﴿ رِحْــلَــةُ النُّـــورِ ﴾
رحلة الزوجة المُترمِّلة التي تخوض يمَّ الحياةِ بلا زورق أو طوق نجاة
في ليلة قدسية صفحاتها
في ليلة وردية النسماتِ
بداية اللقطة الأولى
هذا الرخام على المقابر شاشة
تروي لنا عن ما مضى والآتي
من بين المقابر رأى اسمها
هذا اسم ( أم الخير ) أم صادقة
حفرته أيدى الصبر في السنوات
محفورا على قبرها فذكره
قالت ـ ولا يخفى عليَّ حديثها ـ :
" قد عشت دهرًا أنتئي عن ذاتي "
اسمها بحياتها
كم راقها وأحبت الدنيا له
نقَّت لأجل نواله النياتِ
من رام شهدا ـ يقتفي آثاره ـ
يتحمل الأزات واللسعاتِ
جلست تهاجم من أرادوا قهرها
كالفيلسوف يذودعن فكرات
بداية اللقطة الثانية
ما لي أراكم بعد صبري أعينا
تمتد تسلبني المنى .. ساداتي :
مني اسمعوا هذا البيان مُرصَّعا
بالماس والياقوت والدُّرَّاتِ
الأم كنز لا أراك مُضيُّعه
إن ضاع منك تهيم في الظلماتِ
أي الأيادي لاعبت وكأنكم
تلك العرائس في يد الشهواتِ؟
ولقد حلمت بكم طبيبا بارعا
ومهندسا ينشي لنا الخيراتِ
فأتتني أحلامي تداعب مهجتي
وقطفت آمالي جنى السنواتِ
نافحت عنكم في الشدائد مثلما
عن عشها ذادت وعن بيضاتِ
ورفعت أذكارا لكم بين الورى
أفنى وتحيا بينكم سيراتي
ورضيت عيش الراهبات وسمتهم
ترنيمتي صبرٌ على الحاجاتِ
وصبرت بالزهراء تطرق خاطري
وصبرت بالعذراء في خطواتي
ونسجت من غدر الزمان عباءة
ولبستها ثوبا من الأنَّاتِ
وحملت ألسنة الحسود تلفني
وحملت أحقاد القريب العاتي
وحملت أثقال الأرامل كلها
وحملت ما يعلو على طاقاتي
ولقد ظننت الوضع آخر شقوتي
حتى رماني الدهر بالشِّقواتِ
والمسرحيات التي شاهدتها
تخفي البكاء المرَّ في الضحكاتِ
وعزفت في شرخ الصِّبا لحن الأسى
شيَّبتم الألحان في ناياتي
رحلاتكم ـ زيجاتكم ـ متعاتكم ـ.
آثرتكم بالمال والأقْواتِ
إن الذي يروي الأمانة بالدم
أتُراه يجني الدمع في الثمراتِ؟
إن الذي حمل الجميل لغارمٌ .
ردُّ الجميل فريضة الأوقاتِ
إني نذرت المال إني قد نويــ
تُ غدا تلبِّي الروح في عرَفَاتِ
وحملت عند الحافلات حقائبي
وحدي بها أمشي إلى غاياتي
بداية اللقطة الثالثة
ولقد أحطنا ( الباص ) في إحرامنا
فكأننا الإحرام ( للباصات )
علَّقت عيني عند تلك النافذة
علَّ العيونَ تجود بالنظرات
أبصرت من تحت السِّتارة أمَّهم
تجتاحها الأحضان بالقبلات
أمسكت منديلي المبلل .. يا تُرى..
من قلبي أم من عيني يا دمعاتي ؟
لولا رحابك لم أجد لي سلوة
جُدْ لي بقلب الصخر فــ الطرقاتِ
وسمعت أشجار الطريق تُسرُّ لي :
صبرا فإن اليُسر فــ الكربات
ووقفت لما فتشوا بحقيبتي
ملآ بأنواع من السرقات
غصبا سلبت الفرح من هذي الدنا
أخفيتها عنها بذي الفتحات
هذا خطاب الحب يخطب مهجتي
قد سطر الأشواق والقبلات
( ألبوم ) عمر ضمَّ في طياته
قد خلد الهمسات والبسمات
هذا لعمري كل ما نُبقي لنا
الخط والتصوير والسيرات
ومددت عند القبر جسر محبتي
وصعدت نحو العرش بالدعوات
بداية اللقطة الرابعة
قبر النبي ، حبيب قلبي شافعي
زد لي بقرب ـ يا كريم ـ هباتي
في المدينة
وقدِمت أبواب الرضا روحي بها
تسمو وتسبح في ذًرى الرحمات
في مكة
وكأنني مستيقظ وجهَ النها
ر .. اجتاحه سيل من الهالات
هذي الأماكن قبل ذلك زرتها !
بالوجد والأشواق والرَّجَوَات
ونسيت أني من تراب عندما
هالتني أنسام من الجنات
ورأيتني والنور يجري في دمي
أسمى مراقي العشق والسُّبُحاتِ
ولممت كسر القلب في أحشائيا
وعفوت عن سهو وعن ذلات
ولمست ؛ أنَّي في الحياة خليَّةٌ
صدَّت مناعتُها قوى الهجمات
وبأنني قلب الأمومة لم أزل
أنسى الجفا وأواجه الأزمات
ورفعت أمري للسماء : أن اشملي
أبنائي بالرحمات والبركات
لا تُشقهم بجفائهم .... فلأنني
أمٌّ ؛ فلا أرضى بذي الأشتات
إن الذي جمع الحجيج لقادر
أن يجمع الأشتات في لحظات
ولقد أتتني بالطواف عطية
فبلغت حتى مسكَب العبرات
وحملت ذنبي في كفوف مذلتي
ووضعت عن قلبي غطاء موات
وسعيت سعي المستجير بربه
سعيا يفر به إلى الغايات
وذكرت ( هاجر ) والسنون تهُزها
رسخت رسوخ الشم فـ الهزات
ورويت من بئر السعادة غُلَّتي
فبعين زمزم نقتضي الحاجات
فاضت ذنوب العالمين إلى الثرى
وتلاشت الأوزار بالرحمات
وأفضت للوادي الحرام تحوطني
هالات ذكر تحتوي طياتي
وجمعت أحجارا بها سر النفو
سِ رجمت لذاتي بذي الحصيات
وأخذت من شعري الكثيف ، وليتها
تلك الهموم تُقص فــ الشعرات
وذبحت أحزاني وسالت بالدم
نهرا من الأشجان والكربات
وأهلَّ عيدٌ لولا أني ها هنا ..
لسقطت في واد من الحسرات
عيد أتم عليّ نعمة خالقي
لكنهُ لم يُكملِ الفرحات
الله أكبر .. لا يخيب من ارتجى
اللهَ أحمدُ .. حقق الرغبات
ما أجمل المحمول حين سمعته
قلبَ الحياةِ يسيلُ بالرنات
بداية اللقطة الخامسة
فحملته ، فكأنها الدنيا معي
حادثتهم ، فانسبت فـ الكلمات
قلت:اسمعوا ..سامحتكم . قالوا:اسمعي
أشواقنا نكوي بها الجمرات
ووقفت بالبيت الحرام مودعة
أشكو النوى وألملم النفحات
وحزمت أمتعتي بشوق جانحٍ
طيرٌ يشق جناحه الصُّعدات
وحضنت هاتيك الهدايا مثلما
نام الصغير بصحبة اللعبات
ورأيتهم فكأنني مصروعة
قد مسها الشيطان بالمسَّات
بدايةاللقطةالسادسة
ألقيت كل الشوق في أحضانهم
وكككك وكأنَّ ما عانيتُ كالوَمضات
ورحلت في تلك المشاعر راضيةً
محفوفةً بملائك الرحمات
وسكنت في دار العمار تظلني
أغصان ما قدمت مِن حسنات
أوكلما أنهيت تبدأ رحلة ؟
لكنَّ هذي منتهى رحلاتي
هذا السكون ستائر الدهر انطوت
عن قصة أهدت لي العبرات
وقفة تأمل من بين المقابر
أبطالها ناس الحياة وكلهم
قد أتقنوا الحركات والسكنات
تالله ما جمعت رفاتا إنما
أخفت كنوزا في ثرى الحفرات
والباغي ينبش في الزمان بفكره
يتأمل الآثار والختمات
انتهت بحمد الله الشاعر/ محمد محمود محمد شعبان ( حمادة )