه خاصة ، ولجنس المشايخ عامة حرمة في قلبه ، فينظر إليه بعين التبجيل والتعظيم ، فيبقى شيخه كبيراً وهو صغيراً مهما كبر ، ويبقى الشيخ هو المعلم وهو التلميذ مهما تعلم .
    المجتمع كله كان يثق بالشيخ ويجله ، ويحفظ له حرمة ، ويعرف له قدراً .
    أما اليوم فإن النظرة العامة إلى المشايخ قد اختلفت ، والرأي العام فيهم قد تحول ، فرغب الناس عنهم بعد رغبتهم فيهم ، وزهدوا فيهم بعد إقبالهم عليهم ، حتى إن كثيرين لا يجتمعون في حياتهم كلها بشيخ واحد ، بل إن بعضهم إذا اجتمع مصادفة بشيخ في مجلس تحرج من مجلسه ذلك ، حتى يفارقه أو يفارقه الشيخ فيشعر بالراحة والانبساط .
    العلماء في نظر هؤلاء يمثلون الجانب الآخر من المجتمع ، ذلك الجانب الذي يسمعون عنه ولا يريدون أن يروه .
    حتى الذين يرتادون المساجد ، ويسمعون المواعظ والخطب ، صار الكثيرون منهم لا ينظرون بعين التبجيل والتعظيم إلى من يسمعونهم ، ويأخذون عنهم ، وربما جلس في خطبة الشيخ ، ثم خرج فتكلم عنه بالسوء ، وربما أضمر السوء في نفسه حذر الوقوع في الغيبة !!!
    فما السر ؟؟!!!
    هل فسد الناس كلهم هكذا وخبثوا دونما سبب معلوم ؟ وهل تحولوا فجأة إلى شياطين بعد أن كانوا ملائكة ؟ وهل انقلبوا على العلماء دون جريرة اقترفوها ؟
    هل من المجدي أن يحمّل العلماء المجتمع مسؤولية واقع ساهموا في إيجاده ؟
    إن المجتمع معذور - إلى حد ما - في غياب الثقة السالفة في علمائهم ، لأنهم يعيشون في واقع يؤثر فيهم فيتأثرون ، فأحوالهم ليست إلا نتائج أوجدتها مقدمات ليست من قِبَلهم . ولا بد من الشفافية في بحثها .
    تياران ظاهران يمثلان النسبة الكبرى من شيوخ هذا العصر ، إلا من رحم ربي ، بهما فقد الناس ثقتهم في جنس العلماء عامة .
    أما الأول فهو فريق علماء الدنيا ، الذين اتخذوا العلم الشريف وسيلة لأغراض دنيئة ، فكانت الدنيا أكبر همهم ومبلغ علمهم ، علم الدين عندهم سلعة ثمنها بخس دراهم معدودة ، يأكلون أموال الناس بالباطل ، يستكثرون من الدنيا حلالها وحرامها ، يأخذون ولا يعطون ، يطرد الفقير والمسكين عن بابهم وأموال الناس في أيديهم ، همهم في الدنيا مسابقة أهلها ، أهمتهم القصور الشامخة والمراكب الفارهة ، يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم ، داهنوا السلطان طمعاً فيما عنده ، فحرفوا الدين ، وزيفوا الحق ، وقلبوا الحقيقة ، فهم في نظر الناس كالذئب الذي يمثل دور الحمل ، انصرفت قلوب الناس عنهم ، فكانوا شراً ووبالاً على الإسلام وأهله ، والعلم وذويه .
    وأما الآخرون فهم علماء صالحون مخلصون ، معرضون عن الدنيا وزينتها ، زاهدون في المناصب وفتنتها ، لا يرقى إلى استقامتهم شك ، ولا يتهمون في دينهم ولا مروءتهم ، غير أنهم بسطاء قي تفكيرهم ، لا يشعرون بما يتطلب العصر الحديث منهم ، أو لا يقوون عليه ، اشتغلوا في علم نافع ، ولكنهم عن انصرفوا عن العلم الضروري ، يحسنون الكلام في أمور الدين ، ولكن كأنهم لا يعيشون في هذه الدنيا ، فالسياسة والاقتصاد ، وعلم النفس والجغرافية ، فضلاً عن الحاسوب وتقنياته والإنترنت ومجالاتها ، علوم أجنبية عنهم ، لا يعرفونها ولا تعرفهم ، بل ربما كانت في نظرهم محرمة تبعد عن الله وتصد عن سبيله ، اعتزلوا المجتمع فعزلهم ، وانفصلوا عن حركة الزمان فأسكنهم الزمان وجمدهم ، فالناس يرونهم بركة الزمان ، ولكنهم من غير هذا الزمان جاؤوا ، ولغيره خلقوا ، فهم يعيشون في العصر الحديث بعقلية القرون الوسطى .
    فإن كان الناس قد فقدوا ثقتهم في أشخاص الفريق الأول ، فإنهم قد فقدوا ثقتهم في آراء الفريق الثاني وإن كانوا محترمين كأشخاص .
    وبين الفريقين ضاع الدين .
    فلا الأول أهل لاحترام الناس ، ولا الآخر قادر على مجاراة تطلعاتهم ومسايرة تقدمهم .
    هذه هي المقدمات فما النتيجة ؟
    لما فقد الناس ثقتهم في العلماء - أشخاصاً وآراءً - فقد العلماء قدرتهم على التأثير ، فكلامهم يذهب في الهواء ، ومواعظهم لا تلقى آذاناً تصغي ولا قلوباً تتأثر ولا جوارح تستجيب ، وصار العلماء عاجزين عن تغيير أصغر سلوك فردي وأصغر ظاهرة اجتماعية ، فضلاً عن إحداث تغيير في حال الأمة ، لأن الناس صاروا يسمعون بآذان رؤوسهم ، بعد أن كانوا يستمعون بقلوبهم وعقولهم وكل جوارحهم .
    ولم يتوقف الأمر عند انعدام الأثر ، إذاً لهان الخطب ، ولكن الناس لما فقدوا ثقتهم في علمائهم هجروا مساجدهم ، وأعرضوا عن دينهم ، وانصرفوا عن صراط الهدى إلى سبل الضلال ، لأن غالب الناس عوام في تفكيرهم ، والعامي لا يميز بين المبادئ والرجال ، فيعتنق المبدأ إذا أحب صاحبه ، ويكفر بالمبدأ إذا استاء من حامله .
    عندها خلت المساجد إلا في الجمع والأعياد ، وصار الذين يأتونها يأتون بدافع الواجب التعبدي المحض ، بعد أن كان الحب هو يدفعهم ، والشوق يجذبهم .
    فهل نبالغ إن قلنا : إن المسؤول الأكبر عن بعد الناس عن الدين ، وهجرهم للمساجد هو العلماء ، وإن عامة الناس ضحايا لا مجرمون ، لأنهم كانوا أصحاب ردود أفعال ، والأفعال بدأت من العلماء .

  10. #10
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2007
    الدولة : سيرتـا
    العمر : 46
    المشاركات : 3,845
    المواضيع : 82
    الردود : 3845
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي الجواب الثاني

    وأما التساؤل التالي فهو يتصل بخطبة الجمعة على وجه الخصوص ، ثم قس عليها كل مناسبة وعظ أو تذكير .

    لماذا فقدت خطبة الجمعة في معظم بلدان العالم الإسلامي تأثيرها البناء ، وقدرتها على شحذ الهمم وشحن العواطف وتغيير المسار ؟
    لماذا صارت فعلاً تعبدياً محضاً بعد أن كانت مؤتمراً اجتماعياً عاماً يمارس الدور الريادي في البناء والتحريض ؟
    ولماذا أمسى الناس يأتونها - إن أتوها - بقصد إسقاط الفرض وتجنب الوزر ؟

    نقرأ في السنن ثواب الذي يأتي صلاة الجمعة في الساعات الأولى من النهار ، ثم ننظر فنرى معظم المصلين لا يأتونها إلا بعد صعود الخطيب المنبر ، ومنهم من يحرص على إدراك الصلاة لا غير .
    ولقد رأيت في أكثر من بلد من بلدان العالم الإسلامي شباباً يقضون وقت الخطبة وهم يتحادثون في فناء المسجد واقفين أو ماشين ، حتى إذا أقيمت الصلاة انتظموا في الصفوف .
    فمن وراء هذا ؟ أهم الناس قد فسدت عناصرهم وتغيرت فطرتهم ، أم هم الخطباء ما عاد لهم ذلك الحضور وتلك الجاذبية ؟!
    أظن الجواب واضحاً لذي بصيرة .
    لقد رأيت في أوساط الشباب المسلم كثيرين من أصحاب الطيش ممن وصلت ردود أفعالهم إلى حد ترك الفرائض ، فقال لي بعضهم : إني من سنوات لم أسمع في خطبة الجمعة موضوعاً واحداً يلامس حياتي ، ويعالج مشكلاتي ، إنما هي القصص المعادة التي سمعناها حتى حفظناها ، والأسلوب الإنشائي الذي يشبه ما كنا نقرؤه في كتب الإنشاء المدرسي ، ورفع الصوت وخفضه دون طائل وراء ذلك ، ومضمون أجوف إذا وضع على ميزان هذا العصر ومشكلاته ، والشباب وهمومه ، لما وزن مثقال ذرة . لذلك ترك ذلك الشاب الجاهل صلاة الجمعة ، وهو بذلك - لا ريب - آثم ، ولكن يشاركه في الإثم من حمله على ذلك .
    لقد اقتصرت خطبة الجمعة في الغالب على موضوعات مكررة حفظها الصغير والكبير، حتى مل الناس سماع مواعظ الأوراق المهترئة من كثرة ما أعيدت وطرقت ، وسئموا من الركون إلى شيوخ لا يحترمون عقولهم ، ويخاطبونهم ذاك الخطاب القديم الذي لا يتجدد ، وكأن معين الدين قد جف ، وكأن الإسلام لم يأت بعلم لا ينفد ، وفكر لا ينضب .
    بعض الخطباء يرتجلون خطبهم ، وليس لهم قدرة على الارتجال وليسوا من أهله ، فيأتي كلامهم مفكك الأوصال لا ترابط بين أجزائه ، سطحي الطرح لا عمق في مضامينه .
    وبعضهم يحضر خطبته ويتعب في إعدادها ، ولكن من أين يستمد مادتها ، ويأتي بأفكارها ؟؟ إنه يستمدها من بطون الكتب التي علا عليها الغبار ! فيأتي بكلام لا يمت إلى واقع الناس بصلة .
    وكان أولى به أن يستمدها من الواقع الذي بين يديه ، ليعالج مشكلات تتفاقم وتزداد يوماً بعد يوم ، فالناس إلى الكلام عن أحوالهم أحوج منهم إلى غيره ، وقصص الماضي وحكايات التراث ليس لها جدوى ما لم ترتبط بإسقاطات على الحاضر المعيش .
    وربما اعتذر بعض الخطباء في بعض بلدان العالم الإسلامي فقال : إن أوضاع السياسة في بلادنا تضرب حولنا سوراً لا نستطيع تجاوزه ، تحدد لنا نطاقاً ضيقاً من حرية الكلام تمنعنا من الخروج عنه ، فعندنا الكلام عن الجهاد محرم ، وفضح قوى البغي والإفساد يوجب التبعة ، أفليس لنا في هذه القيود عذر ؟!
    فأقول لهم : نعم إن لكم عذراً ، ولكنه أوهن من نسج العنكبوت ، وليس هذا العذر إلا جرياً على أسلوبنا المعتاد في التبرؤ من المسؤوليات ، وتحميل أوزارنا كاملة للغير .
    فالعاقل لا يعدم الوسيلة ليصل إلى ما يريد ، وإن منعتك السياسة من دخول باب ، فإن دونك أبواباً كثيرة لا تزال مفتحة ، وما أكثر مشكلات المسلمين التي تستوجب الحل السريع ، مما ليس للسياسة فيه مدخل ، وما على الخائض فيه جناح !!
    ولكننا نتقن فن تبرئة الذات ، من خلال تحميل كل أوزارنا وتبعاتنا للطرف الآخر كائناً من كان .
    إن زهد الناس في سماع المواعظ والخطب ساهم فيه عاملان اثنان : زهده في المتكلم وزهده في كلامه .
    فهو أحياناً غير مقتنع بشخص الخطيب ، فكيف يتأثر بكلامه ؟! وفي الأحيان الأخرى إن كان لا يعرف شخص الخطيب ولا يعرف عنه سوءاً ، فإنه لا يسمع منه ما يهمه سماعه ، ويشعر بأهميته في واقعه .
    لا يخفى على أحد أن معارف الناس قد تطورت ، بل تضاعفت في هذا العصر الذي يسمى " عصر المعلومات " ، ولم يجار هذا التطور المعرفي تطوير ذاتي من قبل العلماء ، حتى صار كثير من المسلمين إذا حضروا خطبة الجمعة ، يشعرون بفراغ الخطبة وفراغ الخطيب ، ولعل الواحد منهم عنده أضعاف ما عند الخطيب من المعارف التي يعرضها عليهم مباهياً بعلمه ، مفتخراً ببلاغته ، وكأنه اخترع قنبلة ذرية ، فترى هؤلاء المثقفين الحاضرين لشعورهم بفراغه يكثرون النظر في الساعة مستكثرين الوقت الذي يمضي وإن قل ، ولذلك تراهم يعدون أخطاء الخطيب لانعدام الثقة وعدم حصول الفائدة .
    وعند فئة من الخطباء ، لم يتوقف الأمر عند انعدام التأثير ، بل لقد ساهموا في تعميق الأزمة النفسية التي يعيشها معظم المسلمين ، زادوا حلكة الليل فوق ما هو حالك ، وعمقوا قنوط الناس فوق ما هم قانطون ، صلوا بالناس صلاة الجنازة على أمتهم ، فخرج المخلصون من المسجد وقد سدت الأبواب في وجوههم ، وقد سدها من كان عليه فتحها وبيان سبلها .
    تراهم يقصون على الناس أخبار أعداء الإسلام ، وكيف أن الإنسانية كلها احتشدت للقضاء على الإسلام وإبادة المسلمين ، فيرغي ويزبد ، ويبرق ويرعد ، فتتحول الخطبة إلى مجرد نشرة أخبار محبطة ، حتى إذا وصل السامع إلى السؤال الجوهري : ما الحل ؟؟ ما العمل ؟؟ ما المخرج ؟؟ قال الشيخ : أقول قولي هذا وأستغفر الله ، ونزل إلى صلاته تاركاً هؤلاء المساكين في إحباطهم وتخبطهم .
    وما ذاك إلا لأن الخطيب نفسه غائم الرؤية مضطرب الفكر حائر الجنان ، يجهل الحل ، فيعلن جهله على الملأ ، بأسلوب محبط يئد كل أمل ، فهلا إذا جهل أمسك ، وعمل بالحديث الشريف : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت " .
    ولا نبالغ إذا قلنا إن الهزيمة النفسية التي تفتك بجماهير الأمة ، قد ساهم علماؤهم من حيث يشعرون أو لا يشعرون في تكريسها وتعميقها ، بينما كان المنتظر منهم أن يخرجوا بهم من أزمتهم ، ويبينوا لهم نهاية النفق ، ويدلوهم على طريقها ، لا أن يغلقوا كل باب مفتوح ، ويقتلوا كل أمل حي .

صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. إنهم يظلمون الإسلام وأهل الإسلام له أظلم
    بواسطة السعيد شويل في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 03-03-2024, 08:57 PM
  2. الفرحة في الإسلام وفلسفة أعياد الإسلام
    بواسطة فريد البيدق في المنتدى الحِوَارُ المَعْرِفِي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 02-03-2010, 06:28 PM
  3. جمع القرآن: في مراحله التاريخية من العصر النبوي إلى العصر الحديث
    بواسطة بابيه أمال في المنتدى المَكْتَبَةُ الدِّينِيَّةُ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 16-12-2007, 04:39 PM
  4. شيخ الإسلام في مواجهة الظلام
    بواسطة عدنان أحمد البحيصي في المنتدى مُنتَدَى الشَّهِيدِ عَدْنَان البحَيصٍي
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 20-12-2006, 12:47 AM
  5. مواجهة
    بواسطة خالد عمر بن سميدع في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 01-08-2006, 10:12 PM