السلام عليكم ورحمة الله..
في ختام هذا العام الجديد.. تكشف لنا ما كان غامضا في أوله.. حين كنا نحاول التنبؤ بما كان يخبأه الغيب في طياته.. رغم أنا نعلم علم اليقين أن النبوءات لم ولن ترفع عن حجب الغيب غطاء.. وكمحاولة للخروج باستنتاجات عقلانية على الأقل في ذلك الوقت.. خَلُصنا إلى أنه مهما وصلت خطوات جيوش التتار إلى دروبنا في ظل صمت الأنظمة المريب والمعيب، فالمقاومة العربية المسلمة ستكون البديل عن هذا التخاذل النظامي.. إذ صارت خطواتها أكثر استقرارا في السنوات الأخيرة.. حيث ازداد صمود الشعوب العربية المستعمرة وتشبثهم بحقوقهم المسلوبة أكثر ظلما وعدوانا في كل قمة ومؤتمر ولجنة.. وكبرت جهود الأبرار من أبنائه تضحية.. وكبر بذلك قلق الأعداء حول مصير جنودهم الذين باتوا يتساقطون أمام أعينهم كأعجاز النخل الخاوية رغم تزويدهم بأحدث الأسلحة دمارا وأجهز الطائرات الحربية والدبابات.. وكل ما يستطيعون به إخافة هذا العربي المسلم الذي أصبح عثرة في طريقهم نحو استغلال كل شبر من أرضه وكل ثروة طبيعية يعوّضون بها النقص والعجز الكبير اللذان يعانون منهما في مسيرة حضارتهم الذاهبة نحو الزوال بإذن الله..
وكل ذا عقل سليم يعلم علم اليقين أن المقاومة المسلمة في زمننا المفبرك هذا قد أصبحت من عناصر القضية المصيرية ولا يمكن لأي قوة على وجه الأرض مهما عظمت أن تحد منها.. وقد رأينا على أيدي كل مقاوم شهم كيف يكون الصمود، وكيف تصغر الدنيا في عين أولئك الرجال وهم يفتدون أهلهم وأبناء وطنهم.. وكيف يقتصون من عدو يقتل الأطفال والشيوخ والعزل.. ويغتصب النساء ويهدم منازل المدنيين على رؤوسهم وهم أحياء.. ويدمر المآثر الإسلامية ويخرب المساجد كي لا يبقى هناك موضع تتم فيه صلاة الجماعة بخشوع لله سبحانه وتعالى..
وكأفراد واعيين نوقن علم اليقين أن لا حل لقضية كل بلد مسلم استعمر أو قد يستعمر في كل اللجان والمؤتمرات والتقارير والقمم العربية التي لا تجلب لنا سوى الخزي والعار على ما يفرطه أصحاب القرار فيها من حقوق شعوبهم التي يعلمون جسامة مسؤوليتهم نحوها أمام الله.. لكن حبا في نعيم الدنيا ولمعان صورهم فيها ورحابة كراسيهم استطاعوا أن يغضوا من أبصارهم على كل ما يرونه واقعا على الساحة.. وليستمر عذاب شعوبهم وتخلفهم ما شاء لهما الاستمرار ما دام فيهما ضمان للمنصب والكرسي والمكانة..
وقد فهمت كل العقول كيف استطاعت المقاومة - التي تؤمن بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة - أن تصل أهدافا كبرى لم تستطع أن تصلها أي قمة وأي مؤتمر عربي كان أم أجنبي منذ أول يوم غرست فيه شوكة شرذمة بني صهيون في قلب العالم العربي ومنذ أول يوم وطئت فيه علوج أمريكا والغرب ديارنا.. هؤلاء المرتزقة الذين لم يخطر ببالهم يوما أن هذه المقاومة الصلبة قد تخرج من بين صفوف ذلك الشعب الذي يستولون على أرضه بالغصب طمعا فيما حباها الله من ثروات طبيعية محاولين تشريده في كل بقاع الدنيا..
وقد كانت سياسة العدو مبنية أصلا على تفتيت ما بين الدول العربية من أواصر في خطط ظاهرة وأخرى خفية قائمة على التخريب والفساد النفسيين وعلى زرع نبات الكراهة ما بين شعوب العرب الذين عم الفساد بين ظهرانيهم في وضح النهار واختفت من قلوبهم تلك المحبة التي كانت قائمة بينهم على خلفية ما يحاك لهم بتلك الأيدي الخبيثة التي امتدت حولهم في صور شتى لتتقرب وتعطي بعضهم قشور حضارتها العلمية وتتباعد وتمنع عن بعضهم.. وتعرض على كل حلا مفردا لمزيد من الشق بينهم لتضربهم ضربة محكمة الهدف..
وبعد أن تأكدت الشعوب العربية المستعمرة أن لا خيار أمام ما تتكبده من خسائر في أرواح أبنائها، وما تعيشه من سلب ونهب كل يوم، وما يصيبها من تشرد حيث كثرت فيها ملاجئ العراء وبلغت نسبة المهجرين أكثر من %50 في فلسطين وحدها وزج الملايين من أبنائها في السجون (في ظل الصمت العربي المطبق الذي شاهد ولا زال يشاهد الآن احتراق كل من فلسطين والعراق ولبنان وكل أرض مسلمة أمام عينيه الاثنتين.. ومع ذلك وبنظرة واحدة إلى حياة الشعوب العربية الأخرى نرى كيف أن باقي العواصم والمدن وحتى القرى منها يعشن خاليات البال ولا يكدر حياة الليل فيهن مكدر.. حيث أن أغلب الصحف والمجلات والقنوات المحلية والفضائية حافلات بالإعلانات عن الحفلات الراقصة وعن أفلام الحب والغرام ومباريات كرة القدم وبأخبار الفنانين الذين أصبح عددهم أكثر من عدد عمال البناء..)، باركت خروج فلذات أكبادها إلى الميدان وتمهيد الطرق لهم وكذا كتمان أسرارهم في مقاومة شعبية باسلة قد بلغت الآن وحدات كبيرة من الفصائل الرافضة فكرة السلم الذي يعني بمفهومه الجديد الاستسلام الكامل والخنوع لهيمنة العدو أرضا وفكرا ودينا..
ومع استمرار توافد حشود التتار على أطراف الأمة العربية في محاولة لقص أجنحتها المتمثلة في فصائل المقاومة المشروعة بعد أن سَهُل عليهم الظفر بقلبها وتخدير جنودها الذين مُحيت من ذاكرة دماغهم المركب كلمة "حماية"، تعددت وسائل الدفاع لدى المقاومة وتطورت سبل مقاومتها أكثر فأكثر لتصل حتى ضرب ثكنات العدو في جحرهم.. رغم التجاهل الظاهر لوسائل الإعلام التي تنكرت وتجاهلت كثيرا ما تحققه عمليات المقاومين من أهداف إستراتيجية هامة وكبيرة إذا ما قورنت بالعتاد والسلاح القليلين الكمية والكيف الذي يملكه أولئك البواسل الذين أبوا العيش صغارا..
وكي لا نتجاهل ذكاء العدو الذي بات يعرف نقاط ضعف الأمة العربية من نقاط قوتها.. نقول أنه قد سلّط أضواء مصابيحه الخفية أكثر ما مرة على بنية هذه المقاومة في محاولة مركزة منه لفك رموزها وكسر أجنحتها..
ولكن أنى له ذلك في دولة العراق التي وعى أبناءها الأحرار الدرس جيدا ليوحدوا القوى رغم قلتها أمام ما يعيشونه من سم تضارب الهوية والوطنية في عروقهم.. ورغم ما يتكبدونه من خسارة أرواح شعبهم الذين راحوا ضحية أطماع الخونة والعملاء المتكالبون عليهم من كل جانب.. لتغيب صرخات الثكلى والشيوخ والأطفال وسط أصوات العلوج القوية والتي غطت السماء والمكان عويلا وصراخا لما يحققه أولئك الأبطال من نصر عز صيته واشتاقت الروح والوجدان لرؤية هلاله ولو من بعيد..
وأنى له ذلك في دولة لبنان التي استطاع شعبها الأبي أن يبصم كلمته الأخيرة رغم كل شيء.. وهي خيار المقاومة حتى يفتح الله له نصرا من عنده وفتحا مبينا.. فاشرأبت أعناق اليهود حتى وصلت سماء لبنان بطياراتهم الحربية والمزودة بأفتك القنابل العنقودية.. وكان الخذلان والهزيمة نصيبا لهم أمام شعب أبى غير المقاومة خيارا..
وأنى له ذلك أيضا بك يا فلسطين رغم ما رأيناه فيك من تقسيم وتهميش وتهجير وتشريد وما نراه فيك اليوم من اشتباكات دموية بين فصائلك المقاومة والذين بدأت تأخذهم زينة الحياة الدنيا ليخرج الله من بينهم الحق بعد أن ينسوا ما يريده بني صهيون المختلفون عن بني البشر كل الاختلاف رغم أن الاستعمار واحد.. لكن ما تريده أمريكا وحلفاءها من العراق هو غير ما تريده بني صهيون منك يا فلسطين ومنا نحن القابعون في ديارنا ظنا منا أنا آمنون من الاختراق والاحتراق.. ولو درت رؤوس فصائلك الجديدة ودرينا معهم جميعا خطر أولئك الصهاينة والمرتزقة المتصهينون لعز نومهم ونومنا، ولجعلنا كل خلاف بيننا مهما كان يتصاغر ويتصاغر إلى جانب قضايا المصير.. حيث الكل في سفينة واحدة غارقة أو ناجية..
ومهما وصلت الأحداث من فتنة واشتباكات بين عشائرك وفصائلك يا فلسطين ومن غارات أخرى صهيونية في سماءك المباركة.. ومن حفريات تحتية لقدسك المخفية عن العيون (حيث لا يظهر لنا إعلامنا الأعرج غير الصورة البديلة لقدسك السليبة).. تبقى الكلمة الأخيرة دائما وأبدا لشعبك الأبي والمرابط والذي ما رضي أبدا حتى يرضى عنك خيارا..
ولا زالت مأساة أمتك اليوم يا إسلام محصورة ما بين الفرقة والجهل والتمزق والفقر والتخلف في انتظار أن يستفيق العرب من سباتهم العميق وقد طال دهورا..
ولا زال الخيار وكل الخيار السليم فيك يا مقاومة..