أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: عام النزهة

  1. #1
    الصورة الرمزية نافع مرعي بوظو شاعر
    تاريخ التسجيل : Dec 2010
    الدولة : دبي
    المشاركات : 691
    المواضيع : 62
    الردود : 691
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي عام النزهة

    قصة قصيرة للأولاد الكبار
    جزء من روايتي " المثيرة "

    عـام الـنـزهـة




    ذهب صديقي للتنـزه في يوم ربيعيٍ ذي نحسٍ شهيرٍ فقد كان هذا اليوم الفريد الحدوث بالدهر حسب علماء الفلك القدماء يُعتبر يوم نحس بكلّ الأعراف الدنيوية،
    فاستهلّ يومه برؤية حمار كان يتمشى عند أوّل تقاطع صادفه،
    يبدو أنه مشوار سيء الطالع فمقابلة الحمار عند أوّل مُفترقٍ ليست فالاً جيداً في المشاوير طبقاً لطقوس العشيرة العريقة التي ينتمي إليها ،
    وكانت المهمة الأساسية المُناطة بالحمار حسب ما نقله لي صديقي هي في مجال النظافة إضافة إلى تهذيب الحشائش حول الزهور يبدو أنه يعمل موظفاً لدى البلدية ولا يخلو الأمر من حظه الشخصي ببعض التسلية خلال أوقات الدوام ولا عتب عليه كونه من غير العاقلين.

    رفع الصديق طرف عباءته وتربّع على الأرض و ما لبث أن افترش غطرته وراح يتأمل ويفسر عمل الموظف فصديقي يسهل عليه الولوج لعقول الحيوانات بحكم طبيعة البيئة المحيطة به وقد نسي مشواره الأساسي الذي خرج لقضائه وسبب إرباكاً للمرور بجلوسه بقلب التقاطع وصادف ذلك مرور دورية خفر لحفظ حسن سير المرور بالأقدام فمرّ عليه يوم سيء أسوء من كلّ أيامه السيئة المنصرمة فضمر للحمار شراً بقلبه، وجعل يدور و يثور بخيمته ويضرب الأرض بعقاله مطارداً أفكاره التي نزلتْ لمستوى الانتقام من كائن حي غير عاقل فقد حمّله مسؤولية جميع مشاكله الشخصية ،

    كان صديقي متعدد الشخصيات يتّخذ لنفسه صوراً متناقضةً كلّ يوم ،
    فتارةً هو شاعر يغازل أردوغان و تارة فخوراً وحليفاً للدولة الأموية وممجداً لها !
    وتارة راعياً مُرابطاً على تُخوم الإمبراطورية العربية مدافعاً عنها وتارةً يتعاون مع أعداء البلاد ليدكّ حصون كبار الحمير ويطاردهم بكل ما أوتي من قوة ،
    وتارة سياسي ديكتاتوري يظن المنطقة التي يقبع بها ملكه وحده وعليه بحكم موقعه كفرد نشيط بهذه العشيرة أن ينسق مع نفسه ويسعى للمحافظة عليها فالجميع وهبه ثقةً و ينبغي أن لا يفرّط بها ،
    وتارة رجل ديمقراطي ويعشق النظام و عليه على الأقل أن يحصل له على كرسي يتمكن بموجبه من حق النقد بمجلس العشيرة أسوةً بما يحصل بمجلس الأمن بالعلاقات بين الدول الكبرى لكي يُرضي ضميره الغائب .
    (أستميحكم عذراً بهذا التوضيح الهام فربما أكون قد كونت فكرةً خاطئةً عنهما وبنيتها على معلوماتٍ من مصادر غير موثقة بسبب تواضع المعلومات عندي نوعاً ما عن كلا المذكورين )
    على أية حال مرّت الحميرُ عليه ومرّ هو عليها أعز الله مقداركم.

    وخلال برهة ونيف من التأمّل شعر بفطنته التي انفطم عنها منذ زمن بعيد أنه قادر على كل ما شعر به، فبثّ خرافه الأشاوس يتقصّون الأمر فأفادوه بعد ثوان أن جيشاً عرمرماً أصبح جاهزاً غير هيّاب للمعارك مكوّن من قطيع من الخرفان الخارقين . .

    لم يتحمّل الحمار المتحضّر هذه الإهانة ودقت ساعة الخطر لديه وصاح لخرجه المدجّج بالأشواك و أعضاء جسده أن تقدمواااااا إلى القتاااااااال !
    فهبّ جميع جسمه رافعاً عقيرته بصيحات النصر المنشود التي رافقها شهيق و نهيق صبّ جامه على الخرفان فوقع القطيع المهاجم فريسةً سائغةً لغريزة الخوف التي وُشِم شعر جلودهم به ونكسوا على أعقابهم مذعورين مخلّفين ورائهم أسرى مستسلمين باستثناء عدد من الكباش التي تابعت المعركة لنهايتها عن بعد فهي لا تهاب شيئاً ليس من شدة الشجاعة ولكن لشدة الجهل و البعد عن أرض المعركة بنفس الوقت و بالمناسبة صديقي كان يعتبر نفسه أشجع مخلوقٍ بالعشائر قبل المعركة ،

    وبعد المعركة تبين غير ذلك حيث لم يتمكنوا جميعاً من الحمار الوحيد لكنها كانت معركة ضارية فقد ذنبه على إثرها( الحمار وليس صديقي ) لكنه دافع عن حيوانيته ببسالةٍ لكي لا يصبح كالبشر بدون ذَنَبٍ ولكنّه قدره وقد حلّ به .
    كان عدد الأسرى بالضبط ثلاثة رؤوس وقعوا بالحفرة التي حفروها للحمار وهو بعض القطيع الذي حاول الهجوم على الحمار آنف الذكْرِ وهو مخلوق أسود الشعر وأبيض البشرة طويل الرقبة لم تر عين حماراً ودوداً كشكلهِ قط وهو مواطن بالأصل ويمتلكُ شارباً بدا محترماً له و تحدّى الإنسانية بحيوانيّتهِ فأطلق سراح الأسرى بعد أن أصدر عفواً عاماً عن جميع الأسرى لديه ،
    الأمر الذي فُسّر بأنّه نباتي ولا يأكل اللحوم وليس كرم أخلاق حسب صديقي الذي لا يعجبه العجب.

    وكان هناك إصابة بحالةٍ خطرةٍ في صفوف الخرفان حاول الممرض الذي أولاه صديقي مهمة معالجتها معالجتها ولما حاول بعض جهده ولم يفلح كونه ليس ممرضاً بالأصل ، قرر ذبحها من منطلق إنساني وبيعها كما هي إلى الجزّار في العشيرة المجاورة بثمنٍ بخسٍ فصدّرها له كما تصدّر عشيرته إنتاجها الخام ليشتريها لاحقاً منه لحماً مقطعاً كما تشتري عشيرته اللحوم المستوردة على شكل معلبات ، فمن شابهَ عشيرته ما ظلم حسب قول صديقي الفيلسوف .

    وبعد أن حطّت المعركة أوزارها قام صديقي بإصدار كتاب حازم اللهجة – من وجهة نظره – بطلب القصاص من البلدية العليا التي تتبع للحمار عفوا التي يتبعها الحمار وقد اختلط الأمر عليّ بسبب إطلاق اسمه على البلدية مؤخراً ،

    لكنه لم يكتف بالقانون فقد قرّر أيضاً أخذ الثأر من عدوه اللّدود بقفزه فوق القانون فقد كان بطل عشيرته بالقفز بالمشاكل لعامين متتالين فقرر خداع الحمار واستدراجه لخيمته بحجّة عمل مؤتمر سلام معه وهناك يقوم بإلقاء القبض عليه وكان ذلك طبعاً بعد أخذ رأي الخرفان وتعهده لهم إذا القوا القبض عليه مشيراً عليهم بفكرةٍ جهنميةٍ بأنهم سيستخدمونه عند القيام بإرسال التقارير بينهم بدلاً من إرهاق حوافرهم التي أكلت الأرض منها من طول ما مشوا على مدى الدهر .

    جاء المدعوّون للخيمة واجتمع مجلس التآمر على الحمار ولم يستمع أحد له فقد أُهمل صوته تماماً لأنّه اُعتبر أسير حرب .
    النتيجة أن جميع الحضور تآمروا عليه بينما تآلف هو معهم واقتنع بما آل إليه حاله فالدنيا شيمتها الغدر وهي فانية بالنهاية ولا يجوز للمرء أن يستسلم للعناد بالرفض للحلول وللأفكار لأنه ليس لديه أدنى تفكير لا سيء ولا جيد وكفاه عدم تفكيره هنا شرّ ذلك المجلس وما يطبخ به فبقي حُراً بقراره أسيراً لديهم !..وقد هدّأ صديقي الشاعر من روعه قائلاً لطالما رقصت على جثث الحمير خراف ،
    أما عن معاشه و حياته فقد قرروا مساواته بأنفسهم و إطلاق حافره بحديقة قرب الخيمة لتنظيف القمامة وأما غذائه فمن ركن القمامة التي يقضي الأصدقاء قربها أوقات فراغهم ومن سوّى الحمار بنفسه ما ظلمه طبعاً .

    لكنّه ما لبث أن أتى مسرعاً ( بُنُّ الحبالِ) كبير المفتّشين المسؤول عن جميع البلديات بالعشائر في تلك المنطقة ليحقّق بموضوع البلاغ ضد الحمار ومعه فريق عملٍ سريٍ، وحين شاهد الحمار يتمشى أمام الخيمة بطلاقةٍ و سرورٍ تمتم ( المفتش ) وأرغى و أزبد فكيف لهؤلاء العصبة أن يكون الحمار لديهم وهو يبحث عنه منذ حينٍ من الدقائق الرملية وكذلك لاحظ المفتش بأنه هو نفسه لا يملك حماراً بل يستعمل خفيه المتهرئين بالتنقل!

    فاجتمع مع نفسه رأساً على أعقاب الأستشارة التي استشار بها ذاته وأدلى دلوه فحازَ على أغلبيةٍ ساحقةٍ من قبلهِ ونالَ جُلّ موافقته ورضاهُ !
    كان الدلو الذي تدلى من حبالهِ الصوتيةِ أن تُشكّل محكمةَ طوارئ ميدانية مكونة منه وبرئاسته فقط كونه أقرب الموجودين لرئيس المحكمة فهو ابن عمه المقرّب ، ونودي على المجرم فجيءَ إليه بالحمار مقيدّاً وهو ذليل الأذنين عديم الذنب .

    حاول المسكين الاستفسار عما يدور حوله وقال : من أنتمْ ؟؟ ولا أدري كيف فهمها صديقي منه لكنه قالها كما قالها ( هورريو) وترجمها له بنّ الحبالِ فهو ناطق بجميع لغات الأرض
    لكن تم إعلامه فوراً بطريقة ما بأنه لا يحق له الكلام نهائياً! لكن محاميه الخاص يستطيع ذلك كما تقتضي القوانين إذا أراد ذلك ، ولمّا كان لا يوجد محامين لدى البشر في هذه البقعة النائية من الأرض فقد التزم جانب الصمت وذلك كنتيجةٍ منطقيةٍ ومفروضةٍ عليه بنفس الوقت ،
    وسريعاً وبدون مداولات ومرافعات و شهود عيان وبغياب نشطاء حقوق الحيوان , تفاهم المفتش مع شخصه قرّرَ لوحده ِ فردياً وبالإجماع ما يلي :

    أولاً: إدانة المحكوم عليه ( الحمار ) بانتحال صفة أسير حرب دون علم البلدية بذلك مما نال من هيبة البلدية الموقرة.
    ثانياً:الحكم عليه موتاً بالرصاص لتجرئه على ذلك لكي يغلق موضوعه نهائياً ودفنه تحت الكثبان الرملية .
    ثالثاً: اعتبار القرار حضورياً وجاهياً ونافذاً وقطعياً وينفذ فوراً ولا ينشر القرار بجدار العشيرة ويعتبر أمراً عسكرياً سريا.
    رابعاً : براءة صديقي المتهم بإيواء مطلوب خطير كون المجرم وجد عنده بمحض إرادته و اعتبار الحمار محتلاً لحديقة صديقي بالقوة .

    صديقي حاول أن يقنع المفتش بالكمّ الهائل من القدرات التي يمتلكها والتي تؤهله لأن ينفذ الحكم فيأخذ بالثأر من المحكوم عليه .
    وفعلاً تم تكليف البطل بمهمة تنفيذ الحكم فوراً وعلى مسيرة بضع دقائق من الخيمة على سفح هضبة مواليةٍ قبالةَ نقطةٍ حدوديةٍ للبلد المجاورِ المعادي الشقيق ! وأعطى المفتش السلاح لصديقي و حدّد له مهلة لا تزيد عن نصف ساعةٍ رمليةٍ لتنفيذ المهمة

    وصديقي العبقري لم يفلحْ بتحويل النصف الساعة الرملية لنصف ساعةٍ عاديةٍ فتاهَ الأمرُ عليه ومشى بسرعة خوفاً من عقاب المفتش ، هرول الحمار وصديقي القديم وهو يشعر بالذنب يتدلى منه لأنه هو الذي استبقى الحمار لديه ولم يسلمه للبلدية وهو الذي تآمر عليه ولاسيما أنه قد خاض معه حرباً ضروس أقوى من حرب داحس و الغبراء بزعمه ولم يُفلح بالحرب كما أنه فشل بالسّلمِ كما يبدو جلياً وذهبت خطته أدراجَ الرياحِ .

    وحاول خلال لطريق استرضاء المحكوم لكي لا يمتنع عن المسير حتى وصلا للمنطقة التي رسمها له كبير مفتشي البلدية ، لم يكن هناك أحداً على الإطلاق سوى صديقي و الحمار و الأفكار المتبادلة بينهما ،فجالت بخاطره فكرةٌ عبقريةٌ كتلك التي خطرت ببال عصبة في زمانٍ قديمٍ لأنّ ضميرهُ الغائبَ قد هبط فجأة عليه وصار يؤنبه. لقد قرر اطلاق العنان للحمار ليهرب للبلد المعادي الشقيق ؟ فينجو بحياته كمنْ كُتبَ له عمرٌ جديدٌ ،
    قال للحمار ستنجو أيها المظلوم مغتبطاً مبدياً في الوقت نفسه إعجابه بنفسه المتحضرة ومرحباً بضميره العائد.
    أجل لقد أراد نجاة الحمار المسكين ، أراد ذلك بكل طيبته الغير معهودة فقد ارتفع مستوى الشهامة لديه إلى مستوى قياسي حسب مقياس النذالة الجاهلي الذي توقف عن العمل بعد ذلك .
    شده من اللجام بكل ما أوتي من قوة لكن المحكوم عليه لم يتحرك كما كان يتوقّع صديقي الحمار قيد أُنملةٍ ، وجعل يشد و يشد و الحمار يشد بالإتجاه المعاكس حتى انقطع الحبل وظل صديقي ممسكاً به و هو يتدحرج خلفياً لعدة قلبات بهلوانية "هههههههههه المعذرة لم أستطع أن أتمالك نفسي فخرجت الضحكة رغماً عني" تدحرج فوق الهضبة وقعد يندب حظه المشؤوم!!
    بينما قطّبَ الحمار شاربيه بأقصى ما يستطيعه رجلٌ عبوسٌ على وجه الأرض ! وكأن ثمة يقين لديه بأنها آخر مرة يقف فيها ببلده مُلقياً بهمومه خلفَ صهوتهِ.

    لكنه أطالَ المكوث أرضاً بينما سبقه عقله منطلقاً إلى المفتش ينتظر عودته ليبشره بموتِ المجرم ويجب أن يعود قبل غيابِ الرّمل عن القسم العلوي للساعة.
    قام وجاء خلف الحمار وضربه على قفاه بعنف ليحثه على الحركة لكنّه أبى ، حاول بشتّى السُبل و رفض المدعو بكلّ الوسائل فلم يعد يدري ما يفعل خصوصاً أن الوقت بدأ ينفذ كما ينفذ الصبر من العجول.
    فاستلّ الرجل سلاحه وأطلق قذيفته قرب قوائم المسكين مما سبب هلعاً عظيماً بالمكان فخرّ أشجع رجل بالعشائر ملقيّاً على قفاه "هههههههههه اعتذر جداً للمقاطعة" وقع من قوةِ ارتدادِ السلاحِ عليه ذلك البطل !!!

    و حالاً ربطَ جأشه كما يربط حبل سروالهِ عادةً بقوةٍ ! واستعاد هيبتَه وهيبة القانون متداركاً فضيحةً كانت كفيلةٌ بالقضاء على حلمه بالكرسي فيما لو علمَ به أحد.
    أشار إلى ساحةٍ رمليةٍ تشير إلى انتهاء حدود حضارةٍ وبدء حضارة أخرى عسى تلتقط إشارته لكن الحمار وقف متحدياً والتفت مُستنكراً ، عجيبٌ أمر هذا الحمار يفضّل الموت ولا يريد الهرب و التهرب من المسؤولية والعقاب فلم يُجبره صديقي على ذلك ؟

    لقد عمل مع المسؤولين بالبلدية لفترةٍ طويلة جداً ولطالما تعرّض للاضطهاد و الكلام المهين و قد عبر الحدود عدةَ مراتٍ ومراتٍ بطرق شرعية لكنّه أحسّ هنا بأنه لن يعود لوطنه مجدداً !
    وهو في حالة موافقته وعبور الحدود بصورةٍ غير شرعيةٍ يعرّضه للمساءلة القانونية لقد وجد نفسه أمام خيار صعب فإما نيل الموت بدون ذنبٍ وإما إجباره على العمل واستنـزاف خبراته ببلد آخر لا يمتّ له بِصِلةٍ وهو ما لا يتحمّله أيّ عقل بالدنيا فما بالك بعقل حمار !
    فنفض رأسه بشدةٍ كأنّه يكش الذباب عن عينيه أوكأنّه يطرد أًفكاراً إنسانية من بنيّات أفكار تريد أن تدخل رأسه من أذنه !!

    المهمّ الآن وطالما أنه قد رفض القرار المطروح فلم يعد ثمّة مفرٍ من الخيار المفروض
    فصديقي لا يريد أن يكون هو المعاقب من قبل المفتش عوضاً عنه ،

    سدّد بُندقيته تجاه الهدف مستحضراً شريط الذكريات والحرب القديمة و مخالفة الخفير له بسبب الحمار واستنهض الحقدَ الدفينَ فأسند ظهره لجزع نخلة كي لا يسقط مرة أخرى وأطلق بيدين مرتجفتين وقلبٍ ميتٍ رصاصةً استقرت بالظّهر الذي حملهُ ، سقطت بيضة من عشٍ للسنونو على رأس صديقي من اهتزاز النخلة فأصيب البطلُ بالذعرِ!!
    ثم ابتسم ساخراً وأكلها وهو ينظف أصابعه بفمه،
    تأرجحَ الخرجُ و ترنّحَ المُصابُ لوهلةٍ، ثم التفتَ محدقاً بصديقي معاتباً له الذي أقسم لي لاحقاً بأنه لن ينسى تلك النظرة والدموع الغزيرة ما دام حياً .

    هنا فقط شعرَ الحمارُ بالخيانة وسقطَ صديقي من عينه نهائياً ! فهو لم يفعل منكراً مما يستدعي قتله بهذه الطريقة البشعة بالإضافة إلى أنه لم يبق صامداً بمحض إرادته فهو حمار لا يعرف مصلحته !
    وبقي واقفاً لا يدري ماذا يفعل فهو لم يُقتل من قبل ، عدا أنه لم يُصب بطلقة واحدة طيلة حياته ما عدا تلك المعركة الطاحنة الوحيدة التي قُطع فيها ذنَبه ،
    كما أنه لم يشاهد من قبل رجل مدنياً يطلقُ الرصاصَ ! فارتجّ عليه الأمر وحاول أن يبقى واقفاً لآخر أمر تستطيع أعصابه وعضلاته تنفيذه لكنه سقط بعد أن نزفت الأوامر من جراحه كثيراً وروت تراباً لا يعرف تنفيذ الأوامر ،
    وحقيقةً يجب أن ألتمس له العذر أو على الأقل أن لا نُعاتبه على جهله بحقيقة الأمور لهذه الدرجة الوحشية.

    أما الجلاد فقد حسم الموقف وبدا كسفير الموت وأطلق رصاصة الرحمة التي أصابت الحمار بجسده الكسير الجريح فسقط متخبطاً بدمائه ومنحه ملك الموت دقائق معدودة قبل أن يقطع أنفاسه وحزن الحمار خلالها حزناً شديداً فماتَ من شدّة الحزن و تجمدت الدموع في عينيه.
    فقد أدرك معنى أن يطلق صديقي المتحضر النار عليه ، فكر قبل أن يموت أنه في المرّات القادمة سيعبر الحدود فوراً بدون أدنى تأخير أو تفكير حتى لو لم يترك له الخيار فإنه سيهرب حتماً من ظلم البشر الشديد الموجود بهذه المنطقة ،

    صديقي السابق اقتنع أيضاً أنه لا يصلح لأن يكونَ قائداً لا تاريخياً ولا حتى حديثاً على أحسن تقدير ولا يصلح حتى عضو عشيرة تمتلك النقدَ و حق النقدِ بمجلس العشائر ثم ما لبث أن استدرك و استطردَ كأنه لا يدري فيم هذه الضجة التي أقامها بينه وبين نفسه فالقتيل مجرد حمار .
    وعاد إلى خيمته وفي طريق العودة قال و أقسم أنّه شاهد حماراً جميلاً جديداً قرب تقاطع جديد ووقف بتفرّج عليه فتظاهر الحمار بالانشغال عنه وهرب من دوامه على الفور!!!

    فقلت له مُبدياً رأيي ما معناه أنّني لا أتوافق مع من قاتلَ وتآمرَ و أمرَ و ساعدَ و فتّشَ وأعطاك السلاحَ للتخلص من الحمار وترككَ حراً لتتنـزه في يومٍ ربيعيٍ مشؤومٍ فوق جُثةِ القانونِ !
    فغضبَ وثار فكره الديمقراطي و رفضي رفضاً قاطعاً و كأنه أنكر وجودي تماماً على تلك الأرض معه وجعلني كافراً بمنطقهِ وكاد أن يُقيم عليّ الحدَّ.
    فاشتبكتُ معه بالآراء دفاعاً عن وجودي و ازدادت حدّةُ الإشتباكات كلّما اتسعت الفجوة بيننا يوماً بعد يوم إلى أن لفظني من حياته المتطورة فتركته مع أصدقائهِ في عدلهمْ يتفاخرون ونأيت بنفسي بينما انقلبَ صديقي عدواً لي بدلاً عن الحمير منذ ذلك الحين أي منذُ زمنٍ بعيدٍ .. وانتشر الخبر بين العشائر وأطلقت العشائر على ذلك العام "عام النـزهة" .


    أنا طلاَّعُ مجْدٍ للنُّجومِ ولا أخشى لمن تحتَ الغيومِ

  2. #2

  3. #3
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Apr 2012
    المشاركات : 67
    المواضيع : 2
    الردود : 67
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    بطبعي شغوفة بالقصة وقصتك من النوادر فكلما تصفحت سطرا ازددت حماسا للغوص اكثر ببحر كلامك
    رسمت احداثا خيالية من عمق الواقع فكانت قصتك ذات طابع سياسي ساخر تجسد بعمق تفكيرك الراقي
    بصراحة اثلجت صدري بهكذا اسلوب وتشوقت اكثر لقراءة كتاباتك
    سلمت على الابداع
    وتقبل مرور المتواضع

  4. #4
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.71

    افتراضي

    نص أدبي ساخر وفكرة طيبة ومعالجة وفّقت في اختار زاويتها
    أما السرد فمشوق رغم ما شاب النص من إسهاب
    كان صوت الرواي مرتفعا حتى خلت نفسي أجلس قبالة "الحكواتي" في مجلس شعبي
    ولا يخفى على مثلك أن قهقهات الراوي ليست مما يباح في النص القصي

    دمت بخير أديبنا

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

المواضيع المتشابهه

  1. في النزهة
    بواسطة جمال علوش في المنتدى أَدَبُ الطِّفْلِ (لأطفالنا نحكي)
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 14-07-2006, 07:03 PM
  2. يوميات عربي من عام 2010 حتى عام 2040
    بواسطة عدنان أحمد البحيصي في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 11-06-2004, 09:55 AM
  3. كل عام وأنتم بخير (افتتاح الملتقى)
    بواسطة د. سمير العمري في المنتدى أَخْبَارٌ وَإعْلانَاتٌ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-12-2002, 10:40 PM