وقف استاذ علم النفس داخل قاعة المحاضرات بالجامعة يلقى محاضرته على الطلبة والطالبات , واختتم المحاضرة بقوله :
" عرفنا ان الإنسان خليط من المادة والروح , ولا يمكن للمادة أن تنفصل عن الروح وبالتالى لايمكن للروح أن ينفصل عن المادة , أي أن الإنسان روح وجسد , روح تسمو به الى آفاق الرومانسية والمحبة والنبل والشرف والكرامة و...الخ , وجسد يهبط به الى الغريزة , المتعة .. الحس الدنيوى .. اللذه الجسدية سواء كانت مطعم أو مشرب أو مغنم أو اشباع جنسي "
سكت برهة وجال ببصرة بين الطلاب وقال منهيا حديثه بجملته المعتادة :
- أي أسئلة ..؟
وقفت طالبة تسأل :
" عودتنا على المصارحة والمكاشفة .. وعلمتنا أن خبايا النفس فى كل منا يجب أن تعلن .. ويجب أن يكشف الإنسان مابداخله من آراء.. معتقدات .. أفكار .. يناولها بالعرض والشرح .. وتطرح للنقاش والتمحيص .. يستخلص منها مايتوافق مع دينه أولا .. ثم خلقه .. ثم موروثاته وعادات مجتمعه "
والسؤال المطروح :
- هل تعتقدون أن الحب لابد أن يصاحبه جنس ..؟
وفى عبارة أخرى :
- هل يوجد حب ليس فيه عنصر الجنس ..؟
سرت همهمات .. وأرتفع صياح بعض الطلبة بالموافقة .. والبعض الآخر بالنفي .. بينما أرخت بعض الطالبات عيونهن فى خفر وحياء ..
ابتسم الأستاذ ابتسامة حانية وأشار بيده للطالبة لتجلس ثم قال :
-" سأجيب على هذا السؤال من خلال تجربة شخصية أقصها عليكم .. فمنذ أكثر من عشرة سنوات طرحت نفس السؤال ! فى قاعتكم هذه , كانت الإجابات متفاوتة .. والتعليقات متضاربة .. ومر اسبوع كامل ونحن فى نقاش عقيم .. حتى دخلت غرفة مكتبى الطالبة " س" وجلست قبالتى , وطلبت فى صوت واه أن تعرض رأيها فى الجدل ٍالدائر بيننا .. كانت تبدو مترددة .. عيناها مرهقة .. وجهها شاحب .. طلبت لها كوبا من عصير الليمون وبهدوء تركتها تقص حكايتها "
************************
نشأت فى أسرة متزمتةوملتزمة بتقاليد اجتماعية راسخة .. وبأفكار متشددة لانقاش فيها ولا جدال ..
أنا جميلة كما ترى .. بل رائعة الجمال .. لاأضع مساحيق على وجهى ولا أرتدى ملابس فاضحة أو مبهرجة .. وكل فتاة فى سنى تسخر منى لأنى لاأتزين .. فآثرت الإبتعاد عن المجتمعات واحتفظت لنفسى بآراء كونتها من أحلامى وإيمانى وبما استقر عليه عقلى ووجدانى .. فكانت حياتى كلها للتعليم والقراءة الهادفة المفيدة .. ولكن ماأسمعه من بعض زميلاتى جعلنى أشمئز من فكرة الجنس .. وأدركت أن كل الذين ينظرون الي يستهويهم جسدى ويبحلقون فى عينيى وشفتى وصدرى .. لايريدون روحى .. ولا عذب كلماتى .. ولا رحابة خيالى .. قصة الحب عندهم تكمن فى هذه فلانة تلتقى مع فلان .. يتهامسان .. يتناجيان .. يغيبان فى قبلة حارة .. هالنى ماأسمع .. قلت لنفسى .. لماذا لايكون لقاء من غير قبل أو أحضان ..؟ لم لايكون لقاءً فوق السحاب ؟ ممتلأ بالكلمات العذبة .. والنظرات الباسمة .. والأمانى المطلقة ..
حتى شاهدته ذات يوم ..
جارنا الجديد .. وقف فى الشرفة المجاورة .. نظرت نحوه فى استطلاع .. التقت عينانا .. نفذ السهم الى مركز اليقين .. أخذ قلبى يدق .. دخلت مسرعة وأنا ألوم نفسى .. ثمة قوة خفية تسيطر على حواسى .. تسللت ثانية بنظراتى نحوه .. لم أجده .. حزنت .. ترقرق الدمع من عيني , ماهذا ؟ مالذى أصابنى ؟ ماألحمى التى ارتعد لها كيانى ؟
تكررت النظرات .. والتقت العينان فى توهج حاد .. نظرات لم أعرف تماما .. هل كانت تجذبنى اليه أم تجذبه نحوى ؟ أحسست بإحساس علوي هو الفاصل ٍبين الفناء والخلود !!
وفى صباح مشرق جميل
قابلته فى الأسانسير
نظر نحوى .. تمنيت أن يبدأ بالكلام .. ساد صمت كأنى فى محراب .. لكن أحاسيسى تمور .. تتحرك .. آه لو مد يده فتعلقت بها لينطلق بى فوق السحاب ...
وتكلم .. وتكلمت .. لابد أن صديقتى كانت كاذبة حين قالت لى أنها مع خطيبها تشعر بجسدها ينتفض !!!
***********************************
رشفت الطالبة رشفة من عصير الليمون وأكملت :
طلب منى أن نلتقى .. نظرت اليه والهة .. انه يتسلل الى كل ذرة من كيانى .. موجات متتالية من النشوى تستقر فى جسدى كلما نظرت فى عينيه .. ارتعبت .. جسدى الذى أهملته واحتقرته ورأيت أنه شىء منحط بدأ ينتفض انتفاضات الحياة .. وأنا لاأريد ذالك .. أريد فقط أن أحلق فوق السحاب .. أحلم .. أناجى النجوم .. القمر .. الليل .. نسيم الصيف .. رياح الشتاء .. أزهار الربيع ..
التقينا وأنا مابين الشعور بالخوف والرغبة والجزع والطمأنينة ...
اقترب منى .. لف ذراعه حول كتفى .. إقشعر بدنى .. لماذا أنا ساكتة ...؟ هل أنا راضية ..؟ هل أنا غاضبة ..؟ لم أستطع أن أجيب ّّ ! شعور جديد مشبع بالسرور ينتابنى .. هجوم وحشي من أفكارى يحتوينى .. انى فى حاجة الى كمبيوتر ليحلل شعورى تمنيت أن يختلس منى قبلة ... وجدت نفسى أبكى ..! سأهبط من فوق السحاب ..الى الأرض .. الى الفناء .. الى الجسد ...
نهضت واقفة .. أسرعت أعدو الى البيت وهو يلهث خلفى مشدوها .. متوترا .. جزعا ..
ارتميت فوق الفراش أبكى .. اننى أحبه مافى هذا شك .. الحب فى نظرى طيورا تغرد .. أصواتا تترنم .. أناشيد ترتفع الى السماء العالية .. كانت دنيتى هى النجوم العالية التى لاتطاولها الأجساد الفانية .. أما هو .. يريدنى أن أهبط الى الأرض .. الى التراب .. أن يذوى جسدى فى أديم الأرض .. ان رأسى تنفجر .. أريد أن أقبله ولا أستطيع .. أريد أن يضمنى الى صدره ولا أقدر **********************************************
كان صوتها قد تهدج وخف رويدا رويدا حتى سكت ..
كأن قصتها بلغت غايتها .. ثم نهضت واقفة فى عصبية وهى تقول بحدة :
" لم تجب على السؤال ... هل لابد من الجنس فى الحب ..؟ ٍ ,