مصر تتعثر فى الصراعات والثارات ، والكل يزعم أنه المعبر عن الارادة الشعبية ومعه وحده مفتاح نهضتها .
تحولتْ اليابان من دولة مهزومة فقيرة الى قوة كُبرى خلال أقل من ثلاثين عاماً ( 1960 – 1989م ) ، والسبب هو البعد الانسانى والحضارى الذى كان عنوان التجربة .
فكر جديد اعتنقه اليابانيون بعد عقود من العنف والحروب والرغبة فى السيطرة ، فقد آمنوا بالغفران والتسامح مع الآخر ليقضوا على نزعة الثأر وليتفرغوا لبناء دولتهم وصناعة نهضتهم .
من يطلع على حجم الدمار الذى أصاب هذا البلد ومن سارَ فى شوارعه على امتداد الأعوام العشرة بين 1945م و 1955م ويومى السادس والتاسع من أغسطس وحجم الدمار بعد القاء القنبلتين ومئات الآلاف من القتلى والمشوهين ، ومن يرى اليابان قبلَ عام 1960م لا يصدق أن هذا البلد سيعيش ، فضلاً عن أن يحتل الصدارة .
حققتْ اليابان المعجزة ، لا بموقع وموارد وعبقرية غير معهودة ، انما عندما غفرتْ ونحتْ منطقَ الثأر لتتفرغ للبناء ، فاعتذرت للصين وكوريا على انتهاكات الحرب ولم تضع خطة مستقبلية للثأر من أمريكا بعد أن استقر فى وعى اليابانيين فداحة الثأر وشؤم الانتقام .
وكانت الركيزة الأساسية التى بنت عليها استراتيجية نهضتها الحديثة هى تقديم التسامح والغفران وطى صفحة الماضى .
لا ينقصنا شئ من موارد وموقع وثروات وعقول ، بل ما نملكه اذا توفرتْ الارادة يجعل مصر فى المقدمة خلال فترة أقل مما استغرقتها اليابان ، لكننا لا نملك الأهم من ذلك وهو التسامح ، وما دامَ الصراعُ قائماً بهذه الدرجة الجنونية التى تجعل الشعب يكره ويكفر ويخون ويقتل بعضه بعضاً ، فلن تقوم مصر ولن تتقدم يوماً .
اذا وصل شخص عسكرى للسلطة بطريقة أو بأخرى سيستميت الاسلاميون لاسقاطه ثأراً لمرسى وبنفس أساليب الناصريين وجبهة الانقاذ ، واذا اقتنص الاسلاميون السلطة مرة أخرى ستتكرر تجربة مرسى فى الحكم وستأخذ سيناريوهات الافشال هذه المرة أبعاداً دامية نظراً للوضع فى سيناء وما حدث على صعيد المواجهات الأمنية بعد فض رابعة والنهضة .
فلنطوِ هذه الصفحة وليَصدرْ عفو عام عن كل من تقلدَ السلطة خلال الفترة الماضية لسوء التقدير وخطأ الاجتهاد مع عدم التشكيك فى وطنيته بما فيهم الدكتور مرسى ، ولنبدأ صفحة جديدة يشارك فيها أبناء الوطن جميعاً ، مع عدم ترشح شخصية عسكرية أو اسلامية فى هذه المرحلة لمنصب الرئاسة لفترتين رئاسيتين على الأقل .
مع انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنتين بضمانات قوية ترضى الجميع ، وتُعرض التعديلات الدستورية على البرلمان لاقرارها واضفاء المشروعية عليها .
لنفعل دولة القانون والمؤسسات ، ولنحفظ لجميع شهداء وجرحى الفترة الماضية حقوقهم .
وهذا كلام نفيس لصديقى فضيلة الدكتور محمد حافظ آثرتُ الاشارة اليه لمن يشيرون برابعة ويزايدون بالدماء والشهداء : " من قضى نحبه من الشهداء سيسره أن يتحقق ما خرج من أجله من أهداف عظيمة ، وان لم يتمكن اخوانه من الثأر لدمائه الزكية ، ففى جهاد النبى وأصحابه كم من شهيد لم يثأروا له ؛ لأن غاية المناضل نصرة قضيته ولو على حساب حياته ، فان أمكن تحقيق غاية المناضلين باستشهاد بعضهم فلا يصح تعطيل الغاية التى خرجوا من أجلها من أجل الثأر لهم ، لا شك أن الثأر للحرمات والشهداء غاية نبيلة لكن لا يكون ذلك على حساب القضية العامة التى خرجوا من أجلها " .
واجبنا الحرص على ألا يُسفك مزيد من الدماء فى اطار احقاق الحق وعدم الممالأة على الباطل ، ولقد قال رسولنا " لا يسألوننى خطة يعظمون فيها حرمات الله الا أجبتهم اليها " ، وهذا كان مع المشركين فكيف بأبناء الوطن الواحد والدين الواحد ؟
لندفع بالعملية السياسية ، و ولنعيد للوطن وحدته دون اقصاء أو بث لروح الكراهية ، فلن يحكم أحد بسحق خصمه تماماً وانهاء وجوده ، قبل أن يُستنزف الجيش بيد المصريين ، لينجح الغرب فى مخططهم الكبير الذى بدأ بالعراق ومر بسوريا لينتهى بالجائزة الكبرى مصر .
لا تحاكموا الدكتور مرسى ، ولنعفُ عن بعضنا البعض ولنصفحْ ، أما بالانتقام والرغبة فى الانفراد بهزيمة تامة للمنافسين فسنظل فى هذه الدوامة طويلاً الى أن نغرق جميعاً .