ديكارتلم يكن ديكارت هو أول من ابتدع المنهج المسمى " الشك المنهجى " بهدف الوصول إلى الحقيقة , فقد سبقه إلى ذلك فلاسفة مثل سقراط (469-399 ق.م) فى منهجه " التهكم و التوليد " , و كذلك أتى الإمام أبو حامد الغزالى ( 450- 505 هـ) فى كتابه المنقذ من الضلال بشك مماثل مناظر له فى الشكل مخالف له فى الطبيعة , فلقد كان شك ديكارت شكا عقليا , بينما كان شك الغزالى حالة نفسية .. لكن شك كليهما كان سبيلا للوصول إلى الحقيقة .
و الشك المنهجى
و قبل الدخول إلى هذه الميادين , أرى أنه لا بد أن نورد أن الشك انقسم إلى نوعين رئسيين :
1- الشك المذهبى :
* و كان يهدف إلى هدم الحقيقة و المعرفة - و الأخلاق أحيانا .
* من ممثليهم : السوفسطائيون , بيرون (360 ق.م) ,أناسيداموس , أغريبا , سكستوس امبريكوس ..الخ
2- الشك المنهجى :
* و كان يهدف الوصول إلى الحقيقة بعد هدم الأوهام و الخزعبلات حتى تقوم الحقيقة على أساس واضح لا يخالجه أدنى شك .
* و من ممثليهم : سقراط , الغزالى ( بحكم الأسلوب ) , و ديكارت ... الخ
و قد سبقت ديكارت فترة طويلة من الركود الفكرى كانت نتيجة لإيمان الكنيسة بفلسفة أرسطو , و اعتمادها فى البرهنة على القضايا الدينية بالمنطق الأرسطى – خاصة القياس , و حرمت الخروج عليه و اتهمت من يفعل ذلك بالهرطقة .. فكبلت بذلك العقل , و حرمته من الإبداع و الاختراع .
و فى هذا المجال يذكر ما قامت به الكنيسة بإزاء الفيلسوف برونو الذى أحرقته الكنيسة حيا لمعارضته أرسطو , و ما كادت أن تفعله مع جاليليو الذى قال بدوران الأرض حول الشمس مخالفا بذلك أرسطوالذى كان يقول إن الشمس هى التى تدور حول الأرض , فقد كاد يلاقى نفس مصير برونو .. لولا أن تراجع و تاب و أناب … و لكنه اقتناعا برأيه ضــرب الأرض بقدمه قائلا: ( و لكنها تدور ).
لقد كانت أوربا تعيش فترة من اليقين الدوجماطيقى (القطعى – الذى لا يقبل مناقشة ) .. فكان لا بد من ظهور حركة تعيد للعقل احترامه و للعلم أساليبه … فظهر ديكارت فى فرنسا , و فرانسيس بيكون (1561-1626) فى انجلترا .. الأول اهتم بالعقل و الفكر و أساليبه و أساليب تطهيره من الخرافات و استخدم فى ذلك منهج الشك المنهجى .. و بيكون قام ليضع للعقل أسلوبا تجريبيا يتقدم به العلم ..
إذا كان منهج ديكارت منهجا تأمليا , فإن منهج بيكون منهج تجريبى .. الأول يقوم على الحدس و الاستنباط و الثانى يقوم على التجربة و الاستقراء و الأسلوب العلمى …مع اعتيار أن كليهما بدأ منهجه بمهاجمة أرسطو و منهج أرسطو و اتهامه بالعقم .
نعود إلى ديكارت ومنهج الشك المنهجى , فنقول إنه أسلوب اصطنعه ديكارت ( لغربلة الأفكار ) ليسقط منها الخاطئ و الخرافى و لا يتبقى إلا ما هو يقينى .. فهو شك بناء , يريد أن يقيم الحقيقة على أساس من اليقين البديهى , بعكس الشك المطلق الذى لا يهدف إلا إلى الهدم .. هدم الحقيقة , و العلم و الأخلاق .
مصطفى درويش سلام