على ضفّة الجرح أمشي..0
أتنكّب منجلي.! وأستاف وجع اللحظات، وأعبّ من سراج العمر زيته المالح..0
أيها الألم الساكن روحي.. متى تتمزّق كي يشرق مني نبض جديد يعلن ولادتي من جديد..؟
كانت السماء كما كنّا نراها.. هل تذكر.؟
نستلقي على أول هطل الندى، يكاد يبلل دفء السنابل، فتبدو السماء موصولة بآخر سنبلة تفلّتت من حِجْرِ صبيّة تأخذ زينتها الوردية لتنثر النجوم على صفحة السماء..0
كم كانت قريبة منّا..0
تكاد أصابعنا النحيلة تتعلّق على أقرب نجمة لحظة يطلّ على طفولتنا فرح أمنا من ثنيات بياض القمر، وتفوح رائحة عرق تنفصد من وجهها البيدريّ، وتنضح من ثنيات ثوبها المطرّز بألوان القوس البعيد.
هل تذكر.؟
تقول لي: من لا يملك بيدراً ليس له وطنا..؟
ومن لا يرعى الغلال الوفيرة بعد تعب الحصاد لا يليق به أن يتنكب المنجل..0
أما زلت تحمل المنجل يا غسان.؟
أم أنك بعد أن عبّدت الطريق للوصول إلى لحمة السماء هناك على مشارف بيدرنا آثرت أن تتلفّح بالسكون، وتمارس معنا شدو الانتظار..؟
آه يا غسان...0
أعشق في عينيك براءة السؤال، وأتشظى رعباً من لعنات الجواب.0
ماذا أقول لك وقد غادرتنا تتأبط حزمة من السنابل لتصنع منها نجوما تصعّد إلى السماء لحظة تعانق تعب البيدر..0
ملؤوا الطريق الذاهب بكَ إلى شطآن الغرب الذي بدأته أنت وكل الملفّحين بالشواهد البيضاء بالحواجز والسدود، ورصفوا بلحمكم طريقاً جديدةً تمضي مستقيمةً إلى لا مكان، ثم أعلنوك غريباً..0
وعندما جئتك أقيم من جديد رخامات مثواك التي وطأتها رفوش الأقرباء..0
قالوا: فليكن لك أيها الغريب مقاماً إلى حين..0
ويقولون هناك بأن ليس لك من مقام..!0
فمن أنت إذن أيها الغريب..؟
من أنا.. ومن نحن..؟
كنّا نغفو في حضن الريح، نسمع همساً حميماً، فنكتم أنفاسنا..0
وكنتُ صغيراً.. أحسب الحقيقة كلها معلٌّقة على طرف نحولك.. ألم تقل بأنك بدأت رصف الطريق إلى بيدر النور.؟
وسرعان ما كبرنا.. وافترقنا عن ذلك البيدر المرصّع بالنجوم
وسرعان ما قتلوك
وسرعان ما أنكروك، واغتصبوا حلمك، وقيّدوك رقماً هزيلاً على بطاقة حمراء
ثم أعلنوك غريباً..!0
كان الوقت مساء عندما بدت لي السماء مفصولة عن الأرض عبر فجوة لا لون لها
بحثت عن بيدر يمكن أن يحمل تعبي، وينثر النجمات الساكنة زواريب حضني على صفحة الفضاء، فلم أجد..!0
لكنني وجدتك.. كأنك مثلي تبحث عن ذلك الرتق الذي لم يلتحم بعد
البيدر بعيد.. وأنا بعيد.. وأنت على شاهدتك البيضاء ترقب انتظارنا
هل أقول لك يا غسان.؟
ربما لن أستطيع أن أحملك معي عندما تحملني موجة مسعورة إلى شتات جديد..0
لكنني سأبقى أعلّق اسمك على الشواهد الغريبة، وأتنكّب منجلي، وأحمّل أغمار السنابل على أكتاف الصغار الآتين على أجنحة الجرح.0
سأقول لهم
من لا يملك بيدراً ليس له وطناً، وسيبقى غريباً.. رقماً معلّقاً على يافطات الصخب.0
يوم تُريح سنابلك المتعبة على ساحة بيدرنا، تسقط عنك تهمة الـ غريب.. 0
يومها.. سأعلنك شهيداً في موكب عرس كبير..
ع.ك
ـ ـ ـ