الدَّوْحُ لاحَ كَجَحْفلٍ و رُؤُوسُهُ**كعَمَائِم تعلو ظهور عتاقِ
.
تهتزُّ ثائرَة الجَنَانِ كأنَّهَا **في الجَوِّ تَبْدُو لا عَلَى الأعْنَاقِ
.
و السُّحْبُ تَرْكضُ في الْمَدَى تَتْرَى كَمَا**خيْلُ الْمَجَالِ إذا جَرَتْ بِسِبَاقِ
.
والغيْثُ يهْمِي مِنْ مَرازِمِهِ كما **دَمْع العيونِ يَفِرُّ منْ أَحْدَاقِ
.
وَيَفِرُّ جَدْوَلُ منْ براثِنِ نَهْرِهِ**فتَخَالُ لصًّا فَرَّ مِنْ أسْوَاقِ
.
فَكَأنهُ أفْعَى سَعَتْ بِفحيحهَا** بيْنَ الْحَفيفِ وَ ضَجَّةِ الأوْرَاقِ
.
ولعلَّهُ يرْجُو طرِيقًا غيرَ ما ** يرجو أبوه فسارَ دونَ عناقِ
.
هوَ يَرْتَجي دربًا يرَاهُ لِنَفْسِهِ**ما شَقَّهُ أحدٌ من الطُّرَّاقِ
.
لَكِنَّهُ غِـرٌّ ولَيْسَ لأمِّهِ**إلَّا الْحَنان بمائهَا الرَّقـرَاقِ
.
ستظلُّ تمنَحُهُ وتَنْسَى ما جَنَى**وتمُدُّهُ بالصَّفْوِ و الإشْفَاقِ
.
مهما قسَا وانْشَقَّ عَنْهَا فَهيَ لا **تَجِدُ الفتَى أبدًا مَعَ المُرّاقِ
.
هو جَدْوَلٌ يَرْجُو الطَّرِيقَ لعلَّهُ **يوْمًا يُخَضِّرُ واحةَ العشّاقِ
.
فإذَا تلاقى المَوْجُ تَسْمَعُ خفقَةً**للنهرِ تمْحُو حسرةَ الإخفاقِ
.
وكأنما حَبَبُ التلاقي أدمعٌ**تحكي لقاء حلَّ بعد فراقِ
.
عاد الصَّغيرُ لِحضْنِ أمٍّ لمْ تَزَل **رَغْمَ الجفاءِ غزيرَةَ الإغْداقِ
.
ألْقَتْ هناك الشَّمْسُ بَعْضَ خُيُوطِهَا **فغدا كَتِـبْْرٍ ساعةَ الإشْرَاقِ
.
فكَسَتْهُ شَمْسُ الصُّبْحِ أجْمَلَ حُلَّةٍ **فغدا يسيل بِدُرِّهِ الْمُهْرَاقِ
.
فإذا تَغِيبُ الشَّمسُ يذْهَبُ لونُها **كالعهد قبلَ النور والإبراقِ
.
والزَّهرُ هَلَّ من الغصون كأنَّهُ **ياقوتُ فوقَ زَبَرْجَدِ الأوْرَاقِ
.
ويطلُّ للأمواج يلمَحُ نفْسَهُ** في لوحةٍ من سلْسَلٍ دفَّاقِ
.
فكأنما غيداءُ ترْجو صورةً **من واقعٍ لا من حَدِيثِ نفاقِ
.
و البَخْر منْ حَوْلِ الزُّهُورِ كأنَّهُ** والعطْرُ فوَّاحٌ دُخَانُ الرَّاقي
.
والقَطْرُ فوْقَ الزَّهْرِ يَبْرُقُ حبُّهُ**كاللؤلؤ المعقود دونَ وثَاقِ
.
ويفرُّ منها وهْوَ يحمِلُ عطْرَهَا **مثل الجنود تسير في أنْسَاقِ
.
قد نال ما يرجوهُ مِنْهَا فانْبَرَى **للعُشْبِ بعْدَ الفَرِّ و الإعْتَاقِ
.
والروض زاهٍ في عباءةِ سنْدُسٍ **فاضَتْ عليْه بالزُّلَالِ سواقي
.
فكأنما تلكَ السَّوَاقِي أعْيُنٌ **سَكَبَتْ عَلَى الوِدْيَانِ دمعَ مآقِ
.
و يقُودُها عميان دَارُوا مثْلَمَا **طَيرٌ بَدتْ في ساعة الإطْبَاقِ
.
تَجري فيَجْْري المَاءُ من أفْمَامِهَا **للأرضِ بَعْدَ الجَدْبِ كالتِّريَاقِ
.
والموجُ داعبَهُ النَّسِيمُ فلمْ تَعُدْ **صُوَرُ الزُّهُورِ يَفِينَ بالميثاقِ
.
فَتَداخَلَتْ فيهَا الخُطُوطُ كأنها**صُوَرٌ لِمَارِدِ قُمْقُمٍ عِمْلَاقِ
.
فأخَافَت العُصْفُورَ فوْقَ غُصُونِهِ **فمضَى يَصِيحُ بصرْخَةِ الزَّقْزَاقِ
.
ومَضَى إلى جَوِّ السَّمَاِء بِخِفَّةٍ**و وَرَاءَهُ قد ساقَ بَعْضَ رِفَاق
.
لكنَّهُ مَا انْفَكَّ عادَ مُهَرْوِلًا** لمَّا ر أى البازيَّ في الآفاق ِ.
.
فَشَكَى الَّذِي لاقى لِخِلٍّ نابِهٍ**قدْ كَانَ يُدعَى طائرَ الوَقْوَاقِ.
.
كمْ ذَا تَغَنَّى في الصَّبَاحِ بِلَحْنِهِ **وبصَوْتِهِ المُتَقَطِّعِ الصَّفَّاقِ
.
"كوكو" ..ترنَّمَ ..يالها من نغمةٍ !!**ذهَبَتْ بِعَقْلِ السَّامِعِ التَّوَّاقِ
.
فيَرُدُّ زقزقةَ الأنينِ بنبرةٍ ** فتَحَتْ لما قدْ ضَاقَ كلَّ زُقَاقِ
.
هيَّجتَ يا وقوَاقُ أشوَاقًا غَفَتْ**أطْلَقْتَهَا منْ ظُلْمَةِ الأَعْمَاقِ
.
لكأنَّهُ غَنَّى قصيدةَ شَاعِرٍ**ببلاغَةٍ وكنايةٍ وطِبَاقِ
.
غلَبَ الخَلِيلَ ببحْرِ شعرٍ فاتَهُ**و أضاعَ من خشَّانَ كلَّ سِبَاقِ
.
كمْ دَقَّ منْ وَتَدٍ و من سببٍ و كمْ ** ركبَ البِحارَ وشدَّ رُكنَ رواقِ
.
هو شاعرٌ ألْحَانُهُ دقَّتْ علَى**أَلْبَابِ قَوْمٍ صُنَّعٍ حُذَّاقِ
.
وهناكَ ورقاءٌ على بَيْضٍ لهَا**والجَفْنُ بيْنَ الفَتْحِ و الإغلَاقِ
.
والبيض دافئُ تحتها و كأنَّهُ ُ**جمْرٌ يَكاد يبُوحُ بالإحراقِ.
.
قدْ ذكَّرَتْنِي بالصَّفاءِ وعَهْدِهِ**وبفتيةٍ بيض القلوبِ رِقاقِ
.
وأبٍ كريمٍ عشْتُ تَحْتَ جَنَاحِهِ**ونهلتُ منْهُ مكَارِم الأخلَاقِ
.
وحنان أمٍّ فاقَتِ الورْقَاءَ في **حُبٍّ و في حَبٍّ و في إشْفَاقِ
.
والعيْشُ صَفْوٌ و الحياةُ هَنِيئَةٌ**و القلب خالٍ من أسى وَ شِقَاقِ
.
والشِّعْر سيال بخاطرتي كما **حبر الدواة يسيل في أوراقي
.
صُوَرٌ تُسَرُّ النَّفسُ إنْ لاحَتْ لَهَا **وَتَفُكُّ ما بالنَّفْسِ من أطواقِ