سلامٌ عليك غزّة
سلامٌ عليكِ وأنتِ تذرفين الدمع الزلال على الخدين الطاهرين حزنًا منّا وعلينا ، سلامٌ عليكِ وأنتِ تغرسين فسائل الزيتون وسنابل القمح في أرض تعمّد ترابها بنزف دمك الزكي لتخضر صحراء أمّتك وتبزغ خيوط الفجر من سكون الليل البهيم ؛ لتنير ظلام العروبة بين الأرض و السماء .. سلامٌ عليكِ وأنتِ ترمّمين ذكرياتنا المخترقة بين ماض عريق وحاضر سقيم ، و تدافعين عن كرامة أمّة باعها أشباه الرجال ، و شوّهوا وجهها في بورصات التخاذل والعار أولئك العبيد المناكيد فراعنة هذا الزمان .. سلامٌ عليكِ وأنتِ تفكّين عن الأرواح النائمة سلاسل العبودية ، ثمّ تكافئين بسهام الغدر والخيانة ، لكِ الله يا صابرة ..
سلامًا لعينيكِ يا جوهرة العصر وأنتِ تمزقين سياج القهر بسيف شرع ربك ، وتطهرين الأرض من نجاسات الخونة المارقين ، وتعيدين لأبجدية الضاد ألق الماضي العتيد . سلامًا لوجهك وأنتِ تلتحفين أكفان العزّة ليوم آتٍ لا ريب فيه ، وتصنعين من العجز أسطورة حبّ وتضحية وفداء . سلامٌ عليكِ وأنتِ تنبشين الماضي بمعول صبرك لتعيدي جذوة الروح للأموات ، وتنسفين بصبرك جدر العروبة البائسة ؛ هذا هو صنع الإيمان ، وتلملمين أشلاء أطفالك ونسائك من بين الركام ؛ هذا صنع العمالة وصعاليك الإفتاء من السفهاء و رويبضات هذا الزمان ، سلامًا لعينيك لن يضرّك من خذلك و سكت عن جراحاتك ونام كما تنام الأنعام .
سلامٌ عليكِ وأنتِ تستلقين تحت جنون الحصار ، وتصدّرين الشهامة لشعوب الأرض بقلب يتلو بخشوع فاتحة أمّ الكتاب ، لن تظمئي ... فالكل جوعى أمامك ، كروشهم فارغة وعروشهم زائلة ، يعرّيهم نصرك ، ويخزيهم صمتهم المفجوع ببؤسهم .. يتبجحون بسلام زائف ليخفوا عوراتهم ، ويستخفّون بكتاب ربّك ، اصبري وعلميهم كيف أنّ " النصر مع الصبر" سنّة سنّها خير الأنام .
غرّدي كما تشائي ، وحلّقي في علياء المجد معزّزة مكرّمة ، ونادي بملء صوتك "حيّ على الفلاح " يتدافع من أمامك ومن خلفك جموع الشهداء ، وارتق صدر العالمين بقلبك النقي ، وعانقي الجنان بكل فخر وكبرياء " فلا نامت أعين الجبناء " . سلامٌ عليك يابنة الأرض المقدسة لن ينال من عزمك أشقاء كذبة يعبدون التماثيل و يلوثون بأكفّ الغدر تاريخ الشرفاء ، ويقبّلون نعال الجبناء ليذبحوك ِبفمٍ متعطش لشرب الدماء وأكل لحوم الأبرياء ، سلامٌ عليك يا فخر العروبة لو تعلمين كيف لقنتِ الغافلين دروسَا عن معنى الشهادة و معنى أنْ يكون للإنسان وطن وشرف وعزّ وإباء ..
لا تعذريهم بعد الآن ، وارفعي مظلمتك إلى ربّ السماء ..هناك حيث من لا تغفل عينه ولا ينام ، واعتصمي بحبل الله المتين و " لا يغرّنّكَ تقلبُ الذين كفروا في البلاد " فثمّة حفر من النيران تنتظرهم ، وفي الدرك الأسفل سيذلّ كل الأشقياء ، لا أكرم الله من تآمر عليكِ .
سلامًا لعينيكِ أيّتها الصابرة " إنّما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب " سلامٌ عليكِ ألف سلام .