كف عن العناد
قبل زمن ليس بقصير وانا احاول جهدي لجمع بقايا الذكريات التي هزت كياني في كل لحظاتها، وعندما وصلت الى اماكن الجرح النازف الذي لم يلتئم بعد ..خط قلمي همسات قلبي واعترافات لم تسجل قبل الان اعترافات ظلت طوال هذه السنين قيد المجهول وتحت سوط القدر الجبار مكبلة بالسلاسل والقيود..لم تلامس اطرافها لحظةً ضوء الشمس ،وهي قد بدأت اسطر قليلة لتخرج بعد ذلك صفحات ملونة بشتى الوان الحب والهجر.. الشوق والعذاب..!
بدأت بكتابة قصتنا..تلك القصة التي هي في نظري ستخلد ابد الدهر ،وان طوى القدر اعمارنا واجسادنا وضيق علينا انفاسنا فهي ستظل جسرا توصل ما عانينا الى الاجيال من بعدنا..!
امسكت قلمي وهيأت اوراقي وابتدأت برسم حروف اسمك في وسط الصفحة لتستقيم اسطرها....!
انتهيت من السطر الاول لأصل الى الثاني ولم اكد انتهي منه حتى توقف قلمي وتحركت الاسطر من بين يدي..علمت حينئذ بان الكلمات عاجزة غير قادرة على وصف مدى حبي لك..وهي نفسها عاجزة غير قادرة على وصف لهفاتك وحبك لي..وادركت بعدها اني مابدأت بكلماتي هذه الا لتقرأها انت وحدك..!
شغفت قلبي وعقلي فبل ان تراك عيني فأحببتك قبل ان اعلم واكتشف بان قلبي صار مسكنك،تهت في بحار عينيك قبل ان اعلم باني احبك..سارت القافلة بحبي ولم تتوقف لحظة منذ ان بدأت ولن تستطيع الوقوف حتى في محطات الراحة..حاصرتني بنظرات لاتصد ،واسرتني بكلمات لم .. أقرأ مثلها من قبل..حنانك احاطني وطواني كأني لم أذق قبل الان طعما للحنان..خضعت اعماقي لأفكارك فانجذبت نحوها ولم اكن اعرف ان كنت استحق منك كل هذا التقرب..؟
سنين طويلة وانا انتظر ان يرق ذلك الحجر الذي بين اضلعك لتأتي الي هناك حيث البعد يفتك بكبدي ويحرق قلبي..جيئتني وقلبك المفعم بالجراح ساهر علي يحرسني حتى من ضوء القمر كلما اراد ان يلامس وجهي..وعيناك اللتان لم تعرف قانونا فيه الدمع قبل الان اصبحت دامعة،بل كانت تتقطر دمعا والما..وكنت تحاول جهدك لتخفيها عني .
كل لهفاتي كانت عاجزة عن وصف تلك اللحظات..بل هي بكل بلاغتها ورقتها لم تقدر على وصف ثانية من ثوانيها..لم كانت تحوي على مشاعر واشواق وعتاب..مع انني في لحظاتي معك لم اكن احتاجها بقدر ما كان يكفيني وجودك معي بقربي،ولم اكن اطمع باكثر من ذلك ان نبقى هكذا معا ابد الدهر.
لم ازل اشعر بهمسات وجودك فكل مكان جلست فيه ولامست يداك اطرافه يجعلني اشعر في اعماقي المشتاقة الى دفئ حنانك وشوقك بوجودك هناك حيث الغربة تلسعني وتنتظرك.
كل لقاءاتنا السابقة صورها، لحظاتها محفورة في ذاكرتي وها انا اضيف اليها صور ولحظات لقائنا هذا لتكون لي بحرا استقي منه كلما اردت تأمل بعض لهفاتي معك..يكاد راسي المثقل بالهموم والاوجاع يتفجر الما..لأنني لم اعد اراك وانا لم اعتد على غيابك..جدران معابدي ..معابدي الوثنية القديمة لم تعتد على هجران آلهتها..وسمعي لم يعد قادرا على سماع المزيد من الترنيمات الحزينة والتي تكاد تصبح رمزا للأماني الضائعة...ليتك تعلم مايحصل بداخلي..؟ ها انا ذا اتقطع الما واحترق عذابا واكاد انهار من شدة العذاب…!
انا لا اسألك الشفقة،ولا اسألك العودة الى جدران معابدي، انما فقط ان تفهم وتدرك وتشعر بما انا فيه وما اعانيه،وان تكف عن عنادك المميت فانا لم اعد قادرة على السير وحدي دون ان ترافقني عيناك وتحرساني من ظل الاشجار.... الى متى تظل هكذا تعانق الصمت..؟ فانا قد سئمت وتعبت من صمتك،واصبحت اخشى ان تقتل الوحدة اجمل ما تحمله لي في اعماقك..واصبحت اخاف عليك من المعاناة والهموم واخاف ان تفقد الامل فتقتلك الحياة وتنهي برحيلك رحلتي وكل آمالي في الحياة.
اتيت اليك مرات عديدة واحدة تلو الاخرى،وانتظرتك هناك حيث المكان الذي شهد لقاءاتنا الاولى في لحظات موحشة قاتلة،وكم مرة انتابني اليأس من ظهورك فكنت اعود ادراجي حاملة كل هموم الحياة، وبالرغم من اليأس لم اكن افقد يوما الامل في ظهورك هناك حيث التقت نظراتنا اول مرة ولم اتوقف لحظة عن حبك والبحث عنك..مررت بكل مكان كنا قد ذهبنا اليه،وجلست هناك تحت شجرة الزيتون التي كنت قد كتبت لك تحتها بأن ذلك اليوم كان اجمل ايام حياتي..وارتدت كل الاماكن التي دمعت فيها عيناك وعيني والتي القلب فيها......!
وكنت اعود كل مرة دون ان اراك ،وكنت استفيق بعدها من حلمي وادرك بانك هناك في بلاد الغربة تحلم مثلي وتعاني مما اعاني،وكنت اجمع ذاكرتي مرة اخرى واشعر في قرارة نفسي بانك قد عدت ترنم في زوايا معابدي وانك كلما مالت الشمس قليلا تصعد الى السماء..وتنتظرني..!
جسدك المفعم..المثخن بالجراح قد انهمك وخارت قواه واصبحت كما قيل لي بؤرة تقصدها الالام والافات وها انباء مرضك تترد على السنة ناسكيك وما اكثرهم..ومايثيرني ويخيفني ويزرع القلق في..هو انك في كل مرة يعاودك الالم تنهار قواك وترتمي بكل بساطة في احضان اليأس وتترك قلبي المشتت المفتوك بجراحه يتألم وحيدا وتنخر انت امام صاعقة المرض.. انت الذي دائما ترفض نعم السماء..وترفض الخضوع ..وتتمرد على كل ما هو ليس انت.. اراك تنهار هكذا امام المرض..وتتركني انا وحيدة حتى بلا سؤال..ولايبقى لي بعدها سوى عالم وحيد التجأ اليه وهو بظني العالم الوحيد الذي سيصلني بعالمك الرهيب....احتضن الاحلام وابكي الليالي قبل ان تغفو عيني وفي كل مرة استيقظ فيها اجد كلماتك يرددها لساني فانا منذ اللحظة الاولى من حبي لك كنت بارعة في حفظ كلماتك..ورساءلك..وعند كل صباح كنت احمل زادي في حقيبتي واعود لأبحث عنك.. عن رجل تائه فقد كل شيء في حياته،ولم يبقى له سوى آمال ضئيلة يتشبث بها...!
وحيدي هل بدأت تدرك ما انا فيه..؟ هل فهمت ماذا يعني ان تفقد امرأة عاشقة عيناها..؟ وهل ادركت ماذا يعني ان تفقد أم رضيعها الوحيد..؟ وصوته لم يزل يخرق سمعها..بكائه..نواحه..قلبه الصغير لم يزل ينبض ويتقطر الما لفراقه حضن أمه...وهل سمعت عن عينا اللبوة المجروحة وهي تحضن وليدها كيف تكون...؟
وحيدي..أ لم تزل تظن بانك قادر على الحياة بعيدا عني..؟ عن حياتي وحضني عن حبي وشوقي ودموعي ولهفاتي التي اصبحت تدرك بانني وحدي القادرة على منحك أياها...!
طفلي الوحيد..(امومتي تناديك..صدقني ستنسى معي آلامك،فأحساسي استلمه من وجودي والهواء الذي اتنفسه والشمس والليل واحلامي كلها تخبرني بذلك..).
فكف عن العناد وعد..ودعني امدك بحياتي من الالف الى الياء..فاني اعلم بانك بها ستعيش..!
4-6-1997