المطر لا يثير سوى الفوضى و الضجيج ...
لذا فهو يثير الذاكرة بكل هدوء ... فيبدأ يذكر أنه أول ما علمه الكتابة ، كان قد أمعن في اختيار الوقت ، بعد عصر ماطر , خال ٍ من كل الحياة ، سواء في المنزل ، الحارة المنسية .. الشوارع المقفرة ... ( اللا مدينة ) ... العالم كله بعد المطر ... عالم فارغ ... عالم بلا ذاكرة .
....في ذلك العصر ، ولوصيته الأخيرة ، اختارني من بين كل اخوته الصغار المتخفين طوال الوقت خلف صراخ غيابهم حوالي المنزل الغارق في التذكر ، بين أحراش غارقة في العزلة . دخلت ُالى ظلام غرفته العظيمة الأشبه بصالة عملاقة ، والتي كان قد اختارها ابي قبل رحيله هو أيضا ، لتكون ديوانه كما يذكر الجميع .. الآن أقف لأول مرة ككاتب ، والاحظ وانا ابن الست سنوات ، كل ذلك الكم من الكتب ، وقد انتشرت في فوضاهها ، كنباتات أحراش منزلنا الاستوائية المتنوعة ، أقف كعادتي لأول مرة ..ليلقنني أول درس ...
_ أسبرين من ( دكان دحان ) ...
كنت وسط السيل الجارف المنطلق من عينيه المائيتين ، أقـلـّب عيني في العتمة التي خلقتها كراتين الصحف والمجلات 000 رفوف الكتب العشوائية ..الرزم والاضبارات التي تحشو الفراغات الاخرى ... كل شيء ورقي ،عتمة الكتب ... ما كل هذه الأوراق ؟؟ .. ببساطة الفيلسوف .. والآن فقط عرفت أنه كان ربما سيكون حديثاً ذا شجون ..(أسبرين من دكان دحان )...! لو أني سألته .. هل الحديث عن الأدب يتطلب الأسبرين قبل الخوض فيه ؟ ..ربما كلمني قليلا ً وهو يضغط بسبابته وابهام يده اليسرى على رأس أنفه / ما بين حاجبيه , عن القراءة والكتابة , عن الكتاب والقلم , والشعر والفن ... أشياء بقيت أسائل نفسي بها وعنها قاطعاً الوحول وبقايا السيول الممزقة وهي في طريقها الأخير صوب الذاكرة ,بيدي خمسة ريالات والف توق ٍ الى الحقيقة .
وعدت ُبالأسبرين من ( دكان دحان ) لأجيب بنفسي عن أول تساؤل عشته دكان دحان دحان دكان ... لا فرق بين الكاف والحاء ....!
ومستعيدا بعضا ً من نشوى الانعتاق , وقفت حيث وقفت أول مرة في قلب السؤال , مكاني كجندي بليد , بينما , وبنفاذ صبر الحكيم , كان هويتناول ماجلبتـُه مع ماتبقى من أصوات السيول والميازيب و قطرات المطر , وبالطبع الضجيج الوحيد في العالم لاخوتي هناك ....
- أريد أن أكون كاتبا ....
مجيلا عيني بكل وله العاشق الغض في تلك الفوضى الجميلة حوله , ملتذا بشبه عتمة غرفته الورقية العملاقة... وناولني كأس الماء , تدثر ببطانيته المهترئة وسعاله المرير المديد منذ أسابيع , أشعل سجارته العتيقة , وانطلقت براقتان عيناه من جديد فيّ وفي تأملاته الأزلية المثبتة بمسامير الى أخشاب سقف غرفته ..
- ...كنّ ...
وأهداني قصصا ً للصغار , وأومأ اليّ بالأنصراف, ومع آخر أصوات كائنات المطر , وبانتظار كشفٍ جديد ٍ من فوضى مطر آخر , أقفلت باب غرفته عليه وعلى ظلامه وفوضاه التي كان هو ....
كزنبقة ٍ وحيدة ٍ في ماء ,
أجمل ما غاب فيها الى الأبد .
[/align][/SIZE][/SIZE][/B][/COLOR][/SIZE]