أحدث المشاركات
صفحة 3 من 3 الأولىالأولى 123
النتائج 21 إلى 27 من 27

الموضوع: /// علماء الإسلام في مواجهة تحديـات العصر ///

  1. #21
    أديب
    تاريخ التسجيل : Sep 2008
    الدولة : أرض الله..
    المشاركات : 1,952
    المواضيع : 69
    الردود : 1952
    المعدل اليومي : 0.34

    افتراضي


    أخي هشام ..
    سلام الله عليكم ورحمته تعالى وبركاته..
    العلماء يعوِّلون على الشباب ..
    والشباب يعوِّل على العلماء..
    الشباب يترددون على المساجد..
    ولكن أخي الكريم..
    منذ استقلال الدول الإسلامية ..
    ظل الإمام يشرح الإسلام في المساجد التي يحضرها على الأقل نصف الشباب ..
    لِمَ لمْ يحدث تغيير؟
    هنا السؤال؟؟
    لأن الميدان للعلمانية والقوانين الوضعية ..لسلطة الخفاء ..
    أفعالها التدميرية التهديمية ..
    تسعين بالمائة يرغبون في تغيير الحياة ..يعجزون أمام نظام مدجج بالسلاح..
    المشكل ..مشكل ميدان لادعوات مجرّدة ..
    ما أكثر كلام العلماء النظري ..ماأقل التطبيق..
    ما أضعف التحقيق..
    بالغ تقديري لكم وللعالم المحترم جزاكما الله خيرا..


  2. #22
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2007
    الدولة : سيرتـا
    العمر : 46
    المشاركات : 3,845
    المواضيع : 82
    الردود : 3845
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي الجواب السادس

    وائذنوا لي أن أنتقل إلى تساؤل عظيم الخطر .

    أين العلماء من أعداء منظمين تنظيماً دقيقاً ، يتربصون الدوائر بالإنسانية عامة ، وبالإسلام خاصة ، وضعوا لتدمير الحضارة الإنسانية ، واجتثاث جذور الفضيلة ، ونسف المبادئ النبيلة ، خططاً خبيثة محكمة بعيدة الأمد ، ثم انتقلوا - في غفلة من العالم - من طور التخطيط إلى طور التنفيذ ، وكان المسلمون واحداً من أهدافهم ، بل من أولها وآكدها ، فجعلوا يعملون على التدمير في كل مجال وعلى كل صعيد ، في الأخلاق والعقائد ، في الدول والمجتمعات ، في السياسة والإعلام والاقتصاد ، في الدين والدنيا ، وعلماء المسلمين أين هم ؟؟
    أين هم من الوقوف في وجه المخططات الماسونية ، والسياسة الصهيونية ، والأفكار الوجودية ، والاقتصاد الشيوعي ، والعقيدة المادية الجدلية ؟؟
    لقد انشغل الراعي بمزماره وأغانيه ، التي صارت نشازاً ينفر منها القطيع ، فانفض عنه القطيع متشرذماً . وبقي هو يلهو بمزماره وأناشيده ، بينما قطيعه يتفرق في كل جهة ، فصار صيداً سهلاً لذئاب طال انتظارها لغفلة الراعي ،وعز عليها زماناً طويلاً أن تنال فرداً من القطيع بسوء ، حتى صار بين يديها دون حارس يحميه ، تفتك منه بمن تشاء .
    ظهرت في التاريخ الإسلامي حركات فكرية وسياسية هدامة ، بذلت جهوداً كبيرة في سبيل تخريب العقول وإفساد العقائد ، ولكن العلماء كانوا يقفون لها دائماً بالمرصاد ، يكشفون ويفضحون ، ويردون ويفحمون ، يساندهم في ذلك الخلفاء والأمراء ، بل حتى عندما كان بعض الخلفاء أو الأمراء ينحاز إلى صف تلك الحركات ، كان العلماء وحدهم - والله معهم - يقاومون الحليفين معاً ، ولنا في موقف أحمد بن حنبل وأصحابه أمام المعتزلة وخلفاء بني العباس الثلاثة مثل يحتذى ، ولولا صمود الإمام أحمد بن حنبل والنفر القليل الذين معه لضاعت الحقائق ، واختلط الحق بالباطل .
    ظهرت بدع الجبر والإرجاء ، والاعتزال وإنكار القدر ، والتجسيم والتعطيل ، ثم تطورت الفتن ، فظهر الشعوبيون والزنج والقرامطة ، ودخلت على العالم الإسلامي فلسفات اليونان وهرطقات الفرس ، والعلماء يتصدون لذلك ، ولا يدسون رؤوسهم في التراب ، بل أطلقوا ألسنتهم وشحذوا أقلامهم في وجه الفتن حتى زالت ، وقارعوا دولة الباطل بمثل سلاحها حتى دالت .
    لقد كان العلماء يطيرون أنفسهم ، ويغيرون خططهم ، ويعدلون أسلحتهم ، بحسب ما تقتضيه الفتن الحادثة ، والخطوب المتجددة .
    فكان أن نشأ علم التوحيد على يد أبي الحسن الأشعري ، الذي استخدم لغة المنطق وأساليب المتكلمين في تقرير مسائل علم التوحيد ، ليحسن الرد على المعتزلة بمثل لغتهم ، ويبين ضلال ما ذهبوا إليه بمثل منطقهم . وخاض أبو حامد الغزالي في بحور الفلسفة اليونانية ، فأحسن تفنيد عقائدها الباطلة ، ورد حججها بحجج تقابلها من مثل نوعها ، وهكذا كنت تجد عامة العلماء ، كلما ظهر فكر جديد ، أشبعوه درساً وتمحيصاً ، حتى إذا هضموه أطلقوا سهامهم الصائبة التي لا تخيب .
    فأين أمثال هؤلاء العلماء اليوم ؟
    والأعداء اليوم صاروا أكثر تفنناً في أساليب الحرب الفكرية ، أكثر إتقاناً لفنون الغزو الثقافي ، وقد تحول عملهم من حركات ارتجالية ذات أفكار منحرفة أو مطامع محدودة ، إلى منظمات تعمل وفق خطط داهية ، مدروسة الأهداف ، بعيدة الأمد ، متشعبة النشاطات .
    أين العلماء اليوم من الصهيونية والماسونية والشيوعية والوجودية والقاديانية والبهائية وشهود يهوه ... ؟؟؟
    هل وقفوا من كل هذه المنظمات وغيرها كوقفة أبي الحسن أو أبي حامد ، أو ابن رشد أو ابن تيمية مما كان في أزمانهم ؟
    هل عرفوا عامة المسلمين فساد العقائد الوافدة ، وخطورة الحركات الغازية ، ليكون ذلك وقاية لهم من الخطر قبل وقوعه ؟
    يؤسفني أن أرى علماء الإسلام أمام هذه التحديات الكبيرة قد انقسموا في غالبهم ثلاث فرق ليس فيها ما يوازي خطورة الحال .
    فمنهم فئة - ليسوا بالكثيرين عدداً - ولكنهم فاعلون مؤثرون ، اخترقهم الأعداء ، واتخذوهم أعواناً لهم ، ينفثون سمومهم في عقول الشباب ، وكم من شيخ استقطبته المحافل الماسونية فكان من خدامها المخلصين ، وكم من داعية طمع في منصب أو جاه ، فداهن أهل الباطل وتقرب إليهم طمعاً فيما عندهم من مفاتيح الأبواب المقفلة ، فقلب الحق باطلاً ، ولبَّس على المسلمين أمر دينهم .
    ومنهم من غفل عما يدبر للأمة ، فكان سبباً لغفلة الناس بغفلته ، قد يكون عالماً جليلاً مستوعباً لأمهات كتب الأقدمين ، قادراً على التصنيف في فروع الفروع التي لا تهم معظم الناس ، ولا يُحتاج إليها في القرن مرة واحدة ، ولكنه لم يسمع عن بروتوكولات حكماء صهيون إلا ما يسمع العامي ، ولا يعلم ماذا فعلت أفكار ماركس وسارتر بشباب الإسلام ، ولم يعرف يوماً من هو داروين وماذا أبطل من عقائد المؤمنين ، فإذا كان هذا حاله فماذا ينتظر منه أن يقدم للأمة ؟!
    ومنهم من حاول الدفاع ، فكان دفاعه متعثراً ، أحسن ما يقال فيه إنه جهد مخلص يؤجر عليه ، ولكنه يفتقر إلى الأسس العلمية ، أخذ معلوماته عن أولئك الأعداء المنظمين أصحاب الخطط العتيدة من قصاصات الجرائد ، وأطراف الأخبار ، ومن أفواه الناس ، ثم أتى بها في خطبة جمعة أو محاضرة نارية ، أو أودعها في كتاب أو مقال حماسي مثير ، فشعر بالرضى عما فعل ، ولم يعلم أن الجيش الجرار لا يقاوم برشقات أحجار .
    مثل تلك المنظمات لا يمكن مقارعتها إلا بجهود مخلصة ، وخطط محكمة ، وصفوف موحدة .
    وتلك مسؤولية العلماء قبل الجهلاء ، وواجب الأئمة قبل سائر الأمة .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #23
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2007
    الدولة : سيرتـا
    العمر : 46
    المشاركات : 3,845
    المواضيع : 82
    الردود : 3845
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سعيدة الهاشمي مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

    هم القدوة أخي هشام، ووالله لو توحدت كلمتهم لأثروا في القادة ولتبعتهم الشعوب كاملة

    لكن المشكل فيهم وفينا، هم انشغلوا عن الأمة حتى انقسم أبناء الأمة بين مؤيد لهم وبين

    ناقد ولا مبال ونحن تهنا وسط الانقسان نؤيد من نريد وننقد من نريد دون معرفة لم نحن مع هذا أوضد ذاك؟

    عليهم أن يقفوا وقفة ذاتية مع أنفسهم ويوحدوا الكلمة لتتمكن هذا الأمة من السير على النهج الصحيح مجددا.

    هم عماد البيت ويجب أن يكون هذا العماد متينا لكي لا ينهار البيت.

    يا ذا الجلال والعزة انصر إخواننا في غزة.

    تحيتي ومودتي.
    الأخت المورقـة / سعيدة
    أولا أتمنى أن تكوني بخير و عافية أيتها الصديقة الغالية .
    نعم أوافقك الرأي في أن علماء الأمة هو عماد البيت و لا بد أن تكون أركانه متينة كما تفضلتِ كي يحافظ على قوته و وجوده ضد كل العواصف و الأعاصير و بالأخص الفكرية منها .
    ممتن لهذا الحضور البهي
    تحيتي لقلمك و فكرك

  4. #24
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2007
    الدولة : سيرتـا
    العمر : 46
    المشاركات : 3,845
    المواضيع : 82
    الردود : 3845
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناصر البنا مشاهدة المشاركة
    عزيزي هشام
    رغم مايقال أن الحوادث توحد الصفوف ومع ما وحدت بالفعل إلا أن دور العلماء لم يكن بالشكل المطلوب
    وانقساماتهم باتت تشكل محور انشغالاتهم بالشكل الأولي .
    ومنهم علماء السلاطين القابعون على موائدهم والمكممة أفواهم عن قول كلمة حق عند سلاطينهم .
    لذا ربما يحتاج البعض منهم إلى تحرير أنفسهم أولا ً لتحرر بهم بلاد المسلمين .
    خالص تحيتي
    الأخ الحبيب ناصر البنا أشكرك على مرورك الكريم أخي و بلا شك أقاسمك وجهة نظرك , فدورهم اليوم ضعيف جدا بالنسبة للمخاطر التي تواجه الأمة و على كل الأصعدة و خصوصا الفكرية .

  5. #25
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2007
    الدولة : سيرتـا
    العمر : 46
    المشاركات : 3,845
    المواضيع : 82
    الردود : 3845
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي الجواب السابع و الأخير

    وأخيراً وليس آخراً ، أتساءل ويتساءل كثيرون معي :
    ألن يتوقف العلماء عن نبش الخلافات القديمة وتجديدها ؟!
    ألن يطووا صفحة غابرة من الحجاج السقيم ، والخلاف العقيم ، في أمور لا يضر الاختلاف فيها ؟!
    ألن يكفوا عن محاربة الإخوة الأشقاء ، في حين أن بعضهم يوالون الأعداء الألداء ؟!
    لقد مزقت خلافات العلماء في الجزئيات جسد الأمة ، وأعداء الأمة ينظرون ويباركون ، بل ويسهمون في إذكاء جذوتها وتسهيل أسبابها .
    بقينا زمناً نضيع أوقاتنا في مسائل من قبيل صلاة الحنفي خلف إمام شافعي هل تصح ؟ وعكسها هل يصح ؟ وانقسمت الجماعة الواحدة في المسجد الواحد إلى جماعتين ، وفي المساجد الكبرى إلى أربع جماعات لكل مذهب صلاته ، وكأن أصحاب كل مذهب يقولون لأصحاب المذهب الآخر :  لكم دينكم ولي دين  .
    ثم خفت حدة تلك النزاعات المذهبية ، ولكن لحساب نوع جديد من الخلاف المقيت المذموم ، بين مذهبية ولا مذهبية ، وبين تيار المجددين وتيار المحافظين ، وبين فقه النصوص وفقه المقاصد ، ثم تشعبت الفرقة الواحدة ، فصارت الخلافات تشتد ، والهوة بين المسلمين تتسع .
    والعامة في كل هذا ، إما عاقلون مبهوتون لما يرون ، لا يعرفون تفسيراً له ، فكيف يكون الدين واحداً ، وأتباعه ينقسمون على أنفسهم هكذا ، وإذا كان الإسلام هو الدين الحق ، فأي إسلام هو ذلك الدين ، إسلام هؤلاء أم إسلام أولئك ؟؟؟!! وإما عميان منقادون يعلن الحرب على أخ له إن خالفه أو خالف شيخه في فكرة ما وكأنها الجهاد المقدس . وليسوا في الحالتين إلا ضحية لمن يحرك الخلافات ، ويوقظ الفتنة ، ألا وهم فئة من العلماء دفعهم إما حمقهم وإما خبثهم إلى تمزيق صف الأمة وتفريق كلمتها .
    لقد مل كثير من الناس سماع المهاترات الممجوجة المبتذلة ، التي تفتقر إلى كل مقومات الحوار الهادف ، وما زادهم الكلام فيها إلا نفوراً واستهجاناً .
    أما آن للعلماء أن يتحلوا بقدر من الوعي والإخلاص ، يخرجهم من دوامة الشقاق الموروث الذي أخذوه عن أسلافهم من ضمن ما أخذوا من تراث خالط فاسدُه الدخيل صالحَه الأصيل ؟؟!
    والداهية الدهياء تُرى في الغرب غير المسلم ، في أوروبا وأمريكا ، حيث نقل ( دعاة الإسلام ) خلافاتهم ليعرضوا أقبح ما عندهم على أهل تلك البلاد ، الذين لم يعرفوا الإسلام الحقيقي ، ولم يسمعوا عنه إلا اسمه ، ورأوا في موضعه خلافات وانقسامات ، ونفّرهم من قبول الإسلام أن علماءه يكفر بعضهم بعضاً ، ويلعن بعضهم بعضاً ، حتى إذا شاء أن يدخل في الإسلام ، فإنه يحتار بأي إسلام يأخذ ، وكل يدعي أن الإسلام معه وحده ، وأن من على غير مذهبه كافر مارق !
    بل إن نسبة كبيرة من المسلمين الجدد في تلك البلاد صاروا يسهمون في شحذ الخلافات المذهبية ، وصاروا يلقَّنون على أيدي شيوخهم الجدد الخلافات قبل أن يتعلموا أصول الدين ، فيتحولون إلى مصدر قوة للمذهب الذي هم محسوبون عليه لا للإسلام الذي اعتنقوه ، بل إنهم يضعفون بذلك الإسلام من حيث نظن أن دخولهم في الإسلام يقويه !
    كل هذا يفتك بالأمة ، والعلماء بين متفرج على ذبحها ، ومشارك يضع يده فيه ، وهم مع ذلك يرون أن ما ورد في النصوص والأشعار من فضائل العلماء ومدائحهم فيهم قيلت لا في سواهم ، فيا للعجب !!!
    إن أول ما ينبغي على العلماء فعله هو السعي في سبيل لم الشمل ، والعمل على رأب الصدع ورص الصفوف وتوحيد الكلمة ، لأن أي جهد إصلاحي لا يصدر عن كلمة موحدة سيفشل لا محالة ، وسترتطم إنجازاته بالخلافات والانقسامات التي تحيل النصر هزيمة .
    وما من أمة أغفلت إصلاح ذات بينها إلا انقلبت انتصاراتها هزائم ، وعاد نجاحها في مساعيها فشلاً .
    قبل محاربة العدو الخارجي ، لا بد من محاربة العدو الداخلي الفتاك ( فساد ذات البين ) ، الذي قد يكمن في أوقات الشدائد ، ولكن ما إن يغيب العدو الخارجي وينهزم حتى يستيقظ من سباته ، ويخرج من مكمنه ، والأمثلة في التاريخ كثيرة من قديم الأزمان ، إلى قضية أفغانستان ، وانقسام أهلها على أنفسهم بعد انتصارهم العظيم على الإمبراطورية الروسية .
    قبل السعي في كسب الأصدقاء ، لا بد من كسب الإخوة الأشقاء ، الذين تجمعنا بهم أواصر الدين ، وتربطنا لحمة العقيدة ، فما يجمعنا أكثر مما يفرقنا .
    من أشكال الوحدة التي نحتاجها ( الوحدة الجيو ثقافية ) وأعني بها التواصل المعرفي الثقافي بين علماء المسلمين في بقاع العالم الإسلامي المختلفة ، وفي سائر أقطار الأرض .
    قبل مجازر البوسنة والهرسك ، قلة من المسلمين كانوا يعلمون بوجود شعب بحاله يدين بالإسلام في قلب أوروبا ، وفيهم العلماء والأتقياء .
    وفي كوسوفو التي لم نكن نسمع عنها قبل محنتها ، علماء في الفقه والأصول والنحو خلفوا نفائس المخطوطات مخبوءة عن عيون الشيوعيين في شعاب الجبال .
    وألبانيا المسلمة ، كثيراً ما كان من يسمعني ألفظ اسمها يصحح لي نطقي فيقول : " تقصد ألمانيا ؟ " فهو لم يعلم بوجودها ، فضلاً عن أن يعرف أنها دولة يشكل المسلمون غاليية سكانها .
    وفي الصين أكبر أقلية مسلمة ، غير أننا لا نعرف عنهم أدنى معرفة .
    والمسلمون في الهند ، لا تعرف الأمة المسلمة عنهم إلا النزر اليسير من الحقائق التي معظمها مغلوط ، وعندما كنت أسأل بعض الإخوة : أتعلم كم يبلغ عدد المسمين في الهند كنت أسمع إجابات شتى أكثرها تفاؤلاً أنهم عشرون أو ثلاثون مليوناً .
    ولو كلمت أياً من عامة المسلمين عن الإسلام في أمريكا ، فسوف يفاجأ عندما تخبره أن أعداد المسلمين هناك تتراوح بين ستة ملايين في أقل تقدير ، وثلاثين مليوناً في بعض التقديرات غير الرسمية .
    فإذا كان هذا ما انتهى إليه علم المسلمين عن شعوب إسلامية عظيمة ، وجاليات مسلمة مؤثرة ، فلا ريب في أن اطلاعهم على أحوال إخوانهم هؤلاء ووقوفهم على همومهم ومشكلاتهم أمر لا وجود له أصلاً .
    فإن قيل : إن هذه مشكلة عامة ، والجهل فيها ضارب أطنابه على المجتمع المسلم بأسره ، فما ذنب العلماء في هذه المشكلة ؟ وما دورهم في حلها ؟
    قلت : إن العلماء هم مصابيح الأمة وهداتها ، فإذا لم يقوموا هم بواجب التثقيف والتوعية ، فمن يقوم به ؟ أننتظر وسائل إعلامٍ أقسمت أن تجتث الخير والفضيلة ، وتحارب الحق والهدى ؟ أم مؤسسات تعليمٍ قلبت الموازين وشوهت الحقائق ، وعاهدت الشيطان أن تجعل الباطل حقاً والحق باطلاًُ ؟
    ومن زعم أن مهمة العالِم المسلم تقتصر على الكلام في أحكام العبادات وقصص التاريخ فقد أخطأ الصواب .
    لا بد من أن يتحول منبر الجمعة ، وكرسي الدرس ، ومحراب الموعظة ، إلى جامعات تعوض ما فوتته الجامعات ، ووسائل إعلام تصلح ما أفسدته وسائل الإعلام .
    على العلماء - بناءً على ذلك - أن يثقفوا أنفسهم ويبنوا أفكارهم البناء المتكامل ، ليحسنوا تثقيف الأمة وبناء فكرها .
    في سالف الزمن ، كانت وسائل الانتقال محدودة ، ووسائل الاتصال شبه مفقودة ، فالطريق من الحجاز إلى الشام يستغرق شهراً ، فما بالك بما بين مراكش وخراسان ، والسفر على الإبل والخيول ، فيه من المشقة ما فيه ، ومع انقطاع السباب هذا ، كان تواصل العلماء في أوجه ، وكان الحوار بين أئمة الأمصار ، وكانت المباحثات العلمية ، وكان التلاقح الفكري كما لو كانوا في قرية صغيرة .
    يؤلف عالم في المشرق كتاباً ، فيصنف مغربي في تحشيته أو نقده ، أو تقريظه أو نقضه .
    ويقول عالم في الأندلس رأياً ، فيسارع علماء الشام إلى تمحيصه وبحثه ، ثم إقراره أو دحضه .
    لقد صنع المسلمون في ذلك العهد الذهبي ما يصلح أن يسمى عولمة فكرية ليس لها مثيل في تاريخ الأمم رغم قلة الوسائل ، فارتحلوا وتنقلوا ، وتراسلوا وتواصلوا ، حتى حققوا مصطلح ( القرية الصغيرة ) من مئات السنين .
    فأين علماء الأمة من مثل هذا التواصل اليوم ؟ وقد تيسرت لهم أسباب التواصل ، وتطورت وسائل الاتصال ، حتى إن العالم كله يأتي إلى داخل بيتك بضغطة زر ، فتتخير منه ما تشاء .
    هوة واسعة صارت تفصل بين مدرسة فكرية وأخرى داخل القطر الواحد ، فما بالك برقعة اتسعت ، وأقطار تناءت .
    صار الناس يعلمون عن قصص الفنانين ، وأخبار الرياضيين ، أكثر مما يعلمون من أسماء علماء أمتهم ، وما ذاك إلا لتقصير مشايخهم في تعريفهم بهم ، وهم أنفسهم في الغالب لا يعرفون الكثير عنهم .
    ثمة هيئات علنية معدودة ، لها نشاط في جمع أخبار العلماء ، وإحصاء المؤلفات التي تنشر لهم في أقطار إسلامية أخرى ، ولكن دائرة عملها محدودة ، وأثرها في المجتمع لا وجود له .
    لما توفي النجاشي نعاه النبي ( صلى الله عليه و سلم ) إلى أصحابه في اليوم نفسه ، فكان في ذلك تشريعُ سنةٍ إعلاميةٍ يجدر بالعلماء أن يتفهموها ، وأن ينقلوا للناس أخبار أمتهم ، وأحوال علمائها كما نقل النبي ( صلى الله عليه و سلم ) إلى أصحابه خبر أخيهم النجاشي رغم بعد المسافة .
    ومن أشكال الوحدة التي نحتاجها الانفتاح الفكري والتلاقح المذهبي .
    لقد فعل التعصب للمذهب والمدرسة وتقديس فكر ( الجماعة ) و ( الطائفة ) بهذه الأمة أشد مما فعل بها أفتك أعدائها ، وذاق المسلمون من ويلات التعصب ما أذهلهم عما يحيك لهم العدو المتربص .
    والأمثلة العملية للتعصب لا تخفى على ذي بصر ، ولا حاجة لتكرار المعلوم .
    لقد آن الوقت لوقف هذه الشجارات الصبيانية التي تتحول في بعض الحالات من شجارات كلامية إلى حروب دامية ، وجدير بعلماء المسلمين أن يغيروا هذا الحال الذي لا يرضي الله ولا رسوله ، ولا يرضي إلا إبليس وجنده .
    أمام علماء الأمة تحد كبير ، يحتاج منهم شجاعة كبيرة : أن يرفعوا الحصانة عن اجتهادات السابقين ، وأن ينتقوا منها ما وافق نصوص الشرع ، وانسجم مع روحه ، وحقق مقاصده ، ومن أعظم مقاصده توحيد الكلمة .
    ولا بد لهم من أن يعلموا أنه إذا تعارضت وحدة الأمة مع قداسة المذهب وحصانة أئمته ، فإن مصلحة الأمة تقدم ، فلنخالف آنئذ آراء أئمة المذهب ومشايخ الطريقة في سبيل توحيد الكلمة وتجنب الشقاق .
    فلقد مر ردح من الدهر طويل والأمم تتندر بنا ، وتضرب بتفرقنا الأمثال ، وما كان تفرق العامة إلا نتيجة لتفرق العلماء ، ولا تكون وحدتهم إلا بوحدتهم واتفاقهم .
    ومن أهم أشكال الوحدة التي نحتاجها إيقاف النزيف الذي تفقد به الأمة يوماً بعد يوم خيرة شبابها المثقفين ، الذين لم تتيسر لهم التربية الإيمانية العقلانية ، فنشؤوا مسلمين بالتقليد ، حتى إذا شبوا عن الطوق ، وخرجوا عن دائرة التبعية للبيئة التي ربوا فيها ، تلمسوا حقائق الإسلام العقلانية المقنعة ، التي لا يأباها العقل ، فوجدوا موضعها طروحاً نفرتهم ، وأفكاراً لا برهان عليها ، وارتطموا بعلماء لا يفقهون لغة المنطق التي يفكر بها هؤلاء الشباب ، كانوا سبباً في إعراض الشاب عن الدين لا لفساد عنصره ، بل لسوء عرضه عليه .
    وبسبب انعدام حكمة هؤلاء ( العلماء ) لو جاز لنا أن نصفهم بهذا الوصف الشريف ، تخسر الأمة شباباًُ من خيرة أبنائها ، هي إليهم أحوج منها إلى ملايين من المتلقنين المقلدين.
    على العلماء - تجاه هذا التحدي - أن يتعلموا أولاً منطق البحث العلمي المجرد ، الذي يقبل مناقشة كل رأي مهما بلغ تطرفه على أساس من المنطق البحت ، ليتوصلوا منه إلى منطق الحوار العلمي الهادئ ، الذي يحترم كل رأي ولا يلزم أحداً بتبني فكرة ما لم يأت عليها ببرهان دامغ .
    ثم عليهم أن ينزلوا من صوامعهم وأبراجهم ، ويفتحوا صدورهم وقلوبهم لكل سؤال ، وأن يتقبلوا كل نقاش ، ليدخل إلى رحاب الإسلام من كان قد خرج .
    عليهم أن يصلحوا ما أفسدوا ، ويعيدوا بناء ما هدموا .
    وفي الختام
    ربما بدا للبعض أن هذه الصورة القاتمة التي قد رسمناها آنفاً قد جاوزت الواقع وأغرقت في التشاؤم ، وأن كل ما سبق كلام غير مسؤول ، ولا يستند إلى أساس ، وأن الحال ليس بهذه الدرجة من السواد .
    هؤلاء معذورون في هذا الظن لجهلهم - لو عذر الجاهل - لأنهم نأوا بأنفسهم عن واقعهم فلم يدروا ماذا يحدث من حولهم .
    ولعل العاقلين أصحاب الأبصار والبصائر ، يعلمون أني لم أجاوز الواقع في حرف واحد مما مضى ، وما كان ذلك إلا إيضاحاً للحقائق المستورة ، ورفعاً للحجب التي يصر البعض على إسدالها على تلك الحقائق ، وما زدت على أن وضعت يدي على الجرح الذي ما فتئ الآخرون يغضون الطرف عنه ،حتى استفحل أمره ، وعظم خطره ، وصار لا بد من استئصاله ما لم يمكن علاجه ، قبل أن يودي بالجسد كله .
    وأنا في كل ما ذكرت ، لا أنأى بنفسي عن المسؤولية ، ولا أتكلم من علٍ ، ولكنني في كل كلمة قلتها أتهم نفسي قبل غيري ، وأطلب الصفح من الله عما مضى والعون على ما بقي ، وما كان الكلام الذي سبق هجوماً ممن يرى نفسه أعلى على من هم أدنى ، إنما كان الدافع وراء كل ما تقدم الحب الممزوج بالحرص لمصابيح الأمة ، الذين من ورائهم الأمة كلها ، والذين أرى أدنى واحد فيهم فوقي بدرجات ، وأقلهم قدراً أرفع مني بمراتب .
    ولقد كان التشخيص الذي تقدم مشحوناً بالحلول بين ثناياه ، تلك الحلول التي لا بد أن يكون تحقيقها بداية لنهضة ( علمائية ) تنتج بإذن الله نهضة عامة لأمة قال الله سبحانه في بيان فضلها :  كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله  ، ولن تعود هذه الأمة إلى مقامها الرفيع بين الأمم إلا بإرشاد من علمائها ، ولن تصل إلى مقام الرضوان الإلهي إلا إذا أخذ أئمتها بيدها ، وتلمسوا لها الطريق ، وساروا أمامها أئمة هداة مرشدين ، ليكونوا في الدار الآخرة أئمة الأمة إلى جنة الخلد ، ويحوزوا أعلى مراتب النعيم المقيم ، في الفردوس الأعلى من الجنة  وما ذلك على الله بعزيز  .
    اللهم هذا الجهد وعليك التكلان ، ولا حول ولا قوة إلا بك .
    عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير .
    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

    فضيلة المفكر و المربي
    باسل بن عبد الرحمن الجاسر ( رحمه الله )

  6. #26
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2007
    الدولة : سيرتـا
    العمر : 46
    المشاركات : 3,845
    المواضيع : 82
    الردود : 3845
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريما حاج يحيى مشاهدة المشاركة

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    مقال مميز ومنقول قوي ومقنع
    اخي العزيز هشام
    يحوي معلومات قيمة وشاملة، وايضا حقيقية
    خاصة ما يتعلق بالعلماء المسلمين من منطلق
    ديننا الاسلامي الحنيف فله اكبر الأثر في
    القلوب والنفوس، فالدين لا يعلى عليه
    ولا يناقش فيه وبما جاء به تقريباً كلياً..
    فتخيل لو افتى علماء المسلمين ان الجهاد
    فرض عين وواجب مقدس لنصر الاخوة
    المسلمين والاسلام، وان تعاون ومشاندة
    اهلنا في غزة بكل الاشكال هي فريضة
    على كل مسلم مقتدر وهي كذلك في محكم
    القرآن الكريم، سيتغير الوضع كثيرا للافضل.
    وتأكيدا على كلامي نداءات ائمة المساجد
    والشيوخ والمفتين لدينا بأي حدث ومناسبة
    تجد صدا كبيرا وقويا وتفاعلاً قويا ومؤثراً.
    فكيف بعلماء الأمة من فضلهم الله بعلمه؟!
    وبارك الله فيك وجزاك خيرا
    وجعله في ميزان حسناتك
    والله اكبر والله اكبر
    على كل من طغى وتجبر

    الأخت الكريمة ريما أشكرك على تعقيبك و مداخلتك القيمة و تساؤلاتك الوجيهة
    نسأل الله أن يلطف بأمتنا من كيد أعدائها و عملائهم المخلصين في بلداننا العربية
    و أن يحبط كيدهم و مخططاتهم و أن يفضحهم علمائنا و المخلصين من الشرفاء .
    دمت بخير و سلام

  7. #27
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2007
    الدولة : سيرتـا
    العمر : 46
    المشاركات : 3,845
    المواضيع : 82
    الردود : 3845
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد عيسى مشاهدة المشاركة
    ألم يصبح التظاهر ... حرام ...
    أغزة محاصرة حقاً ؟؟؟
    بل هي محررة و يمكن لأي انسان أن يدخل إليها حتى بدون جواز سفر, و لكن في متخيلات و أحلام الذين لا يعيشون واقع الإنسان العربي , لأنهم يعيشون في بروج عالية و يخافون على أنفاسهم الطاهرة من أن تختلط بأنفاس الكادحين .

صفحة 3 من 3 الأولىالأولى 123

المواضيع المتشابهه

  1. إنهم يظلمون الإسلام وأهل الإسلام له أظلم
    بواسطة السعيد شويل في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 03-03-2024, 08:57 PM
  2. الفرحة في الإسلام وفلسفة أعياد الإسلام
    بواسطة فريد البيدق في المنتدى الحِوَارُ المَعْرِفِي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 02-03-2010, 06:28 PM
  3. جمع القرآن: في مراحله التاريخية من العصر النبوي إلى العصر الحديث
    بواسطة بابيه أمال في المنتدى المَكْتَبَةُ الدِّينِيَّةُ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 16-12-2007, 04:39 PM
  4. شيخ الإسلام في مواجهة الظلام
    بواسطة عدنان أحمد البحيصي في المنتدى مُنتَدَى الشَّهِيدِ عَدْنَان البحَيصٍي
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 20-12-2006, 12:47 AM
  5. مواجهة
    بواسطة خالد عمر بن سميدع في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 01-08-2006, 10:12 PM