كان شيء ما يربطني ونخلة عتيقة قرب بيتنا في البادية ,أسند ظهري إليها وأطلق نظري إلى الأفق الممتد أمامي شلال متدفق من الجمال العذري يختلس لحظاتي رويدا رويدا ,ويرسم في ذاكرتي لوحة فنية وارفة الظلال, لم يكن شيء أجمل عندي من هذه اللحظات أقضيها أراقب شمس الأصيل وهي تودع دنيانا, كي يتسلل الليل بسجوه وسحره ونسيمه العليل, يظل جدعها يختزل الدفئ فيسري في أوصالي يعطيني احساسا بأنها تحبني, فكم استمعت إلى خواطري تجوس ذهني وتفر من سجني في كلمات متناثرة يعلو صوتي بها; فتصل إلى جدور النخلة همساتي المحمومة. كانت مثلي تصبرعلى العطش تكتفي بالقليل من المطر, وترنو إلى الأفق الغائم بأمل كبير ورجاء أكبر, تتألم بما تسمع من آهات وتتراقص على نغمات فرح هاربة من حزن مقيم, وأحلام تشبه طائرة الورق حين تعلو تدفعها الرياح وتضعها حيثما اتفق , تعلق بأشجار الصنوبر العالية تنتظر انطلاقة جديدة ,أتطلع إلى الأعلى فأرى شموخ نخلتي الباسقة في الهواء , تتمايل فاتنة الصحراء تتهادى في أبهى حلل, وتعطي عطاء أحلى من السكر, ومن علوها الشاهق أرى بعين قلبي سجودها وركوعها للمولى عز وجل, ويصلني تسبيحها وتهليلها وقولها الله أكبر, لكن شيء ما تغير حينما غفى الورد على جبين القمر الساهر, والساقية توقفت عن الدوران ,واعتراني شعور بالغربة حينما ضلت الطريق كلماتي إليك, توقفت هنا عند جدع نخلة باسقةتقاوم شبح الموت القادم عبر رمال زاحفة تناثرت حروفي هنا ,وهناك ثم نبتت فجأة! زهورا ورياحينا..........