|
لا تَعْذِلِي إِنِّـي صَرَمْـتُ حِبَالِـي |
وَجَعَلْتُ حَظِّي مِنْكِ رَاحَـةَ بَالِـي |
جُرِّعْتُ مِنْ غُصَصِ الهَوَى وَحَسبْتُهَا |
مِنْ فَرْطِ جَهْلِي مِـنْ سُـلافِ دَلالِ |
أَمْلَيـتُ لِلعَهْـدِ الأَكِيـدِ مُنَافِحًـا |
وَأَمِلْتُ فِيكِ فَلَو عَلِمْـتِ بِحَالِـي |
أَكْثَرْتِ عَـذْلاً وَالأَحِبَّـةُ تَجْتَبِـي |
فِـي يُسْـرِ أَيَّـامٍ وَعُسْـرِ لَيَـالِ |
هَا قَدْ غَرَسْتِ الشَّوكَ فِي عَينِ الرِّضَا |
حَتَّى عَمِيتُ مِـنَ الهُمُـومِ حِيَالِـي |
أَغْطَشْتِ ضِحْكَتَهَا وَقَلْبُكِ عَاشِـقٌ |
وَأَسَلْتِ مَدْمَعَهَـا وَقَلْبُـكِ سَـالِ |
وَأَصَبْتِ بِاسْتِعْلاءِ نَفْسِكِ فِي الهَـوَى |
أَمَلَ الوصَالِ فَلاتَ حِيـنَ وصَـالِ |
مِنْ أَينَ أَبْدَأُ يَـا زَمَـانُ؟ غَلَبْتَنِـي |
وَنَصَرْتَ كَيْـدَ الغَـادِرِ المُحْتَـالِ |
أَبْلَيتَ فِي لُجَجِ الخُطُوبِ حَصَافَتِـي |
وَأَذَبْتَ فِي جُـدَدِ المُنَـى أَسْمَالِـي |
وَأَنَبْتَ سَهْمَ الغَيْظِ يَرْشُـقُ هِمَّتِـي |
وَوَأَدْتَ فِي رَحـمِ الأَسَـى آمَالِـي |
وَتَرَكْتَنِي بَيـنَ الحَـوَادِثِ ذَاهِـلاً |
عَنِّـي وَبَيـنَ العَجْـزِ وَالإِقْـلالِ |
وَاغْتَلْتَنِـي حَتَّـى هَتَفْـتُ بِلَهْفَـةٍ |
مَا لِلجُـدُودِ العَاثِـرَاتِ وَمَـا لِـي |
مِنْ أَيْنَ أَبْـدَأُ؟ ذَابِـلاتٌ أَحْرُفِـي |
لَـمْ يُغْرِهُـنَّ بَرَاعَـةُ اسْتِـهْـلالِ |
جَفَّتْ عَلَى شَفَةِ البَيَـانِ مَشَاعِـرِي |
وَاغْرَورَقَتْ بِالوَجْـدِ عَيـنُ مَقَالِـي |
يَا شِعْرُ مَا لِـي أَجْتَبِيـكَ وَتَجْتَبِـي |
غَيرِي وَتَمْـزُجُ بِالأُجَـاجِ زُلالِـي |
طَرَّزْتُ فِيـكَ الأَبْجَدِيَّـةَ أَحْرُفًـا |
أَرْوَاحُـهُـنَّ زَوَاهِــرٌ وَلآلِــي |
وَأَبَـيْـتُ إِلا أَنْ أَرَاكَ مُـكَـرَّمًـا |
تَسْمُو إِلَى الأَعْلَى بِثَـوبِ كَمَـالِ |
أَغوَايَةً يَا شِعْـرُ تَسْكُـنُ أَضْلُعِـي |
تَهْذِي وَتَخْدَعُ مُهْجَتِـي بِمُحَـالِ |
وَهَلِ احْتِسَاءُ الكَأْسِ مِنْكَ غَضَاضَـةٌ |
تُغْرِي النُّفُوسَ بِشَامِخَـاتِ جِبَالِـي |
يَا شِعْرُ أَشْقَيتَ الفُـؤَادَ ، أَصَبْتَنِـي |
فِي وَصلِ ذِي مِقَـةٍ وَفُرْقَـةِ قَـالِ |
وَوَدَدْتُ لَـولا أَنْ يُقَـالَ عَصَيْتَنِـي |
أَنْ لا يُغَـرِّدَ فِيـكَ بُلْبُـلُ بَالِـي |
قَدْ حِرْتُ وَاخْتَلَطَتْ مَعَالِمُ مَـا أَرَى |
فَكَأَنَّنِي فِي الكَونِ مَحْـضُ خَيَـالِ |
أَنَا مَنْ أَنَا؟ تَاهَتْ مَسَارِبُ غُرْبَتِـي |
فِـي رِحْلَـةِ الإِسْقَـامِ وَالإِبْـلالِ |
ضَحِكَتْ مَدَارِجُ خُطْوَتِي لَو أَنْصَفَتْ |
لَبَكَـتْ عَلَـيَّ بِمَدْمَـعٍ سَـيَّـالِ |
أَأَنَـا العِصَامِـيُّ الـذِي بِطُمُوحِـهِ |
أَرْخَى الأَعِنَّةَ مِـنْ جِيَـادِ خِـلالِ |
أَجْرَى إِلَى قِمَمِ العُلا سَيْـلَ النَّـدَى |
وَالسَيْلُ لا يَرْقَـى المَكَـانَ العَالِـي |
أَمْ إِنَّنِـي رُوحٌ تَأَبَّطَـتِ الـعُـلا |
حَتَّى سَقَاهَا العَيْشَ كَـأْسَ خَبَـالِ |
أَنَا مَنْ أَنَـا؟ فَـرْدٌ يُخَاتِـلُ دَهْـرَهُ |
لِصُرُوحِ مَـالٍ أَوْ لِمَـدْحِ خِصَـالِ |
أَمْ أُمَّـةٌ تَسْعَـى لِعِـزَّةِ مَجْـدِهَـا |
بِنَزَاهَـةِ الأَقْــوَالِ وَالأَفْـعَـالِ |
أَلْهَبْتَ يَا سَـوْطَ الحَقِيقَـةِ أَضْلُعِـي |
وَكَشَفْتَ عَورَةَ خَاصِـفِ الغِرْبَـالِ |
أَضْغَاث وَهْـمٍ لا يُعَاقِـرُ مَجْـدَهُ |
إِلا سَرَابًـا لِلـزَّمَـانِ الخَـالِـي |
أَبْكِي عَلَى أَطْـلالِ كُـلِّ فَضِيلَـةٍ |
فَكَأَنَّنِـي رَسْـمٌ مِـن الأَطْــلالِ |
إِنِّي ابْنُ عَصْرِي عَصْرِ نَاضِحَةِ الهَوَى |
وَأَنَا ابْنُ جِيـلِ الـذُّلِّ وَالإِهْمَـالِ |
وَأَنَا الذِي زَعَـمَ البُطُولَـةَ وَادَّعَـى |
مَجْدًا وَخَالَـفَ مَنْهَـجَ الأَبْطَـالِ |
أَنَا يَعْرُبِيُّ الصَـوْتِ لَكِـنْ لَكْنَتِـي |
حَجَلَتْ عَلَى شَفَتِي بِلَحْـنِ رغَـالِ |
أَطْلَقْتُ مِنْ حِمَمِ اللِسَـانِ قَذَائِفِـي |
وَنَسَجْتُ مِنْ دَمْعِ الأَسَـى سِرْبَالِـي |
وَطَفِقْتُ أَلْهُـو وَالزَّمَـانَ وَغَرَّنِـي |
صَلَفِي فَكَانَ الرَّسْفُ فِي الأَغْـلالِ |
سَيْفِي تَحُزُّ بِـهِ أَذَىً عُنُقِـي يَـدِي |
وَنِصَالُ حِقْدِي قَطَّعَـتْ أَوصَالِـي |
أَنَا ذَلِكَ العَرَبِـيُّ خُنْـتُ مَبَادِئِـي |
وَغَدَرْتُ عَهْدَ العَـمِّ قَبْـلَ الخَـالِ |
أَنَا ذَلِكَ العَرَبِـيُّ بِعْـتُ مَوَاطِنِـي |
فَمَوَاطِنـي بَـابٌ بِـلا أَقْـفَـالِ |
يَا سَاحَةَ الأَقْصَى أَتَيتُـكِ حَاسِـرًا |
فَلَقَدْ خَلَعْـتُ عِمَامَتِـي وَعِقَالِـي |
وَلَقَدْ أَتَيتُكِ رَغْـمَ قَيْـدِكِ لاجِئًـا |
فَأَنَا أَضَعْـتُ شَوَاطِئِـي وَرِمَالِـي |
قَسَمَاتُ قُدْسِكِ لَـمْ تَعُـدْ عَرَبِيَّـةً |
وَعُيُونُ عِـزِّكِ غَيْـر ذَاتِ جَـلالِ |
وَأَنِينُ أَسْـرِكِ لا يُحِـرِّكُ سَـادِرًا |
وَدِمَاءُ طِفْلِـكِ مِثْـل مَـاءِ قِـلالِ |
دَمْعِي يَسُحُّ أَسَـىً خُذِيـهِ فَرُبَّمَـا |
يَومَـاً يَقِيـكِ تَجَبُّـرَ الأَنْــذَالِ |
وَابْكِي مَعِي بَغْـدَادَ بَعْـدَ عَفَافِهَـا |
هَتَكَـتْ مَحَارِمَهَـا يَـدُ الأَرْذَالِ |
وَحَضَارَةً بَنَتِ القُـرُونُ صُرُوحَهَـا |
فَهَـوَتْ بِيَـومٍ أَسْـوَدِ الإِهْـلالِ |
حُرِيَّـةً زَعَمُـوا فَدَمْـدَمَ أَمْرُهُـمْ |
بِدَمٍ يَسِيـلُ عَلَـى ثَـرَى الإِذْلالِ |
ضَاقَتْ بِهِمْ سُبُـلُ النَّجَـاةِ كَأَنَّمَـا |
سُبُل النَّجَـاةِ مَسَالِـكُ الأَهْـوَالِ |
بَعْضٌ رَأَى المَوْتَ الحَيَـاةَ وَبَعْضُهُـمْ |
ظَـنَّ انْطِفَـاءَ النَّـارِ بِالإِشْعَـالِ |
بُوشُ الأَمِيـرُ مُؤَيَّـدًا أَقْـرَى بِهِـمْ |
سَغَبَ الـرَّدَى وَالعَلْقَمِـيُّ الوَالِـى |
وَالمُقْتَذَى فِي كُـلِّ أَمْـرٍ حَـارِسٌ |
وَالسَّامِـرِيُّ أَمِيـنُ بَيْـتِ الـمَـالِ |
وَسَأَلْـتُ لا رَدًّا أُرِيـدُ وإِنَّـمَـا |
بَعْضَ التَّدَبُّـرِ بَعْـدَ كُـلِّ سُـؤَالِ |
إنَّا لَنَسْمَـعُ بِالكِـرَامِ فَأَيـنَ هُـمْ |
وَهَلِ الزَّمَانُ مِـنَ الفَـوَارِسِ خَـالِ |
وَهَلِ انْتَضَتْ مِنَّا الحَـوَادِثُ عُصْبَـةً |
مِمَّـنْ يَفِـرُّ بِرِبْـقَـةِ الأَنْـفَـالِ |
وَهَلِ البُّطُونُ مِنَ العُرُوبَـةِ أَجْدَبَـتْ |
حَتَّى أَصَابَ الصِّدْقَ قَحْطُ رِجَـالِ |
مَا لِلشِّغَافِ تَحِنُّ لِلمَاضِـي الـذِي |
عَاشَ التَّغَرُّبَ فِي الزَّمَـانِ الحَالِـي |
ضَيَّعْتُ فِي دَرْبِي فُصُـولَ هُوِيَّتِـي |
وَنَبَذْتُ ذَاتِي فِي ضَرِيـحِ ظِلالِـي |
هَذِي حَيَاتِي شَارَفَـتْ وَمَوَاسِمِـي |
وَرَق الخَرِيفِ يَلُوحُ فِـي الآصَـالِ |
يَبِسَتْ عُرُوقُ الصَّبْرِ فِي بِيدِ الضَّنَـى |
وَذَوَتْ عُـذُوقُ العِـزِّ بِالأَوشَـالِ |
هَانَتْ عَلَى نَفْسِي الحَيَـاةُ وَأَهْلُهَـا |
فَأَنَـا الغَرِيـبُ أَعِيـشُ بَيـنَ الآلِ |
وَأَنَا الذِي أَفْنَـى السِّنِيـنَ مُبَـادِرًا |
خُطُوَاتِهَـا لِمَـكَـارِمٍ وَمَـعَـالِ |
حَالِي عَلَى مَا كَـانَ فِيهَـا عِلَّـةٌ |
وَعَلَى الذِي سَيَكُونُ فِـي إِعْـلالِ |
لَسْتُ ابْنَ عَصْرِي ، قَدْ عَقَقْتُ فُضُولَهُ |
وَفَطَمْتُ عَنْ ثَدْيِ الحَـرَامِ حَلالِـي |
مَـا دَأْبُ أَبْنَـاءِ الزَّمَـانِ يَرُوقُنِـي |
كَـلا وَلا إِرْقَالُهُـمْ يَرْقَـى لِــي |
أَنَا إِنْ وَرَدْتُ العَيْـشَ لا أَرِدُ الخَنَـا |
أَوْ أَنْ أَسُــومَ مَـبَـرَّةً بِـنَـوَالِ |
وَإِذَا احْتَفَلْتُ فَلَسْتُ طَالِبَ بهْـرجٍ |
بَـلْ أَحْتَفِـي بِجَلائِـلِ الأَعْمَـالِ |
أَهَبُ الوُجُودَ مِنَ المُـرُوءَةِ وَالنَّـدَى |
مَا لَيْـسَ يَخْطُـرُ لِلوُجُـودِ بِبَـالِ |
وَأَخِيطُ مِنْ حُلَلِ الفَضَائِلِ مَا الـذِي |
يَرْبُو عَنِ الحُسْنَى وَحُسْـنِ الفَـالِ |
أَرْنُو إِلَـى هِمَـمِ الكِـرَامِ مُؤَمِّـلاً |
أَنْ يَرْسُمُوا فِي الخَلْقِ خَيـرَ مِثَـالِ |
وَبِأَنْ يَبِرُّوا المَجْـدَ فِـي أَسْلافِهِـمْ |
أَو يَنْهَضُوا نَسْجًـا عَلَـى المِنْـوَالِ |
لَنْ يَسْتَعِيـدَ لَنَـا اسْتِقَامَـةَ أَمْرِنَـا |
إِلا الثَّبَـاتُ عَلَـى صُمُـودِ بِـلالِ |
فِي نِيَّةٍ صَدَقَـتْ وَحُسْـنِ سَرِيـرَةٍ |
طَهُـرَتْ وَسطْـوَةِ وَثْبَـةِ الرِّئْبَـالِ |
أَرْدَفْتُ حَتْفِي فَوْقَ صَهْـوَةِ هِمَّتِـي |
لِرِضَـاكَ رَبِّـي لا رِضَـا العُـذَّالِ |
فَعَلَيكَ فِي كُـلِّ الأُمُـورِ تَوَكُّلِـي |
وَإِلَيكَ مِنْ دُونِ الوُجُـودِ سُؤَالِـي |