تنقلات
ترجلتْ من سيارة الأجرة سارت باتجاه مجمع المدارس الذي يبعد عن نقطة التفتيش مسافة مائتي متر فلا يسمح لغير سيارات المدرسين والمعلمين بالدخول .. خفيفةٌ مشيتها قصيرة خطاها تسير على مهل لوحدها ويسير من خلفها عطر نسائي رقيق ...
وأنا على عجل أسوق خلف مشيتها ساقيَّ؛ لأتجاوزها فليس مقبولا في عرفنا أن يسير رجل خلف امرأة..
اقتربت منها أكثر انحنى نظري صوب الأرض ، قدمان تتقافزان بخفة ورشاقة..
ليس من طبعي أن أتجاوز أحدا دون أن القي التحية.. تنحنحت فليس لخطواتي صوت كي تحس بوجودي؛ خشيت أن تجفل من صوتي .. تنحنحت مرة أخرى وأعقبتها بالسلام عليكم ..
- وعليكم السلام أستاذ..
تعرفني وكيف لا تعرفني وأنا الوحيد بين أقراني أسير على قدمي ؛ أما بقية الأساتذة فعندهم سيارات ..
لم تبلغ خطاي ذروتها فقد أوهنها الفضول في التعرف عليها ، وغررها في التباطؤ إشراقة صوتها وجمال منطقها ولكن ماذا سأقول لها ؟!
جاءتني أفكار منقذة – أسألها إن كانت بحاجة إلى مساعدة – وبالفعل توجت إليها بنصف وجه وعينان مفتوحتان..
- أراك مستعجلة خيرا إن شاء الله هل أستطيع تقديم أي خدمة ؟
- أبداً فانا أسير براحتي فمازال هناك متسع من الوقت لبلوغ المدرسة.. شكرا أستاذ..!
- وهل جئتِ تسألين عن طالب أو طالبة ؟
- لا لقد تم نقلي إلي مدرسة الأمل المتوسطة...
حمدت الله أنها نفس المدرسة التي أدَرِسُ فيها ، تمهل يا ذكي لا تقل لها ذلك اترك لها المفاجئة ..
- أهلا وسهلا بك.. أستميحك عذراً لدي بعض الأعمال التي تستحق العجلة ..
تجاوزتها وسلكت طريقا آخر يؤدي إلى المدرسة ، وهناك جلست في غرفة المدرسين ...ستفاجأ بي حتما ... انتظرت فحصتي هي الثانية ومازال أمامي نصف ساعة ..
طلب المدير اجتماع المدرسين ، دخل يحمل بيده اضبارتين ومعه دخلت المدرسة الجديدة جلستْ بجنب إحدى المدرسات عرفتها ولكنها لم تنتبه لي فقد جلسنا في خط محاذي معا...
الجميع يرتقب ماذا سيقول لنا المدير...
- أيها الأساتذة أنتم تعلمون إننا مرتبطون بوزارة التربية ومديريتها في المحافظة وهي التي تتولى عملية تنقلات المدرسين حسب الحاجة وقد كتبنا نطلب مدرسا لمادة اللغة الإنجليزية وقد وصلنا الإختصاص المطلوب فيسرني أن أقدم لكم الأستاذة (رقية) مدرسة اللغة الانجليزية فأهلا وسهلا بها ...
رحب بها الجميع وبان في وجهها الخجل ودق في قلبي السرور والبهجة ، لست أدري إنه شعور غريب يجتاحني منذ أن رأيتها وسمعت صوتها..
عاد المدير إلى كلامه ، خفت الابتهاج في صوته ، وتلاشت الابتسامة عن وجهه ، وبان عليه عدم الرضا ،نظر أليَّ بصمت وأطرق يتفحص أوراقا بين يديه ..ثم كرر النظر بوجهي بعد أن أفزر إحدى (الإضبارتين) وسلمها لي وقال: أستاذ أحمد يعز علي أن أبلغك الخبر فأنت أستاذ قدير وفاضل ، وإنها جاءت على غير رغبتي ، أتمنى لك التوفيق في المدرسة التي نُقلتَ إليها..
محمد مشعل الكَريشي / 3-3-2013