الخـزانـةتمردت عليه ساعات الليل ، سافر عنه النوم إلى أرض أخرى ، قلب جسده يميناً ... يساراً ، تحوقل ، تنمر عليه الفراش ، صار مساميراً تدس ذيولها المسمومة في لحمه الغض ، جذب حوقلة جديدة من أعماقه الساهرة ، نفض جسده عن الفراش المتأفف ، ألقت به قدماه أمام خزانة الملابس العتيقة ، فتح بابها الأيمن ، عربد بيديه وسط الظلام ، أكوام من الملابس البالية التفت حولها ، تخلص منها ، أغلق الباب أمام وجهها الدميم ، تحسس الجانب الآخر من تلك الخزانة ، تصادف ومقبض بابها الأيسر ، إنهار من ثباته المؤقت ، استعرض أصالة صنعه أمام صلابة الأرضية ، داس حليته بقدمه العاري ، مد يديه ليستشعر ماهية الأشياء بالداخل ، مصحف أبيه ... رسائله لزوجته من بلاد العذاب ... عقد الإيجار ... فواتير الكهرباء ، الماء ، التليفون ، الغاز ، التصقت يداه بما يريد ، الغطاء المخملي الثقيل ، جذبه من رقبته ، اتجه به ناحية الفراش الملتهب ، اصطدم بالطاولة الصغيرة ، أطاح بمنفضة السجائر ، انتشرت رائحة الغبار النفاذة ، سعل ، كرر السعال ، كاد أن يختنق ، فرد الغطاء على السرير الفسيح ، صوت بعوضة تائهة يطن خلف أذنيه ، تحوقل ، عاد ليقلق نوم الخزانة ، تلمسها بكفيه ، توصل إلى قمتها ، تصيد زجاجة المبيد الحشري ، رفعها لأعلى ، ضغط رأسها ، أخطأ الاتجاه ، أصاب وجهه الضخم ، سعل بقوة ... كرر السعال ، وضع راحته على ما يخفي رئتيه ، صحح اتجاه الفوهة ، دك الغرفة برشات متتالية ، صمت الطنين ، أسند الزجاجة بمكانها ، قصد الفراش المنتظر ، أعاقه صندوق القمامة بالطريق ، ركله بقدمه ، تغلغلت رائحة العفن في جزيئات الهواء ، قاوم السعال القادم ، لهثت رئتاه ، دحرج جسده المكور تحت الغطاء ، هدأت اللحظات ، عاد النوم إلى أرضه بعد غياب ، ثقل عليه الغطاء ، اشتدت الحرارة ، لفه العرق من كل ناحية ، فاض داخل أذنيه ، نهض مفزوعاً ... تخبط ... صرخ : الحرارة ... الحرارة ، أيقظ المصباح ، نظر عداد الأيام على الحائط ، يشير نحو أغسطس المغرور ، ارتفع الصراخ : سينفجر ... الحرارة... سينفجر ، أزاح باب الغرفة عن مشجب الملابس ، إطمئن حزامه الناسف ، خلعه من مكانه ، حاصر به جسده ، أطفأ المصباح ، عاد لفراشه الحائر ، أحكم الغطاء المخملي ، هدأت اللحظات ... نام .